ليبيا تقطع الطريق أمام مشروع تبون لتشكيل كيان مغاربي جديد
تمسّك المجلس الرئاسي الليبي بكيان المغرب العربي الحالي الذي يضم إلى جانبها كلا من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، رافضا بذلك المساعي الجزائرية الرامية إلى تشكيل كيان مغاربي جديد بسبب غياب الأطر التشاورية اللازمة.
قطع المجلس الرئاسي الليبي بطريقة غير مباشرة، الطريق أمام مسعى النظام الجزائري إلى تشكيل كيان سياسي جديد في المنطقة يكون بديلا عن اتحاد المغرب العربي.
وجاءت الرسالة الليبية عقب استقبال رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الخميس، المكلف بتسيير أعمال وزارة الخارجية والتعاون الدولي الطاهر الباعور الذي قدم له إحاطة كاملة عن آخر المستجدات السياسية وأطلعه على نتائج عمل زيارته لعدد من الدول وحضوره لبعض اللقاءات الدولية، بالإضافة إلى تطورات الأوضاع السياسية، ودور الاتحاد الأفريقي، والعمل على تفعيل دور اتحاد المغرب العربي.
وأكدت أوساط ليبية قريبة من المجلس الرئاسي أن عبارة “تفعيل دور الاتحاد المغاربي”، جاءت لتعبر عن تمسك ليبيا بالاتحاد الخماسي الذي يضم إلى جانبها كلا من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، أوضح في لقاء تلفزيوني بث ليل الأحد الماضي، أنه اتفق مع ليبيا وتونس وموريتانيا على العمل معا لخلق كيان مغاربي مشترك، وليس موجها ضد أي دولة، وأشار إلى أن سبب القرار يعود إلى غياب عمل مغاربي مشترك، وهو ما دفع نحو الاتفاق على عقد لقاءات مغاربية دون إقصاء أي طرف، والباب مفتوح للجميع.
وتابع تبون أن “الباب مفتوح دائما أمام جيراننا في الغرب (يقصد المغرب)، لكنهم اختاروا جهات أخرى، وهم أحرار”.
عبارة “تفعيل دور الاتحاد المغاربي” جاءت لتعبر عن تمسك ليبيا بالاتحاد الخماسي الذي يضم إلى جانبها كلا من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا
وفي أوائل مارس الماضي، أعلن قادة الجزائر وتونس وليبيا “شراكة إستراتيجية”، مع الالتزام بعقد قمم دورية، لمعالجة التحديات الأمنية والاقتصادية بين الدول الثلاث.
واتفق الرئيس الجزائري ونظيره التونسي قيس سعيد، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، على هامش القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، المنعقدة في الجزائر، على عقد اجتماعات كل ثلاثة أشهر، لمعالجة التحديات الأمنية والاقتصادية الملحة.
وقالت الرئاسة الجزائرية آنذاك إنه تقرر عقد لقاء قمة مغاربي على مستوى الرؤساء كل 3 أشهر من أجل “تنسيق أطر الشراكة والتعاون”، معلنة أن الاجتماع الأول ستحتضنه تونس بعد شهر رمضان المقبل.
واعتبر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أن ما تقوم به بلاده يمثل مسعى لسد الفراغ ولا يعني خلق بديل لما هو موجود، ورأى أن “الاتحاد المغاربي موجود لكنه في غيبوبة”، مشيرا إلى أن “المؤسسات المنبثقة عن الاتحاد لم تلغ، والاتفاقيات التي وقعت في إطاره ستستمر”.
واستطرد “لم تعد سارية المفعول بحكم الظروف لكنها موجودة”، مردفا أن “الرئيس تبون اقترح صيغة جديدة، إذ لا يمكن انتظار عودة الاتحاد المغاربي إلى الحياة دون تحرك أو تقديم بديل”.
وأشار عطاف إلى أن “تبون كان يطرح منذ قرابة السنة، الفكرة في كل لقاءاته مع القادة المغاربة، ومبعوثيهم الذين كانوا يتوافدون على الجزائر، حيث أكد لهم أن المنطقة المغاربية هي الوحيدة في العالم التي لا تمتلك أطرا تشاورية”، وقال إن بلاده تسعى جاهدة لإقناعهم بفكرة سد هذا الفراغ، مع تأكيد أن ذلك لا يعني خلق ما هو موجود، انطلاقا من أن مؤسسات الاتحاد المغاربي ما زالت قائمة مثلها في ذلك مثل الاتفاقيات المبرمة التي ما زالت موجودة، على الرغم من أنها غير سارية المفعول.
أي محاولة للانضمام إلى المبادرة الجزائرية يمكن أن تزيد من عمق الانقسام في الداخل الليبي، وذلك بسبب انحياز النظام الجزائري إلى سلطات طرابلس على حساب المنطقة الشرقية
وبحسب الأوساط الليبية، فإن أي محاولة للانضمام إلى المبادرة الجزائرية يمكن أن تزيد من عمق الانقسام في الداخل الليبي، وذلك بسبب انحياز النظام الجزائري خلال السنوات الماضية إلى سلطات طرابلس على حساب المنطقة الشرقية، وأبدى تضامنا مع قوى الإسلام السياسي وقادة الميليشيات في ظل الحضور التركي والقطري في طرابلس، وكنوع من صراع النفوذ مع مصر.
وفي يونيو 2021، قال الرئيس تبون إن رسالة بلاده بأن طرابلس “خط أحمر” وصلت إلى من يهمه الأمر، مؤكدا أن الجزائر كانت “مستعدة للتدخل” لمنع سقوط العاصمة الليبية.
وأكد تبون في حديثه أن “الجزائر كانت على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس، وأنها حين أعلنت أن طرابلس خط أحمر كانت تقصد ذلك جيدا.. الرسالة وصلت إلى من يهمه الأمر”.
وفي يناير 2020 قال الرئيس الجزائري خلال استقباله فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية السابق، إن “طرابلس في نظر الجزائر تعتبر خطا أحمر ترجو عدم تجاوزه” وذلك ردا على محاولة ميليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر السيطرة عليها، وقال إن بلاده “رفضت أن تكون طرابلس أول عاصمة عربية ومغاربية يحتلها المرتزقة”، وهو ما يعني أن تبون اعتبر الجيش الليبي قوات مرتزقة، فيما غفل عن أن الآلاف من المرتزقة هم الذين كانوا يقودون الحرب ضد الجيش في المنطقة الغربية.
وأدت مواقف الجزائر الداعمة للميليشيات إلى تردي علاقاتها مع المنطقة الشرقية، لكنها حاولت خلال الفترة الماضية ربط جسور تواصل مع بنغازي بهدف تمرير مبادرة الكيان السياسي الجديد.
والاثنين الماضي، أفاد المكتب الإعلامي لمجلس النواب بأن الجزائر أكدت دعمها للبرلمان بصفته “السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة في البلاد”، وأن ذلك جاء خلال استقبال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح السفير الجزائري لدى ليبيا سليمان شنين.
العلاقات الوطيدة بين البرلمان الليبي والمغرب تحول دون الدفع بليبيا نحو أي دور قد يستشف منه التآمر على الرباط
وأضاف بيان المكتب الإعلامي لمجلس النواب أن اللقاء، الذي عُقِد في مدينة القبة، بحث تطورات الأوضاع في ليبيا، والعلاقات الثنائية بين البلدين، ونقل عن السفير تأكيده أن “موقف الجزائر ثابت في دعم مجلس النواب بصفته السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة في البلاد”، مشددا على “احترام بلاده لحق الشعب الليبي في اختيار من يمثله”.
وبحسب مراقبين، فإن العلاقات الوطيدة بين مجلس النواب الليبي والمملكة المغربية تحول دون الدفع بليبيا نحو أي دور قد يستشف منه التآمر على الرباط، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية المفوض في الحكومة الليبية المنبثقة عن البرلمان عبدالهادي الحويج، عندما أكد في تصريحات للإعلام المغربي تمسك بلاده بالصيغة الخماسية للاتحاد المغاربي ورفضها لتأسيس أي كيان سياسي جديد يقصي إحدى الدول المُكونة للفضاء المغاربي، حيث أوضح أن “المنطقة المغاربية ليست بحاجة إلى تأسيس كيانات جديدة، إذ لدينا مؤسسات موجودة وقارة، نحتاج فقط إلى تفعيل عملها وتقويتها، وهو ما يتطلب بدوره الارتقاء بمستوى الشراكات بين الدول لما فيه مصلحة الشعوب المغاربية والعربية والأفريقية”.
وشدد الحويج في تصريحات له على أن “ليبيا، التي تترأس اليوم الاتحاد المغاربي، تتشبث بهذا الخيار وتريد تقوية وتعزيز التعاون المشترك بين البلدان المغاربية التي يبقى حجم التبادل التجاري فيما بينها ضعيفا قياسا بالتكتلات الإقليمية الأخرى”، معتبرا أن “الأهم من أي خطوة أخرى في هذا الإطار هو تقوية مؤسسات الاتحاد المغاربي، على غرار مجلس الشورى والبنك المغاربي والمحكمة المغاربية، وغيرها من الهياكل الأخرى”، لافتا الانتباه إلى أن “هذا التكتل، الذي كان حلم كل الشعوب المغاربية، ما زال لم يحقق الأهداف التي أُسِس من أجلها بسبب بعض العراقيل التي توضع هنا وهناك، ويحتاج اليوم إلى إعادة هيكلة على المستوى الوزاري وعلى مستوى القمة أيضا”.
ويعتقد متابعون للشأن الإقليمي أن ليبيا التي تعاني حالة انقسام سياسي وحكومي وعسكري، ليست في حاجة إلى المزيد من تعميق الفجوة بين أبنائها في غرب وشرق البلاد، فقط من أجل ترضية النظام الجزائري وخدمة مصالحه عبر تبني مواقفه المعادية للمملكة المغربية والتي كانت منذ تسعينات القرن الماضي سببا رئيسيا في عرقلة الاتحاد المغاربي منذ العام 1993.