تُجرى مناورات عسكرية بحرية في السواحل الأطلسية بين الصحراء المغربية وجزر الكناري، على مدار ثلاثة أشهر المقبلة، ابتداء من الجمعة، بغرض تعزيز القدرات العسكرية للبحرية المغربية في مواجهة كافة التهديدات والتحديات.
ورغم أن المناورات ليست الأولى من نوعها إلا أنها تزامنت مع إعلان المدعية العامة لدى محكمة العدل الأوروبية، تمارات كابيتا، عن خلاصاتها بشأن اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، المؤيدة لقرار إلغاء الاتفاقية بين الرباط وبروكسيل، بدعوى أنها تشمل إقليم الصحراء فيما يرفض المغرب أي تجديد للاتفاق دون أن يكون إقليمه الصحراوي جزءا من الاتفاق الشامل.
وأفاد إشعار، عممته مندوبية الصيد البحري بسيدي إفني جنوبا، بأنه “من المرتقب أن يتم إجراء هذه المناورات بالسواحل الأطلسية للمملكة، وذلك على امتداد الخط الفاصل بين مدينتي أكادير والداخلة، مرورا بكل من سيدي إفني والعيون”.
وأعلمت المندوبية كافة الملاحين وخصوصا بحارة الصيد الساحلي والتقليدي وجميع ممتهني الصيد البحري، بأن المنطقة الجغرافية المشار إليها ستعرف النشاط العسكري سالف الذكر والابتعاد عن المناطق المحددة المشار إليها بالإحداثيات الجغرافية، مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة تفاديا لأي طارئ.
وأشار تقرير أعدته صحيفة “إلكونفيدينسيال” الإسبانية إلى أن المناورات ستجرى على بعد 125 كيلومترا من سواحل جزر الكناري، مما يثير حساسية السلطات هناك لتداعياتها على الوضع في المنطقة، وبالرغم من عدم الكشف عن تفاصيل دقيقة حول هذه المناورات، فإنها قد تكون بالتعاون مع القوات البحرية الأميركية، كما حدث في السابق في المحيط الأطلسي.
وكعادتها استغلت أحزاب إسبانية معارضة قرارا سياديا مغربيا على سواحله للتشويش، حيث انتقد جاكوب قادري، الأمين العام للحزب الشعبي لجزر الكناري، ما سماه بـ “السرية” و”الغموض” اللذين تتعامل بهما حكومة بيدرو سانشيز “مع الأمور التي تؤثر على الجزر، خاصة تلك المتعلقة بالعلاقات مع المغرب، في مواجهة قضايا ذات صلة مثل مراقبة الحدود، وترسيم حدود المياه الإقليمية، وأخيرا المناورات العسكرية التي يقوم بها البلد المجاور”.
ويقول محمد لكريني، أستاذ العلاقات الدولية، إن المناورات تسعى إلى مواجهة مختلف التحديات الأمنية من بينها كل ما يهدد الوحدة الترابية للمغرب، ويندرج في هذا السياق إعلان المدعية العامة لدى محكمة العدل الأوروبية الذي قد يتم من خلاله التراجع عن اتفاقية الصيد البحري، لذلك ترقبا لأي تحرك قد يهدد المصالح العليا للمغرب جاءت هذه التحركات لمدة ثلاثة أشهر من التدريبات العسكرية التي يحاول من خلالها بعث رسالة واضحة لكل من يرغب في المس بالسواحل المجاورة للأقاليم الجنوبية المغربية.
وأوضح لكريني ، أن الأقاليم الجنوبية المغربية بسواحلها جزءا لا يتجزأ من الجغرافيا الكاملة للمملكة وأي اتفاق مع الأوروبيين له صلة بالصيد البحري سيكون خاضعا لمنطق سيادي مغربي.
وشدد على أن المناورات شأن سيادي وتندرج ضمن تقوية القدرات العسكرية للمغرب والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا الإطار كالولايات المتحدة وغيرها من جهة، ومن جهة أخرى الدفاع على الأمن القومي المغربي بأساليب متطورة مواكبة للتطورات التكنولوجية.
وتقوم البحرية الملكية بشكل دوري بمناورات عسكرية في عرض السواحل الأطلسية، بهدف الحفاظ على جاهزيتها استعدادا لمختلف السيناريوهات المحتملة والتدرب على الخطط والتكتيكات العسكرية المختلفة، وتنفتح في إجراء هذه المناورات على شركاء دوليين، ويتضمن برنامج “الأسد الإفريقي”، الذي تحتضنه المملكة كل سنة، مناورات بحرية.
ولفت هشام معتضد، الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية، إلى أن ما ستقوم به البحرية الملكية يدخل في أعمال السيادة تعزيزا لقدراتها القتالية وجاهزيتها البحرية وهو ما يحقق توازنا دفاعيا حساسا بالنسبة لخريطة استتباب الأمن العبر-أطلسي، ومحورا عسكريا جد مهم في بناء منصات الدفاع المشترك والتكامل في المنطقة لمواجهة التهديدات العابرة للمحيط الأطلسي.
وفي سياق إقليمي ودولي يتسم بتنامي التهديدات الإرهابية والمخاطر الأمنية التي تفرض تضافر الجهود وتعزيز التنسيق بين الدول لمواجهتها، أجرت القوات البحرية الملكية والأميركية في أغسطس الماضي، مناورات بحرية ثنائية شاركت فيها المدمرة الأميركية “إيناسيوس بول” إلى جانب فرقاطة “السلطان مولاي إسماعيل” التابعة للبحرية الملكية المغربية، تهدف إلى تعزيز الجاهزية القتالية للقوات المشاركة.
وتمتلك البحرية الملكية المغربية ست فرقاطات و20 زورق دورية، من الأفضل في أفريقيا، وتقع إحدى قواعدها الأربع الرئيسية في مدينة الداخلة.
وبداية 2024 أكدت إدارة التجارة الدولية “إيتا” التابعة لوزارة التجارة الأميركية، في تقرير حديث، أن المملكة المغربية تستهدف تعزيز أسطول الدوريات التابعة لقواتها البحرية بفرقاطتين جديدتين، مشيرة إلى أن “المغرب يخطط كذلك للاستثمار في نظام مراقبة ساحلي متطور، حيث أصبح تأمين السواحل من ضمن الأولويات الرئيسية للمملكة”.
وخصصت ميزانية للدفاع ناهزت 17 مليار دولار في إطار خطة تحديث الجيش المغربي لسنة 2030 ، خاصة البحرية منها، إضافة إلى حرصها على الحضور في كبريات المناورات والتدريبات العسكرية التي تستهدف تعزيز الأمن البحري وضبط السواحل، خاصة مع كل من إسبانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
وأوضح معتضد في تصريح لـه، أن البحرية الملكية المغربية تؤمن نافذة محيطية جد إستراتيجية على مستوى الساحة الدولية، فالموقع الجغرافي للمغرب يضع قواته البحرية أمام تحديات دفاعية من بين الأعقد على مستوى خريطة القوات البحرية الدولية، لأنها مجبرة ليس فقط على تأمين الممرات الأوروبية-الإفريقية، ولكن أيضا على الالتزام باليقظة الكاملة والمستمرة في مراقبة التحركات التي تتخذ من الممرات الأوروبية-الأميركية، خاصة ذات الوجهة الجنوبية، ومن الفضاءات المجاورة للمغرب، مناطق التفاف وممرات للتهرب من مناطق المراقبة والدوريات الروتينية.