المخيمات بين نار العطش وسراب الانفصال
قيادة “بوليساريو” عاجزة عن مصارحة الصحراويين بأن الكذبة وصلت منتهاها
بقلم: الفاضل الرقيبي
خرجت، مرة أخرى، زمرة إبراهيم غالي تنطق بحال الهوان الذي نال منها بعد زيارة المبعوث الأممي، ستافان ديمستورا للرباط، والتي دامت سويعات، لكنها رسخت خطوطا حمراء، يبدو أن المغرب بات يفرضها على أي مسار للحل، إذ يرفض أي حوار خارج الموائد المستديرة لجنيف، ويستبعد أي حل خارج الحكم الذاتي، كما يرفض استئناف المسار السياسي دون عودة من سماهم، في يوم من الأيام، “قطاع الطرق”، إلى احترام اتفاقية وقف إطلاق النار.
ثلاثة لاءات جاءت في بلاغ مقتضب للخارجية المغربية، دبجت على إثرها قيادة الرابوني بلاغا طويلا عريضا، عنوانه التباكي، يجعل غويلي ومحيطه خارج منطق التاريخ. فما أصعب أن تكذب كذبة وتصدقها قبل غيرك، وتقضي فيها عقودا، دون أن تدرك بأنك تستهلك الوهم، وتريد إقناع الآخرين بأنه حقيقة.
ومن الوهم أيضا أن تستمر زبانية الرابوني في استهلاك سرديات متآكلة، من قبيل إجراء استفتاء من خلال ما وصفه بلاغ الرابوني بـ “خطة التسوية الأممية الإفريقية”، بينما كل الصحراويين على أرض لحمادة يعرفون أن كذبة “صناديق العودة” التي أطلقتها “بوليساريو”، بداية التسعينات، تآكلت تماما كتآكل خيام لحمادة، خصوصا وهم يرون الأمم المتحدة، من خلال كل قرارات مجلس الأمن، لا تكترث بشطحات غويلي، بل تدعو إلى الواقعية والبراغماتية، وذلك ما يفسر حجم السخط لدى الصحراويين تجاه الجبهة، سيما داخل غرف الدردشة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يؤكدون من خلالها أن ارتهانهم لكذب الرابوني لا يمكن أن يستمر، خصوصا أن بؤس العيش على أرض الجزائر ينال من أجسادهم، بينما رفاق غويلي ينعمون في رغد العيش داخل فيلاتهم بمدينة تندوف، وبشققهم الفاخرة بإسبانيا.
ويعتبر كذلك من الوهم استمرار “بوليساريو” في تسويق كذبة “الجمهورية”، التي نسف وجودها “وزيرها” المصطفى محمد علي سيد البشير، خلال لقائه بالجالية الصحراوية بباريس، حين أكد أن صحراويي تندوف، بمن فيهم إبراهيم غالي، ليسوا إلا لاجئين فوق التراب الجزائري، وأن أوصافا مثل “الوزير والرئيس” ليست إلا مصطلحات غوغائية، مع مرور الوقت، تأكد من صدق كلامه كل من في المخيمات إلا زعيم القصر الأصفر وزبانيته، التي تأبي إلا أن تختبئ وراء الأوهام لتغطي على مسلسل الفشل الذريع في مواجهة مغرب يراكم النجاحات، وهو اليوم يفرض شروطه من موقع قوة.
تشبه بلاغات الرابوني من يتعلق بقشة لعلها تنجيه من غرق محتوم، بالقدر نفسه الذي تعكس به قصورا عميقا عند غالي ورفاقه عن إدراك الواقع الذي لا يرتفع، وعن عجزهم عن مصارحة الصحراويين بالمخيمات بأن الكذبة، التي ابتدأت منتصف السبعينات، قد وصلت منتهاها، وبأن كل الصحراويين يعرفون حقيقة “بوليساريو”، التي تتكشف بمجرد إلقاء نظرة على واقع المخيمات، التي ترزح تحت سلسلة من الأزمات الإنسانية التي كان آخرها العطش، الذي تسبب في اندلاع مظاهرات وأحداث شغب، تنضاف إلى منسوب السخط المتنامي على أرض لحمادة تجاه كذبة اسمها “بوليساريو”.
العطش الذي يضرب المخيمات، ليس فقط وصمة عار على جبين جزائر الشعارات، التي قال رئيسها، منذ أسبوع، إنه سيفتتح مشروعا بملايين الدولارات لتربية الأبقار، على بعد كيلومترات قليلة من المخيمات، بل هو أيضا رد واضح وفاضح لكل الذين مازال حلم الانفصال يعشش في أدمغتهم، لأن حقيقة هذا المشروع الإجرامي اكتشفها العالم برمته، وبات الكل، ودون استثناء، بمن فيهم نخب جزائرية وازنة، ترى أن مجرد المقارنة بين الصحراويين، الذين يعيشون في وطنهم، وأولئك الذين غسلت “بوليساريو” أدمغتهم في تلك المخيمات، تمكنك من الاطلاع على حقيقة نوايا كل طرف تجاه الصحراويين، فشتان بين من يطلق المشاريع التنموية والإصلاحية، ويحاول أن يدفع بالصحراويين إلى ركب الرقي والازدهار، ومن يجوعهم ويعطشهم ويحولهم إلى بضاعة رخيصة في سوق النخاسة الدولية.