صور سياسية متباينة تكرس تناقضات النظام الحاكم بالجزائر
أثار ظهور رموز السلطة الجزائرية لأول مرة منذ سنوات، في أداء صلاة وتبادل تحايا عيد الفطر، استنتاج رسائل سياسية متباينة، فعلى تناغم أجنحة السلطة واستقواء الرئيس عبدالمجيد تبون بقيادة الجيش والاستخبارات تحسبا للانتخابات الرئاسية، شكل ظهور رجالات السلطة على كراسي أثناء تأدية الصلاة، مدى تمسك الحرس القديم بالسلطة في بلد يعج بالشباب.
وأوحى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، من خلال الأحاديث المقتضبة في صور تبادل تحايا عيد الفطر في جامع الجزائر الأكبر، حيازته على دعم رجالات ورموز مؤسسات الدولة تحسبا للانتخابات الرئاسية المقررة في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر القادم، عكس ما يتردد في بعض الدوائر على غياب الإجماع حول التجديد لولاية ثانية.
وظهر الرئيس تبون، مستقبلا قادة أركان الجيش وجهاز الاستخبارات بشقيه الداخلي والخارجي، وتبادل أحاديث مقتضبة مع كل من الجنرالين جبار مهنا وعبدالقادر حداد، فضلا عن سعيد شنقريحة، وكان إلى جانبه الرجل الثاني في الدولة بموجب الترتيب الدستوري، رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) صالح قوجيل.
وأثارت عبارة “سي ناصر حضر نفسك”، التي وجهها لرئيس جهاز الأمن الداخلي الجنرال عبدالقادر حداد، المكنى (ناصر الجن)، اهتمام الرأي العام وتأويلات المتابعين، عن القصد من رسالة الرجل الأول في الدولة، عما إذا كان الاستعداد لترقية أم مهمة جديدة، وفي كلتا الحالتين ستكون إعادة اعتبار للرجل، الذي ارتبط في تسعينيات القرن الماضي بنهج المقاربة الأمنية في محاربة الإرهاب، واعتبر بذلك أحد الصقور التي تركت بصماتها في مسار جهاز الاستخبارات.
رغم شعار “تسليم المشعل” الذي تروج له السلطة الجزائرية منذ سنوات، إلا أن القطيعة بين الأجيال تزداد حدة
ويعتبر عبدالقادر حداد، أحد الضباط الذين استهدفتهم حملة الملاحقة التي شنها قائد أركان الجيش السابق، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، مما اضطره للفرار نحو إسبانيا العام 2019، قبل أن يعود العام 2020 ويتم إدماجه مجددا في الجهاز وترقيته من عقيد إلى جنرال، ولا يستبعد استفادته من ترقية جديدة (لواء)، وهو السيناريو نفسه تقريبا الذي تعرض له الجنرال جبار مهنا، الذين سجن خلال المرحلة المذكورة.
وتباين محتوى الرسائل الذي انطوت عليه صور عيد الفطر بالجزائر، فعلاوة على أن المراسيم جرت لأول مرة خلال السنوات الأخيرة، أين ظهر رموز السلطة في أكبر مساجد البلاد الذي دشن مؤخرا، واقتصر الحضور على رموز الصف الثاني في السلطة من أعضاء الحكومة والبرلمان وأعضاء السلك الدبلوماسي، فإن غياب الرئيس تبون عن صلاة العيدين كادت أن تدخل تقليدا جديدا رغم ما يثير حوله من استفهامات وأسئلة.
غير أن نية تبون، في القطع مع ممارسات سلطة الحقبة الماضية، لم تقطع حقيقة هرم السلطة السياسية في البلاد، وإذا اقتصر الأمر في سنوات ماضية على الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، المقعد على كرسي متحرك، بسبب الوعكة الصحية التي ألمت به منذ العام 2013، فإن المسألة تعدت إلى ظهور كبار مسؤولي الدولة على كَراسٍ بسبب عوائق صحية تحول دون قيامهم بالصلاة بشكل عاد.
وظهر في واجهة الصور التي بثها التلفزيون الحكومي، الرئيس الجزائري ورئيس مجلس الأمة، ورئيس أركان الجيش، ومسؤولين آخرين على كراس منهم من لا يقدر على السجود ومنهم من لا يقدر على الركوع، رغم محاولة فنيي التلفزيون الحكومي مزج الصور بين المشهدين الداخلي والخارجي، لكي لا يظهر هؤلاء في ذلك الوضع الصحي أمام الجمهور.
عبارة “سي ناصر حضر نفسك”، التي وجهها تبون لرئيس جهاز الأمن الداخلي الجنرال عبدالقادر حداد، أثارت اهتمام الرأي العام وتأويلات المتابعين
وعاد بذلك الجدل إلى الساحة الجزائرية حول التداول الطبيعي على السلطة بين الأجيال، وتمسك من يوصفون بـ”الحرس القديم” بمواقعهم رغم دعوات التجديد والإصلاح، وتطرح الاستفهامات مجددا حول مدى أهلية ودستورية رموز المؤسسات وقدرتهم على القيام بوظائفهم.
ورغم شعار “تسليم المشعل” الذي تروج له السلطة منذ سنوات، إلا أن القطيعة بين الأجيال تزداد حدة، خاصة وأن المناصب القيادية والمفتاحية لا زالت بحوزة الجيل القديم، بينما يستفيد الشباب من مواقع شكلية غير مؤثرة في صناعة القرار.
وفي بلد تقدر نسبة الشباب فيه بنحو 75 في المئة، تتراوح أعمار الماسكين بشؤون الدولة بين 80 و90 عاما، وفوق ذلك ظهر فيهم من هو غير قادر على أداء حركات صلاة العيد، الأمر الذي يكرس شيخوخة النظام السياسي في البلاد، والقطيعة المستشرية بين الأجيال، قياسا بالتجارب الماثلة في المحيط الإقليمي، كما هو الشأن في فرنسا والسنغال.
وأثارت تغريدات في الحساب الرسمي للرئيس تبون، على منصة “إكس” استغراب الرأي العام المحلي، بعدما خص فئات معينة من المجتمع بتحايا العيد دون غيرهم واستثنائه منها عموم المجتمع، فقد وجه “تحايا وتبريكات العيد لأفراد الجيش والدرك والشرطة والدفاع المدني والسلك الطبي” بينما لم يذكر الفئات الأخرى.
وعلق مدونون في شبكات التواصل الاجتماعي، بأن “المؤسسة الأولى في البلاد (الرئاسة) تعاني من أزمة اتصال وتواصل عميقة”، بينما ذهب آخرون إلى القول، بأن ” الرجل محق في تغريداته، فهو يقصد الفئات الرسمية التي تدعمه في الانتخابات، لأنه يدرك أن المجتمع الكلي لا يريده”.