إثر استئناف جولات الحوار الاجتماعي مع الحكومة المغربية، شددت نقابات محلية على تفعيل المقاربة التشاركية، لأن قيمة الحوار تكمن في نتائجه وفي تنفيذ مخرجاته، مشيرة إلى عدم التزام الحكومة بتطبيق عدة بنود من اتفاقات سابقة، وسط دعوات للعمل بجدية في معالجة الملفات المادية والاجتماعية والمهنية.
ومن أهم الملفات التي ستتطرق لها النقابات في حوارها مع الحكومة، مباشَرة عدد من الإصلاحات الكبرى التي تعتزم الحكومة تنزيلها خلال النصف الثاني من ولايتها، خاصة ملف إصلاح أنظمة التقاعد وقانون النقابات، إضافة إلى إخراج قانون تنظيمي للحق في الإضراب الذي لم تتقبل النقابات الأكثر تمثيلية النسخة الحالية منه بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.
وطالبت النقابات بفتح الحوارات القطاعية واحترام حق الموظفين في المفاوضة الجماعية، باعتبارها حقا دوليا ودستوريا، لتسوية المطالب المطروحة، والوصول إلى توقيع اتفاقات منصفة وفقا لمبادئ العدالة الأجرية والمساواة.
وحسب بلاغ للحكومة فإن “الجولة الجديدة من الحوار الاجتماعي، التي تدرس المطالب المشروعة للطبقة الشغيلة، تُكرس حرص الحكومة على العمل المشترك والمسؤول رفقة شركائها الاجتماعيين والاقتصاديين، وذلك في إطار مأسسة الحوار الاجتماعي، الذي قامت الحكومة برفعه إلى مرتبة الخيار الإستراتيجي، تفعيلا للرؤية الملكية السامية”.
وأضاف البلاغ، أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش شدد خلال اللقاء على مركزية الأسرة والطبقة الشغيلة في التدابير الحكومية، موضحا أن “الحكومة تمكنت من رفع أجور فئات عريضة من العمال، في إطار جولات الحوار الاجتماعي القطاعي، مع الزيادة في الحد الأدنى للأجر، والزيادة من الأجور بالنسبة للقطاع الفلاحي”.
وأكدت قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمغرب على الحفاظ على مصداقية وجدوى الحوار الاجتماعي، مع تنفيذ الالتزامات، منها ضرورة تطبيق الزيادة العامة في الأجور، في القطاعين العام والخاص مع مراجعة الضريبة على الدخل، لأن الظرفية الحالية صعبة في ظل ارتفاع الأسعار، ما يجعل التقدم في الحوار على ضوء هذه المستجدات صعب.
وعلى إثر لقاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب برئاسة النعم ميارة، الكاتب العام للاتحاد، مع رئيس الحكومة والوزراء المعنيين بالحوار الاجتماعي بمقر رئاسة الحكومة، لفتت النقابة إلى أنها طرحت ملف تأخر الحكومة في تنفيذ بعض من التزاماتها الجوهرية التي تتعلق بتحسين الدخل والزيادة العامة في الأجور، وإحداث الدرجة الجديدة للترقي وإصدار النصوص القانونية والتنظيمية الكفيلة بتعزيز حماية الحرية والحقوق والتمثيلية النقابية بما في ذلك مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب والقانون المتعلق بالمنظمات النقابية والقوانين المتعلقة بالانتخابات المهنية.
وتطالب النقابات بزيادة الأجور ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 5000 درهم (495.86 دولارا) على الأقل، وخفض الضريبة عن الأجور التي ترهق كاهل الطبقة المتوسطة، بالإضافة إلى زيادة عامة في معاشات التقاعد.
وأكد رئيس المنظمة الديمقراطية للشغل، علي لطفي، على “مطالب النقابة بالزيادة في الأجور وتحسين الوضع المعيشي للطبقة العاملة وإعادة توزيع الدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية والإسراع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد إلى حيز الوجود لرصد دقيق للفئات ذات الدخل المحدود والفقيرة وحماية الفئات الأكثر تضررا”.
النقابات تطالب بزيادة الأجور ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 5000 درهم (495.86 دولارا) على الأقل، وخفض الضريبة عن الأجور
ويرى خبراء في الاقتصاد، أن الترفيع من الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 5000 درهم ستكون له آثار إيجابية لأن الأسعار تواصل الارتفاع والقدرة الشّرائية تزداد تضررا، لكن تنفيذه صعب بالنسبة للقطاع الخاص، ولن تذهب الحكومة في اتجاه الضغط على هذا القطاع نظرا للصعوبات التي يمكن أن يخلقها.
وحذر الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، في بيان صادر عن مجلسه الوطني، من “أي إصلاح لأنظمة التقاعد على حساب الشغيلة المغربية”، داعياً الحكومة إلى “تفعيل المقاربة التشاركية في الحوار الاجتماعي، مع تصحيح إخلالات المشهد النقابي وإعادة الثقة في العمل النقابي وتنظيماته من خلال مراجعة مدونة الشغل وقوانين انتخابات ممثلي المأجورين”.
وفي السياق ذاته تعهّد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، بالسعي إلى إخراج قانون الإضراب إلى الوجود، حيث قامت الوزارة بعدد من اللقاءات التشاورية مع النقابات الأكثر تمثيلية، ما بين يناير وسبتمبر 2023، دون الوصل إلى نتائج مرضية نظرا لكون أرضية النقاش مازالت مرفوضة مع مطالب بتعديلات جوهرية متفق عليها.
ولفت السكوري في حوار مع مؤسسة الفقيه التطواني، أن الحكومة عقدت أكثر من 20 اجتماع بشأن القانون التنظيمي للإضراب، وكانت هناك ملاحظات من أجل أن يكون هذا القانون أكثر توازنا وقد أعطينا النقابات فسحة من الزمن، مشيرا إلى وجود عجز في عدد من صناديق التقاعد، ولا بد من توازن مالي ولكن مع الحفاظ على الحقوق وصيانتها.
من جهته، أكد الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل الميلودي المخارق، أن النقابة رفضت مشروع قانون تنظيم الإضراب الذي أعدته الحكومة السابقة دون التشاور مع الفرقاء، بالإضافة إلى كونه يتضمن عقوبات سالبة للحرية، مشددا على “مشروع يحمي الحريات النقابية وحق الإضراب”، مؤكدا في ذات السياق “استعداده لتدارس كل الصيغ الملائمة لضمان ممارسة هذا الحق في إطار قانون متوازن”.
وتفاعلا مع مطالب النقابات أكد رئيس الحكومة، عزمه التعاطي الإيجابي مع مذكرة النقابات، وإطلاق التفاوض بداية من الأسبوع المقبل، من أجل تقديم التصور الحكومي في كل القضايا التي تهم تشريعات الشغل من خلال الدعوة إلى عقد اجتماع لجنة تشريعات العمل المحدثة
بموجب الميثاق الوطني لمأسسة الحوار الاجتماعي، والتزام الحكومة بعرض كل التصورات للتداول بالحوار الاجتماعي، قبل أية مصادقة عليها؛ وذلك وفق ما ينص عليه الميثاق الاجتماعي.