الجزائر: تبون يطلق حملته الانتخابية بارتكاب أخطاء فادحة
في حوار جديد للرئيس الجزائري، بثه التلفزيون العمومي الجزائري، مساء السبت 30 مارس 2024، دون أن يحمل أي جديد، تحدث عبد المجيد تبون دون أن يذكر أي شيءعن أسباب إجراء الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها. ورغم أنه رفض القول ما إذا كانمرشحا لخلافة نفسه، ففد تحدث عن الآفاق في عامي 2026 و2027، ووعد بزيادةأجوار الجزائريين والناتج الداخلي الخام للبلاد بنسبة 100%. هذيانه وأخطاؤه الشنيعةهي مؤشر سيء للغاية على الحالة المزرية التي وصل إليها النظام الجزائري.
خلال مروره بالتلفزيون العمومي الجزائري، مساء السبت 30 مارس، أبان الرئيسالجزائري عن سلوك لا يليق برئيس دولة، برفضه الإجابة عن السؤال الذي يطرحهالجميع: ما هي الأسباب التي دفعت به إلى عدم احترام تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية. وأوضح أن ذلك يرجع إلى «أسباب تقنية بحتة»، مضيفا أن شهر دجنبر لم يكن الشهرالمعتاد لتنظيم الانتخابات الرئاسية. «وحتى شتنبر أيضاً!»، كان ينبغي أن يوضحللصحفيين، اللذين كانا يجاملان الرئيس والحال أنه من المفترض أن يطرحا عليهالأسئلة.
لكن كان من السهل الإشارة إلى أن الانتخابات الرئاسية جرت في عهد بوتفليقة فيأبريل. وبالتالي، فإن الحجة التقنية التي تذرع بها تبون والعودة إلى الجدولة التقليديةأسباب واهية، ويبقى الغموض قائما حول الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيسالجزائري إلى تقديم موعد الانتخابات.
وكعادته، اتهم تبون يدا أجنبية بالوقوف وراء الشائعات حول وجود خلافات عميقة،وحتى صراعات حادة على رأس هرم السلطة، بين جناح الرئاسة الذي يريد إعادة انتخابتبون وجناح الجنرالات الأقوياء الذين لم يعودوا يطيقون رؤيته في قصر المرادية. واكتفى بالقول دون تقديم أي توضيح: «نعرف مصدر هذه الشائعات التي تستهدفزعزعة استقرار الجزائر» (من الدقيقة 1.23 إلى الدقيقة 5.52).
مع ذلك، فمن المعروف أنه تاريخيا، كانت الصراعات والخلافات الدائمة على رأسالدولة الجزائرية تؤدي دائما إلى تقليص مدة الولاية الرئاسية، بحيث لم يكمل أي رئيسدولة جزائرية، من أحمد بن بلة إلى تبون، ولايته الرئاسية، إما بسبب انقلاب عسكري(بن بلة)، أو المرض (بومدين)، أو الاستقالة القسرية (الشاذلي بن جديد وليامينزروال)، أو الاغتيال (محمد بوضياف)، أو الانقلاب الطبي (بوتفليقة)، أو في هذه الحالة،الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها (تبون).
ولذلك ربما الهدف الرئيسي من وراء هذه الخرجة الإعلامية هو توضيح نوايا عبدالمجيد تبون بالضبط في ما يتعلق بمستقبله السياسي والأسباب التي دفعته إلى تقليصولايته الرئاسية الحالية من خلال الدعوة، على نحو فاجأ الجميع، إلى تنظيم انتخاباترئاسية مبكرة. «تريدون أن تعرفوا ما إذا كنت مرشحا، لكنني لن أجيبكم قبل الوقتالمحدد»، هكذا رد تبون على الصحفيين (من الدقيقة 5.54 إلى الدقيقة 7).
وبدلا من تقديم التوضيحات، تهرب الرئيس الجزائري من خلال الركوب، كما فعل وزيرخارجيته خلال مؤتمره الصحفي الثلاثاء الماضي، على موجة قرار مجلس الأمن الدوليالذي يطالب بوقف إطلاق نار فوري في غزة. لكن هذا القرار، الذي تنسبه الجزائر زوراإليها، لم يكن مدينا باعتماده إلا للهدنة في استعمال حق النقض بين الولايات المتحدةمن جهة والصين وروسيا من جهة أخرى بشأن الحرب في غزة. إن هذا القرار تقدم بهجميع الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، وليس إلى الجزائر كما تطبل بذلك دعايةالنظام في محاولة لإيهام الجزائريين.
بل إن تبون أعلن أن الجزائر تمكنت من انتزاع هذا القرار بفضل دعم دول إفريقية مثلسيراليون وموزمبيق و… البيرو، وهي دولة تقع جغرافيا في أمريكا الجنوبية.
وقد استغل تبون هذا القرار الأممي بهدف تمجيد الدبلوماسية الجزائرية، حيث أعلن أن«سمعتها وتاريخها المشرفان معروفان منذ فجر التاريخ». فجر التاريخ لا يبدأ مع ذلكبالنسبة لهذه الدولة التي أنشأتها فرنسا في سنة 1962…
خطأ فادح آخر
ولتوضيح كلامه، ارتكب تبون –مرة أخرى– واحدة من تلك الأخطاء الفادحة التي اعتادارتكابها في كل خطاب يلقيه أو مقابلة يجريها مع الصحافة. فقد أشار إلى الوساطةالجزائرية في الحرب الإيرانية–العراقية (1980-1988). بالنسبة لتبون، يتعلق الأمربوساطة بين صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي. والحال أن الأخير تنازل عنالعرش في فبراير 1979، قبل أن يتوفى في القاهرة في 27 يوليوز 1980، أي قبل شهرينمن اندلاع الحرب العراقية–الإيرانية. ويعلم الجميع أن الحرب العراقية–الإيرانية وقعتبين صدام حسين وآية الله الخميني. وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه: بما أن هذهالمقابلة مسجلة، وأنه تم تنقيحه من قبل المقربين من تبون قبل بثها، فلماذا لميفطنوا لمثل هذا الخطأ الفادح؟ الجواب الواضح هو إما أن تبون محاط بأشخاص غيرأكفاء، أو أن هناك رغبة واضحة في الكشف عن جهل رئيس الدولة الجزائرية (منالدقيقة 10.40 إلى الدقيقة 19.25).
يعيد هذا الخطأ الفادح الجديد إلى الأذهان العلاقات المزعومة بين الأمير عبد القادر،المزداد في 6 شتنبر 1808، وجورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة، المتوفى في14 دجنبر 1799، فضلا عن درر أخرى أتحفنا بها الرئيس الجزائري، لدرجة أن البعضابتكر مصطلحا جديدا للإشارة إلى هذه الموهبة النادرة التي يتمتع بها والمتمثلة في ليعنق التاريخ والتفاخر بوقائع زائفة: تبونيات.
وفي المنحى نفسه، أعلن تبون أيضا أنه بما أن الجزائر هي التي مكنت الراحل ياسرعرفات من التحدث عام 1974 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن الجزائر هيالتي أدخلت فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، فإنها ستفرض فلسطين كدولةكاملة العضوية في الأمم المتحدة، في حين أن الأراضي الفلسطينية لا تزال تحتالاحتلال (من الدقيقة 19.26 إلى الدقيقة 20.30).
من خلال ممارسة رياضته المفضلة، وهي التلاعب بالأرقام الخيالية والسريالية، حددالرئيس الجزائري شهرين كاملين لحل جميع مشاكل مئات الآلاف من المهاجرينالجزائريين غير الشرعيين في أوروبا (من الدقيقة 9.50 إلى الدقيقة 10.23).
والأكثر من ذلك، وعد تبون بأن يتجاوز الناتج الداخلي الخام للبلاد 400 مليار دولار قبلنهاية عام 2026. وهو ما يمثل قفزة بأكثر من 100%، لأن هذا المؤشر الاقتصاديالأساسي يصل تقريبا إلى 195 مليار دولار بفضل ارتفاع أسعار المحروقات، بحسبتقديرات صندوق النقد الدولي، و224 مليار دولار في 2023، بحسب تقديرات الحكومةالجزائرية الكاذبة.
من جهة أخرى، ستتم زيادة أجور الموظفين الجزائريين، التي يقول تبون إنها زادتبنسبة 47% خلال ولايته الرئاسية، مرة أخرى بنسبة 53% في عامي 2026 و2027،لتصل الزيادة إلى نسبة 100% (من الدقيقة 52 إلى الدقيقة 52.20).
«لن أكشف لكم ما إذا كنت سأكون مرشحا لخلافة نفسي، لكن يمكنني أن أكشف لكمبعض القرارات التي سأتخذها خلال ولايتي الثانية»، يبدو أن تبون يعطي هنا الانطلاقة،ولو بشكل مبطن، لحملته الانتخابية.
أما في ما يتعلق بالمغرب، لم يكن تبون مهذارا هذه المرة. وأوضح أن التكتل الذي يريدتشكيله مع ليبيا وتونس لا يستهدف المغرب. وأكد قائلا: «سنحاول الاتحاد والتنسيقبشأن مواضيع معينة. هناك اتفاق على إنشاء كيان ليس ضد إحدى دول الاتحادالمغاربي». ومع ذلك، فإن العداء المرضي للمغرب هو وحده الذي يفسر هذا المشروعالميت الذي يهدف أولا وقبل كل شيء إلى عزل المملكة. لكن غياب موريتانيا وتحفظالطرف الليبي الذي يأمل تبون استقطابه شكلا صفعة للطغمة العسكرية الجزائرية (منالدقيقة 23.20 إلى الدقيقة 26.11).
وفي المقابل، كان تبون عنيفا ضد الإمارات العربية المتحدة. ومن دون أن يذكر هذهالدولة بالاسم، اتهمها بكل الشرور التي تعاني منها المنطقة. «في كل الأماكن التي فيهاتناحر، دائما مال هذه الدولة موجود. في الجوار، مالي وليبيا والسودان». وهدد قائلابأن الجزائر «لن تنحني لأحد». وتابع بلهجة تهديد واضحة: «إذا أردت أن تفرضتصرفاتك التي تطبقها على أناس آخرين علينا، فأنت مخطئ كثيرا. نحن 5 ملايين و630 ألف شهيد ماتوا على هذه البلاد واقترب إ، شئت». حتى عندما يهدد، فإن تبون ليسجادا (من الدقيقة 28 إلى إلى الدقيقة 32).
تبون المحب لتضخيم الأرقام
لم تعد الجزائر، بحسب رواية الطغمة العسكرية، بلد المليون أو 1.5 مليون أو حتىمليوني شهيد. تبون، الذي هو من محبي تضخيم الأرقام، يخبرنا الآن عن 5.63 مليونشهيد! عندما نعرف الأرقام الحقيقية للقوات التي شاركت في الحرب، فإن الرقم الذيقدمه تبون هو بكل بساطة رقم سريالي.
في كتابه المنشور عام 1997، كتب بن يوسف بن خدة، آخر رئيس للحكومة المؤقتةللجمهورية الجزائرية، أنه في نهاية الحرب، بلغ عدد مقاتلي الداخل 35 ألف شخص(15200 فقط حسب المصادر الفرنسية). وإذا أضفنا إلى هذه الوحدة جيش الحدودالذي كان قوامه 30 ألف رجل لم يقاتلوا قط. ولم يطلق أحد قادة هذا الجيش، الدجالهواري بومدين، رصاصة واحدة ضد المستعمر الفرنسي. وقدم المؤرخ برنارد لوغانتفاصيل موثقة عن الوحدات التي كانت في حالة حرب في الجزائر. كما نقل مؤلفا كتاب«الداء الجزائري» تصريحات موثقة عن جيش الحدود، الذي استخدم السلاح فقط ضدالمقاومين القبايليين، الذين قاوموا بالفعل الجيش الفرنسي.
على أي حال، يجب على تبون أن يعلم أنه في ما يتعلق بإحصاء الموتى، فقد تسببتالعشرية السوداء في وقوع ضحايا بين الجزائريين أكثر من ضحايا حرب التحرير.