حوار جزائري – روسي فاتر على وقع تضارب المصالح في الساحل
حظي نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف باستقبال كبار المسؤولين في الجزائر، في أعقاب انعقاد اجتماع لجنة التشاور السياسي، لكن الفتور خيم على الحدث بسبب تأثره بتضارب المصالح بين الطرفين في منطقة الساحل، في ظل الحضور الروسي المتصاعد في مالي والنيجر على حساب الدور الجزائري التقليدي في المنطقة.
وقد استُقبل نائب وزير الخارجية الروسي وممثل الرئيس فلاديمير بوتين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من قبَل الرئيس عبدالمجيد تبون ووزير الخارجية أحمد عطاف ورئيس أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة.
لكن الزيارة، التي جاءت في إطار المشاورات السياسية الثنائية بين الجزائر وروسيا، لم تتعد حدود الأجندة المسطرة بينهما، الأمر الذي يوحي بتأثر علاقاتهما بتضارب المصالح المسجل في منطقة الساحل الصحراوي.
الفتورُ طبع الزيارةَ والمشاورات، ما يترجم حجم تضرر علاقات البلدين المربوطين باتفاقية “شراكة إستراتيجية معمقة” أبرمت بين البلدين
وباتت روسيا تمثل الداعم الأكبر للنخب العسكرية الحاكمة في مالي والنيجر، إلى جانب قوى أخرى منها من يشتغل في العلن ومنها من ينشط في الخفاء، الأمر الذي أزعج الجزائريين كثيرا، خاصة في ظل فك الارتباط المعلن من طرف القيادات العسكرية الحاكمة في باماكو ونيامي، حيث بات دور الجزائر غير مرحب به وانضمت إلى لائحة الدول المغضوب عليها هناك، إلى جانب كل من فرنسا والولايات المتحدة.
ولم يعد الحضور الروسي مقتصرا على أفراد مجموعة فاغنر؛ فقد اتخذ أبعادا أكثر رسمية في تعزيز التعاون مع الحكومات المحلية، بعد الإعلان عن إنشاء فيلق أفريقيا العسكري، وإبرام صفقات تسليح وتدريب بين موسكو وباماكو ونيامي، الأمر الذي تعتبره الجزائر تهديدا لأمنها ومصالحها، بسبب الخيارات المستجدة التي لم تراع دورها التقليدي وأمنها القومي كونها تقتسم نحو 2400 كيلومتر من الحدود البرية مع البلدين.
وكانت قناة “الساحل” قد كشفت عن أن روسيا تقوم بتزويد النيجر بالأسلحة وتنشر منظومة دفاع جوي لمساعدتها على مراقبة مجالها الجوي في إطار برنامج تعاون بين البلدين مرشح لأن يبلغ مستويات عالية في المديَيْن القريب والمتوسط.
وتحدثت القناة عن وصول “عسكريين روس ومعدات حربية روسية إلى نيامي لتفعيل اتفاق تدريب مشترك بين النيجر وروسيا”، لتكرس موسكو بذلك نسقا متصاعدا من التعاون.
وفي وقت سابق أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات مع الجنرال عبدالرحمن تشياني رئيس المجلس العسكري في النيجر من أجل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في المجالات الدفاعية العسكرية والأمنية.
وعلى عكس مناسبات سابقة كانت فيها العلاقات بين الجزائر وروسيا تحظى بهالة إعلامية وسياسية في البلدين، طبع الفتورُ الزيارةَ المذكورة والمشاورات، ما يترجم حجم تضرر علاقات البلدين المربوطين باتفاقية “شراكة إستراتيجية معمقة ” أبرمها الرئيسان تبون وبوتين خلال شهر يونيو الماضي في موسكو.
واكتفى الدبلوماسي الروسي في تصريح مقتضب لوسائل إعلام جزائرية بالتأكيد على “الإرادة الكبيرة التي تحدو بلاده في مواصلة العمل من أجل تطوير الشراكة الإستراتيجية التي تربطها بالجزائر”.
وشدد على “الاحترام المتبادل، والتنسيق السياسي الكبير بين البلدين، لاسيما وأن الجزائر عضو غير دائم في مجلس الأمن، وأن القيادة الروسية ترغب في مواصلة تطوير هذه الشراكة”.
كما وصف اللقاء الذي جمع بينه وبين الرئيس تبون بـ”القيّم والبنّاء، وأن البلدين تحدوهما رغبة في مواصلة العمل معا من أجل الرقي بعلاقاتهما إلى مستويات أعلى”.
ومثلت قمة جوهانسبورغ لقادة مجموعة بريكس (الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا) منعطفا مفاجئا وضع العلاقات الجزائرية – الروسية على مسار سلبي، بعد رفض طلب الجزائر الانضمام إلى المجموعة، وشعور القيادة الجزائرية بخذلان من كانت تعتبرهما حليفيها في المجموعة وفي المعسكر الشرقي وهما روسيا والصين، خاصة وأن الرئيس تبون كان قد حصل على تطمينات من قادة البلدين أثناء الزيارة التي قام بها إلى موسكو وبكين.
وآنذاك صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن “شروط الانضمام إلى المجموعة تكمن في التأثير الإقليمي والهيبة الدولية للعضو الجديد”، الأمر الذي اعتبر إشارة سلبية ومفاجئة للقيادة الجزائرية، وبذلك شهدت علاقات الطرفين فتورا، مقابل المسارعة إلى البحث عن بدائل شراكة جديدة في المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة.
وبدا الرئيس الجزائري في آخر ظهور إعلامي له مع وسائل إعلام محلية منزعجا من تطورات الوضع في منطقة الساحل، ومن دور قوى إقليمية تعمل على تحييد دور بلاده، ورد على سؤال حول الموقف من إلغاء القيادة المالية لاتفاق السلم والمصالحة الذي ترعاه بلاده منذ عام 2015 بالقول “إذا أراد الماليون حلا آخر غير الحل الذي تضمنه الاتفاق فلهم ذلك”.
لكن بيانات وزارة الخارجية الجزائرية كانت “تخاطب الشعب المالي” في الرد على خطوات القيادة العسكرية الحاكمة، واعتبرت القرار “تهديدا مباشرا للأمن والاستقرار في البلاد وفي المنطقة عموما، وخطوة تزج بالشعب المالي وبالبلاد في أتون التفكك والإقصاء”.