عززت السلطات المغربية رهاناتها على تطوير قطاع المحروقات وجعله أكثر تنافسية خلال المرحلة المقبلة ضمن ضوابط لا تقف حائلا ضمن زيادة الاستثمار فيه بهدف بلوغ أقصى درجات الشفافية بعدما تفاقمت الشكاوى حول نشاطه المثير للجدل.
يستعد المسؤولون في المغرب للقيام بتعديلات جوهرية على قانون قطاع المحروقات عبر تبسيط الوصول إلى هذه السوق مع إزالة تدريجية للحواجز التي تعيق الاستثمار في مختلف الأنشطة المتعلقة به وبالتالي تقلل من المنافسة الشريفة بين الفاعلين.
وتدرس الحكومة كيفية إعادة هيكلة الأنشطة المرتبطة بالقطاع خاصة في ما يتعلق بمجال التخزين الذي يعد آلية مهمة في تذكية المنافسة في السوق بين الشركات.
وعلى مدار السنوات الماضية، رصدت الدولة إمكانيات كبيرة لمجلس المنافسة للقيام بأدواره على أحسن وجه، ويتم تزويده سنويا بالإمكانات الإضافية وخاصة من حيث الموارد المالية بهدف متابعة الاختلالات في قطاع المحروقات ومعالجتها.
والمجلس مكلف بتنظيم الأسواق وتشجيع المنافسة وحماية الممارسات المخالفة للقانون، لاسيما في مجالي المشتقات النفطية والغاز الطبيعي. ويقوم كل ثلاثة أشهر بإجراء تقييم ومراقبة دقيقة لقطاع المحروقات قبل نشر البيانات المتاحة، مع القيام بدراسة للسوق.
وأكدت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي أن الحكومة تعمل على أن يكون دور مجلس المنافسة فعالا في إيجاد التوازن المرغوب في السوق، وتفادي الممارسات المضرة بالمنافسة.
وأشارت في جلسة برلمانية عقدت مؤخرا إلى مجموعة من القوانين المتعلقة بحرية الأسعار والمنافسة الصادرة في عام 2015 وأيضا المتعلقة بمجلس المنافسة والصادرة في سنة 2014، وكذلك المراسيم المطبقة لهما.
ومنذ سبعة أعوام تعتمد الرباط آلية تحرير أسعار الوقود، كما هو الحال في الإمارات، أي جعلها مرتبطة بالأسواق الدولية التي شهدت تجاوز برميل النفط حاجز المئة دولار في 2022، دون تدخل حكومي، لكنها تواجه اعتراضات مستمرة من النقابات.
وبموجب تلك الآلية يمنع قانون المنافسة الشركات في القطاع من تحديد أو الاتفاق على أسعار البيع بحكم أن هذه السوق باتت حرة.
وأوضحت العلوي أنه تم إدخال تعديلات على القوانين في العام الماضي لتمكين المجلس من كافة الوسائل الكفيلة بمحاربة الممارسات المنافية للمنافسة، وكل استغلال لحرية الأسعار بشكل غير قانوني، مع إيجاد الضمانات القانونية لكل العاملين بالقطاع.
ويضم قطاع المحروقات في البلاد أكثر من 20 شركة توزيع تتقاسم أكثر من 3 آلاف محطة وقود تنتشر في كافة أنحاء البلاد، ما يعطي للمستهلكين خيارات أكثر في تحديد ما يناسبهم من خدمات.
وبحسب اللجنة الوزارية المكلفة بتتبع التموين والأسعار، فإن أسعار المحروقات مستقرة ولم تسجل أي زيادات خلال الأسابيع الأخيرة خاصة غاز البوتان، الذي يتم دعم أسعاره من طرف خزينة الدولة.
وأكد رئيس مجلس المنافسة أحمد رحو على التفكير الجدي للمجلس في عملية تحرير أكبر سوق للمحروقات بما يشمل الغاز الطبيعي، والتي أثارت حفيظة بعض النقابات.
معطيات حول القطاع
- 3200 محطة خدمة وقود منتشرة في البلاد
- 35 شركة تمارس نشاط توزيع المحروقات
- 29 شركة موردة للمواد البترولية السائلة
وقال إن المجلس ينظر باهتمام إلى ما ستقوم به الحكومة من تحديث “المراسيم والقوانين المنظمة لتحرير سوق بيع وتوزيع المحروقات والاستثمار فيها” وفتحه أمام شركات جديدة مع زيادة التنافسية فيه.
وأوضح أن من شأن تحرير سوق الغاز الطبيعي أن يجعل من الممكن استبدال دعم منتجات الطاقة بالمساعدة المباشرة للمواطنين محدودي الدخل والفئات الهشة.
وأضاف أن دعم الدولة للطاقة “لا يُفضي إلى تهيئة بيئة تنافسية صحية، بحكم أنها غالبا ما تفيد الشرائح الأكثر ثراء من السكان”، قبل أن يشدد في تصريحات صحفية على أن المجلس يعارض الحفاظ على سعر غاز واحد، مما يعيق قدرة شركات على التنافس.
وكان المجلس قد فرض في نوفمبر الماضي غرامات على 9 شركات بقيمة 1.84 مليار درهم (نحو 180 مليون دولار) كتسوية تدفعها المؤسسات المعنية التي تنشط في مجال تموين وتخزين وتوزيع الغازوال والبنزين، إلى جانب المنظمة المهنية التي تنتمي إليها.
وشدد خبراء على أهمية التحرير وتعزيز تنافسية السوق المحلية بمجرد تأطيره في السياق العالمي، التي ما زال المغرب مرتهنا إليها بقوة من حيث كميات وأحجام الواردات، خاصة في ظل اشتداد التوترات الجيوسياسية المؤثرة بقوة في ديناميكية تحديد الأسعار.
وكشفت وزارة الانتقال الطاقي مؤخرا معطيات بخصوص نشاط شركات المحروقات بالبلاد، وذكرت أنه منذ تحرير السوق، تم دخول 16 شركة، بالإضافة إلى زيادة معدل إنشاء محطات الخدمة حيث وصل إلى معدل 180 محطة سنويا.
وجاء ذلك ضمن عرض قدّمه مدير المحروقات بالوزارة زكريا صدقي، في اجتماع سابق بالبرلمان حول الأهمية الإستراتيجية لصناعة تكرير البترول في تعزيز أمن الطاقة ومعالجة اختلالات سوق المحروقات في المغرب.
وبحسب الوزارة، فإن 35 شركة تمارس نشاط توزيع المحروقات و29 شركة موردة للمواد البترولية السائلة، بينما هناك 3200 محطة خدمة في البلاد.
وتعكف لجنة مشتركة بين وزارات المالية والداخلية والطاقة على تتبع ورصد كل التطورات على صعيد السوق العالمية، من خلال المنصات المخصصة لذلك، وكذلك متابعة الأسعار على المستوى المحلي.
وثارت مشكلة أسعار الوقود بالبلد، الذي يستورد تقريبا كل حاجاته من الطاقة، مع تحرير القطاع ورفع الدعم عنه ضمن خطة لإصلاح صندوق المقاصة (صندوق الدعم) الذي كان يعاني من عجز كبير.
وحاول برلمانيون، بمن فيهم رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب رشيد حموني، الوقوف على موقف الحكومة من الارتفاعات “الصاروخية لأسعار المحروقات ومدى تفاعل الحكومة مع خطوات مجلس المنافسة في هذا المجال”.
وشددت العلوي في رد على هذه التساؤلات على أن أسعار المحروقات محررة منذ ديسمبر 2015 ويتم تحديدها من طرف العاملين في القطاع استنادا إلى تطور الأسعار العالمية وسعر الصرف.
ورغم تحرير أسعار المحروقات واعتبارا للأهمية القصوى لهذه المواد وتأثيرها على القدرة الشرائية للمواطنين، أكدت الوزيرة أن هذا القطاع يحظى بمتابعة مستمرة ومتواصلة بصفة دائمة ويومية من طرف الجهات المعنية.
وتقول إن ذلك يأتي من أجل رصد كل الاختلالات التي من شأنها الإخلال بالتطور الطبيعي للسوق والتأثير السلبي على القدرة الشرائية للمستهلكين بغية وضع الآليات الممكن اعتمادها، حسب ما تقتضيه القوانين الجاري بها العمل في هذا الباب.