الشكوك الانتخابية تهز معسكر الرئيس الجزائري
فاجأ سفيان جيلالي، رئيس حزب جيل جديد، الذي لديه قنوات اتصال مع السلطة خلال السنوات الأخيرة، معسكر المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة عبدالمجيد تبون، بدعوته إلى عدم التقدم لخوض الاستحقاق، وبرر ذلك بكون الرئيس الحالي لا يملك ما يقدمه للبلاد في السنوات القادمة، واعتبر تقديم الموعد مثيرا للشكوك، مهما كانت الدواعي التقنية كما تروّج له دوائر السلطة.
واعتبر جيلالي أن تبون لا يمتلك نفسا جديدا يعيد البلاد إلى سكة الطموحات الديمقراطية والتنموية، وهو موقف مفاجئ لمعسكر السلطة، خاصة وأن الرجل ربط قنوات اتصال معها في السنوات الأخيرة، وتم استقباله من طرف تبون في مناسبتين بمكتبه في قصر المرادية، الأمر الذي اعتبره البعض قفزا للرجل وللحزب من معسكر المعارضة إلى معسكر السلطة.
ويعتبر حزب جيل جديد ذو الخلفية العلمانية من القوى السياسية التي عارضت بشدة نظام الحكم خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وكان حاضرا بقوة في احتجاجات الحراك الشعبي، قبل أن يتبنى خيار العودة إلى مسار المؤسسات وتلافي الفراغ، وشجع السلطة على تنظيم الانتخابات الرئاسية العام 2019.
وفيما لم تفصح السلطة إلى حد الآن عن هوية مرشحها للانتخابات الرئاسية المقررة في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر القادم، والتزام الرئيس تبون بالتحفظ بدعوى أولوية استكمال تنفيذ برنامج العهدة الجارية، فإن محيط السلطة وأذرعها السياسية والإعلامية بصدد انتظار الإشارة للشروع في حملة التأييد والحشد الشعبي.
◄ موقف حزب جيل جديد ربما يمثل صوتا لإرادة داخل السلطة غير مقتنعة بالتجديد للرئيس تبون قياسا بنتائج ولايته الأولى
ويبقى موقف رئيس حزب جيل جديد لافتا لكونه قد صدر من موقع قريب من السلطة، وحمل جرأة على انتقاد حصيلة الرئيس تبون، وتقديم مبررات حول ما أسماه بـ”عدم جدوى الولاية الثانية “، لشخص تبون أولا وللبلاد ثانيا.
وذكر سفيان جيلالي، في تصريح أدلى به لموقع “تي أي آ” الناطق بالفرنسية، أن “الولاية الثانية ستتحول إلى فشل مؤلم، سيكون ضارا به وبالبلاد.. أقوم بقياس عواقب موقفي، لكنني أعتقد أنه ستعود الفائدة على الجميع إذا تخلى عن الولاية الثانية”.
وعبّر عن تشكيكه في جدوى ترشح تبون، بالتساؤل “هل يستطيع الرئيس غرس سياسة جديدة جريئة تختلف بالضرورة عن تلك التي اتبعها حتى الآن إذا أعيد تعيينه لولاية ثانية؟ هل لديه الرغبة والطاقة والرجال والهندسة السياسية لذلك؟ الشك مسموح به”.
ولفت إلى أن الأسباب الدقيقة لتقديم الموعد لا زالت غير واضحة، وإن تحدث رئيس الجمهورية عن مسائل فنية إلا أنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل، فضلا على أن تعليق البرقية المثيرة لوكالة الأنباء الرسمية غير مطمئن، وأننا نأمل أن تكون البيانات السياسية أكثر وضوحا قريبا، ففي الوقت الحالي تنظر الأحزاب السياسية، مثل وسائل الإعلام، بالعين المجردة فقط.
ويبدو أن أولوية الرجل هي “فتح أيّ نقاش جدي، خاصة وأن وسائل الإعلام العامة والخاصة لا تزال حذرة للغاية، وهو ما لا يشجع أيّ شخص على التقدم لخوض المعترك.. لقد أعلنت في عدة مناسبات أن تهميش الأحزاب السياسية والعودة إلى شكل واحد من الخطاب مع إغلاق وسائل الإعلام ليس هو الحل، وما كان ينبغي أن يكون أمرا لبداية أفضل أصبح في الواقع هو الهدف، إنه تراجع”.
وعن قرار تقديم موعد الانتخابات الرئاسية من شهر ديسمبر إلى شهر سبتمبر، ذكر جيلالي أنه “ليس استعجالا.. إنه قرار لم يتم تقديم الأسباب الدقيقة له، لكنه لا يعطل الجدول الزمني بشكل كبير. إنه مجرد تكيف فني له جوانبه الجيدة، ولكنه سيء أيضا، لأننا سنجد أنفسنا في حملة انتخابية في منتصف الصيف”، وهو موقف تماهى مع بعض الطروحات التي لم تقتنع بالأجندة الزمنية ورجحت فرضيات أخرى للمسألة تستهدف تضييق العامل الزمني أمام أيّ منافس قوي لتبون في سباق الرئاسيات.
وأضاف “هذا أمر مثير للدهشة لأن الربح لا يتجاوز ثلاثة أشهر على الأكثر، والحجة المطروحة حول العودة إلى التقويم العادي، أي إجراء الانتخابات في الربيع، لا معنى لها، خاصة وأن الموعد الذي تم اختياره في نهاية المطاف هو نهاية الصيف.. هذا القرار ربما يجد تفسيره بعد الانتخابات”.
ولم يستبعد متابعون للشأن السياسي الجزائري أن يكون موقف حزب جيل جديد، هو صوت لإرادة داخل السلطة غير مقتنعة بالتجديد للرئيس تبون، خاصة في ظل جمود المشهدين السياسي والإعلامي وانغلاقهما، والتراجع الكبير لدور المجتمع المدني في الاهتمام بالشأن العام.