خلفت برامج رمضان في القناتين المغربيتين العموميتين (الأولى والثانية) استياء العديد من المشاهدين والمتتبعين والإعلاميين.
وأجمعت مختلف الردود على هزالة وضعف الإنتاج التلفزيوني الرمضاني الذي وصف بكونه يسيء لصورة المغرب الثقافية والحضارية والفنية. وطالب المنتقدون بمساءلة المسؤولين عن هذه الوضعية، داعين أيضا إلى الكشف عن ملابسات الصفقات التي تعقدها المؤسسات التلفزيونية المغربية مع شركات الإنتاج التلفزيوني المحلية، والتي تفرز في النهاية نتاجا رديئا وفارغ المحتوى.
وشهد الموقع الاجتماعي «فيسبوك»› حملة لجمع توقيعات تندد بشبكة برامج رمضان التلفزيونية تحت شعارات مختلفة «لسنا أغبياء»، «حموضة التلفزيون المغربي في رمضان»، «لن نتفرج في هذه الشوهة».
سيل جارف من الكوميديا والإعلانات
و تم تسجيل وجود تعامل فوقي وأحادي من لدن مسؤولي الإعلام السمعي البصري مع المتلقي، مع الاستهانة بردود الفعل التي تصدر عنه، وهو ما يعكس الطابع التقليدي في التعامل مع هذا المشاهد الذي أثبت تحرره من الذوق المنحط والساذج ورغبته في أن يحترم الإعلام العمومي ذكاءه ونضجه الفكري والجمالي. كما سجل «كثرة الأعمال الدرامية ضعيفة المستوى وغياب البرامج الثقافية والفنية والاجتماعية والسياسية والترفيهية، ومن ثم تغييب المهنيين المنتمين إلى القنوات العمومية من صحافيين ومنشطين وتقنيين ومخرجين»، وكذا «فرض نمط معين من البرمجة، متمثلا في ما يسمى الأعمال الكوميدية في أوقات الذروة خلال وقت إفطار الصائمين، رغم أن آراء المهنيين والمتلقين تثبت مجانبة هذا الاختيار للصواب».
هذا و يعمل مسؤولي القناتين الرسميتين على إهدار المال العام وموارد المؤسستين التي توضع رهن إشارة شركات منتجة بعينها تقدم منتجا لتزجية الوقت وآخر غير صالح للبث أصلا لرداءته. ونتساءل حول ما إذا كانت تلك الأعمال قد عرضت بالفعل على لجان القراءة المفروض أنها تشتغل بشكل دائم، وكذا عما إذا كانت هذه اللجان وافقت على تلك الأعمال التي أجمع المهنيون والمهتمون والمتلقون على رداءتها. و حسب مصادر مطلعة فإن مجموعة من الأعمال الدرامية المنتمية إلى جنس الكوميديا يتم تصويرها بدون نص جاهز حيث يتم ارتجال المشاهد داخل استوديوهات التصوير في ضرب لكل الأصول المهنية وللمتلقي ولتاريخ الإبداع المغربي بكل رموزه.
و في الوقت الذي تنزع فيه كل القنوات العمومية العالمية إلى تقليص الحيز الزمني المخصص للإشهار (الإعلانات التجارية) بل وحذفه بصفة نهائية باعتبار أن تحقيق الأرباح المالية ليس هو سبب وجودها، فإن القناتين المغربيتين الأولى والثانية ترهق المتلقي بسيل جارف من الإعلانات التي لا تراعي في أغلبها الذوق والهوية المغربية، وذلك في خرق سافر للمعايير المهنية في هذا الباب.
وننتقد محاولة التضليل واستبلاد المواطنين من خلال إعطاء مجموعة من الأرقام المرتبطة بنسب المشاهدة التي تبين ـ حسب القيمين على القناتين ـ نسب الإقبال على مشاهدة أعمال يجمع الكل على تدني مستواها، مما يطرح معه السؤال حول الشرائح المجتمعية والعينات التي تشملها هذه الاستطلاعات.
من أجل حداثة غير معطوبة.
ويرى الصحفي بوشعيب البازي،أن طبيعة المواد التي يقدمها التلفزيون المغربي في الوقت الراهن تعكس غياب رؤية واضحة للأدوار التثقيفية والتنويرية التي ينبغي أن يؤديها الإعلام السمعي البصري العمومي، باعتباره أداة أساسية من أدوات التنشئة الاجتماعية المواطنة التي تدفع الفرد إلى الاعتزاز بانتمائه الثقافي والحضاري المغربي واستشعار المسؤولية الملقاة على عاتقه كفرد للمساهمة في بناء مغرب الحداثة غير المعطوبة المنتجة لأجيال مسؤولة وفاعلة. وأضاف البازي قائلا: يبدو أن التلفزيون المغربي يعمل على استدراج المشاهدين المغاربة إلى فضاءات وأزمنة تفرغ مفهوم الانفتاح الإيجابي على الآخر من محتواه، وتجعل إنتاجات الآخر (التافهة…) تجرب فينا بعضا من أعطابه وإخفاقاته القيمية، والتي لا يستفيد منها المتلقي لا في التربية ولا في التنشئة ولا في التنمية. وتابع قوله: الغريب أن التلفزيون المغربي حينما يريد أن يستجدي صوت ذاكرته أو تراثه، فإنه ـ بداعي خفة الدم والسعي للترويح عن المشاهدين ـ يقوم إما بعملية مسخ لهذا التراث، أو يغرق في جعله مدخلا من مداخل الترويج للخرافة والرداءة، ضدا على ما يزخر به الموروث المغربي من مظاهر حضارية راقية لم يتم استثمارها بعد بالقدر المطلوب.
المغرب ليس بلدا عقيما
وتابع الصحفي البازي، إن المشكل في المشهد الفرجوي التلفزيوني المغربي هو مشكل المحتوى، الذي لا يعار له كثير اهتمام، مشيرا إلى أن «التلفزيون المغربي تقدم بشكل كبير على المستوى التقني، لكنه على مستوى المضمون ما زال متخلفا ولا يرقى إلى تطلعات المشاهد المغربي». واعتبر الاستاذ البازي أن ما يعرف بلجنة القراءة مجرد وهم، وأنها تتكون من أناس لا علاقة لهم بالأعمال التلفزيونية، إذ يغيب عنها المخرج، والناقد، والكاتب، والممثل. وقال «لا يمكن أن يكون هذا البلد عقيما، إن التلفزيون أصبح معلمة حضارية من خلاله ترى وتقرأ وتتجول في كل الثقافات والمعالم، ولا يمكن أن يكتب إلا الكاتب ولا أن يبدع إلا المبدع.
يجب أن تعود الأمور إلى نصابها، وأن يفهم أن الأمر ليس إداريا بل هو ثقافي وإبداعي، ولا يمكن أن يديره إلا مثقف ومبدع على مستوى المضمون والجمالية، بلدنا لا ينقصه مفكرون وفلاسفة وأدباء ومبدعون».
إصرار على إنتاج الرداءة
ولاحظ متتبعون أيضا أن شبكة البرامج التي اعتمدتها القناتان الأولى والثانية خلال رمضان تسيء إلى ذكاء المغاربة، وتحاول أن تلصق بهم التخلف والدونية، من خلال إنتاجات مغرقة في الإسفاف والابتذال، لا تعكس الزخم الإبداعي والثقافي والتراثي الذي يتوفر عليه المغرب. كما عبروا عن استغرابهم من تغليب كفة التهريج على كفة الجودة، مشيرين إلى أن التذرع بنسب المشاهدة ما هي إلا حجة واهية للتستر على تلك الرداءة، نافين أن تكون هذه النسب راجعة إلى جودة ما في المواد المقدمة عبر الشاشة الصغيرة. وخلص المتتبعون إلى القول إن الإنتاجات المقدمة هذا العام في القناتين متقاربة جدا، وأن ما يجمع بينها هو الهزال الشديد، متسائلين عمن له مصلحة في الإصرار على إنتاج مثل تلك الأعمال، ومن ينبغي أن يتحمل المسؤولية الكاملة عنها.