تغييرات على الدبلوماسية الجزائرية لتدارك تراجع أدائها
أوحت الحركة الدبلوماسية التي قررتها الجزائر برغبة لديها في مراجعة أوراقها تجاه أفريقيا ومنطقة الساحل تحديدا، بتعيين سفراء جدد في عواصم المنطقة، من أجل احتواء التوتر المستجد، لاسيما في ظل ظهور لاعبين جدد على الخط، لكن مع ذلك يبرز عدم استقرار لافت في الجهاز الدبلوماسي بما أن الحركة هي السابعة من نوعها في السنوات الأربع الأخيرة.
وسبق للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن أطلق جهازا من المستشارين الدبلوماسيين في مسعى لتصويب واقع السلك، لكنه تخلى عنه بعد ذلك في اعتراف بفشل الخطوة خاصة أنها أوحت بالعمل على تكوين سلك دبلوماسي مواز مرتبط بقصر المرادية.
وتستقبل دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، قريبا سفراء جددا للجزائر، في إطار حركة تغييرات جديدة قررتها القيادة السياسية للبلاد، شملت بحسب بيان لوزارة الخارجية 28 سفيرا وستة قناصلة عامين وقناصلة، وتحمل في أولى قراءاتها رغبة الجزائر في مراجعة أوراقها الدبلوماسية بالقارة السمراء ومنطقة الساحل تحديدا، بعد التغييرات التي شهدتها في الآونة الأخيرة.
◙ وزارة الخارجية إلى جانب وزارة الدفاع، تعدان حقيبتان وزاريتان، غير قابلتين للرقابة والمساءلة من طرف البرلمان بموجب نص تشريعي أقرته الحكومة
وبهذه الحركة الواسعة المعلن عنها من طرف القيادة السياسية للبلاد، يكون السلك الدبلوماسي الجزائري قد خضع للمرة السابعة لعملية تغيير جذرية، خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهو ما بات ينم عن عدم استقرار وحتى تخبط لدى الكادر الدبلوماسي، بما أنه يبقى في حاجة ماسة إلى نوع من الاستقرار الزمني والمهني، من أجل الاضطلاع بمهامه على أحسن وجه.
ولعل ما يؤكد الطرح القائل بذلك، هو استغناء الرئيس تبون، في الآونة الأخيرة عن سلك المستشارين الدبلوماسيين الذين عينهم في رئاسة الجمهورية لمتابعة مختلف القضايا والملفات، لكن تداخل المهام والصلاحيات مع كوادر وزارة الخارجية والجهاز الدبلوماسي، أربك أداء الفريق منذ الوهلة الأولى، وبدا حينها أن نهايته ستكون قريبة في ظل غياب التوافق والانسجام داخل الأجهزة والكوادر الدبلوماسية.
وتطرح عملية التغيير التي طالت نحو 40 سفارة وقنصلية، لاسيما التغييرات التي طالت المناصب الدبلوماسية في دول الساحل وأفريقيا، فرضية مراجعة الجزائر لأوراقها ومواقفها تجاه بعض الملفات، لاسيما التغييرات التي طرأت خلال الأشهر الماضية في المنطقة، لكن وزير الخارجية أحمد عطاف كان قد قطع الطريق أمام ذلك، برفضه الصريح، لما أسماه بـ”المصالحة الاقصائية وليس المصالحة الاندماجية التي قررتها القيادة العسكرية الحاكمة”.
وكان تعيين سفراء جدد في عواصم دول الساحل أمرا متوقعا قياسا بالأوضاع والتطورات التي تعيشها المنطقة، والتي حولت البلاد إلى جار تقليدي وإستراتيجي غير مرغوب فيه، وبدخول لاعبين جدد على خط الصراع، وظهور نوايا لديهم بتجريد الجزائر من دورها التقليدي هناك.
ورغم أن المناصب المذكورة لم تكن شاغرة في وقت سابق، فإن غاية الحركة توحي برغبة السلطة في تغيير الوجوه وربما السياسيات المنتهجة مع القيادات الحاكمة في العواصم المذكورة، ولو بدا ذلك غير متناسق مع ما جاء في تصريح وزير الخارجية في ندوته الصحفية الأخيرة.
وبما أن السفراء الحاليين باتوا وجوها مألوفة لدى السلط الحاكمة في دول الساحل، وتم استهلاكها خلال ذروة الأزمات المتراكمة بين الطرفين، فإن استبدالهم كان ضرورة دبلوماسية وسياسية من أجل إطلاق رسالة إيجابية إلى قادة هذه الدول، فحواها رغبة الجزائر في تجديد قنوات التواصل الدبلوماسي، وعدم الانزلاق أكثر نحو الأزمة.
ويذكر متابعون للشأن الدبلوماسي، بأن “سيرة السفراء المعنيين تحمل البصمة والخبرة الأفريقية، ولذلك يكون تم اختيارهم لشغل المناصب الجديدة، ففي مالي، تم تعيين كمال رتيب، الذي سبق له العمل هناك قبل سنوات، كما أن السفير الجديد في النيجر أحمد سعدي، سبق له العمل أيضا في سفارة الجزائر في نيامي، والسفيرة سلمى منصوري المعينة في بوركينافاسو، تملك دراية بمشكلات المنطقة حيث عملت حتى نوفمبر الماضي في ادارة قوات حفظ السلام في مالي”.
ويضيف المتابعون أن اهتماما جزائريا تجلي في الحركة الأخيرة، من خلال استقدام وجوه دبلوماسية كانت في عواصم غربية كبرى، من أجل تحريك ملفات ثقيلة في بعض العواصم الأفريقية، لكن آخرين أدرجوا المسألة في خانة “غير المفهوم”، الأمر الذي يعيد فرضية التجاذبات داخل الجهاز الدبلوماسي، وإلا لما كان استهلك سبع عمليات تغيير في غضون أربع سنوات، كما أن الحاجة لترتيب الأوراق في منطقة الساحل لا تستدعي كل الكم المعلن عنه من السفراء والقناصلة المعنيين بالحركة.
◙ الرئيس تبون استغنى عن سلك المستشارين الدبلوماسيين الذين عينهم في رئاسة الجمهورية، لكن تداخل المهام والصلاحيات مع كوادر وزارة الخارجية والجهاز الدبلوماسي، أربك أداء الفريق منذ الوهلة الأولى
ويستند هؤلاء على حالة السفير عبدالكريم طواهرية، فبعد سنوات قضاها في روما، أين ساهم في تحقيق تقارب سياسي وإستراتيجي واقتصادي بين الجزائر وإيطاليا، وحضر لاستحقاقات كبرى، من تبادل زيارات رئيسي الدولتين، تم نقله إلى غينيا كوناكري، التي لا تملك الجزائر معها أيّ رهانات سياسية أو اقتصادية أو أمنية.
وفي حالة مشابهة ثم نقل السفير مراد عجابي، من تركيا إلى بوتسوانا، فبعد جهود جبارة لوحظت في تطور العلاقات بين البلدين وتوسيع نطاق الشراكة والمبادلات التجارية والاقتصادية، يجهل مغزى نقل الرجل إلى دولة بوتسوانا، وان كانت المسألة تستدعي رجلا بهذا الوزن، أم أن منطق التوازنات هو الذي أفضى إلى مثل هذا المخرج.
ولا زالت الحركات الدبلوماسية في الجزائر، بقدر ما تؤشر إلى جهود ونوايا في تعزيز مواقف وعقيدة الدولة، بقدر ما توحي إلى تحول الجهاز إلى أداة طيعة في أيدي اللوبيات المتصارعة على السلطة، ففي ظرف أربع سنوات فقط، أجرى الرئيس تبون سبع حركات تغيير في سلك السفراء والقناصلة.
وأوحت التغييرات المستمرة في بعض المناصب والعواصم، حيث لم يعمر شاغلوها أحيانا إلا بضع أشهر، الأمر الذي يجسد حالة من الارتباك وعدم والاستقرار، والصورة المشوشة لدى العواصم المعنية، فضلا عن الالتباس بين ما هو تجاذبات داخلية، وبين ما تمليه المصالح الدبلوماسية والإستراتيجية للبلاد.
وتعد وزارة الخارجية إلى جانب وزارة الدفاع، حقيبتان وزاريتان، غير قابلتين للرقابة والمساءلة من طرف البرلمان بموجب نص تشريعي أقرته الحكومة وزكته الهيئة التشريعية، الأمر الذي فاقم الغموض والالتباس داخل أروقة الجهاز وحول أداء كوادره.