عودة الخوف من الانتخابات المزورة بطريقة ديمقراطية و شفافة عند الجزائريين
عرفت الانتخابات التي جاءت بالرئيس تبون إلى قصر المرادية أضعف نسبة مشاركة شعبية في رئاسيات الجزائر منذ الاستقلال (39.8)، بغض النظر عن مسألة التشكيك في صدقية النسب الرسمية المعلنة كل مرة. في حين قد تقضي الانتخابات المسبقة التي أعلن عنها الرئيس تبون الخميس الفارط، إذا تمت فعلا كما هو مقرر لها، على آخر «إيجابية» ارتبطت بالانتخابات في الجزائر.
انتظام روزنامتها التي عرفت نوعا من الاستقرار مع الوقت، بعد هذا القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس، الذي يؤكد أن النظام السياسي الجزائري لم يتعاف من أزمته العميقة، التي تطل برأسها كل مرة بمناسبة الانتخابات الرئاسية. حوّل هذه المناسبة السياسية إلى محطة خوف كبير وقلق لدى الجزائريين والجزائريات. ارتبطت في الكثير من المرات باستفحال أزمة النظام السياسي، وعدم قدرة نخبه ومن ورائها مؤسساته المركزية على حل أزماته الكثيرة والمتعددة، عبر الانتخابات التي فشلت حتى الآن في التحول إلى آلية للمنافسة السلمية الشفافة بين النخب والمشاريع السياسية، في طريق بناء مؤسسات تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية والفعالية.
لنبدأ بما حصل نهاية الأسبوع الماضي.. فجأة ودون مقدمات ظاهرة، يعلن التلفزيون عن اجتماع سياسي مصغر برئاسة الجمهورية، تم الإعلان فيه عن تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة في السابع من 7 سبتمبر. إعلان تم قُبيل عطلة نهاية الأسبوع، في شهر رمضان والناس صيام، من دون تقديم أي تبرير ولا إحالة حتى للمادة الدستورية التي تسمح بذلك للرئيس، بدل توقيتها المعروف الذي يرتبط بنهاية عهدة الرئيس الأولى، في ديسمبر المقبل، الاجتماع الذي تم الإعلان فيه عن هذا القرار لم يكن للمجلس الأعلى للأمن، أو لمجلس الوزراء، بجدول أعمال اقتصر على تنظيم هذا الاستحقاق، لم يتزامن مع خطاب للأمة كان يمكن انتظاره من قبل الرئيس، لشرح حيثيات هذا التقديم في تاريخ الانتخابات ومبرراته للمواطنين، توقيت وطريقة تقديم ونوعية حضور أعطت لانطباع للمواطن، المشاهد، وهو يتصفح وجوه الحضور، حتى وهم يتصنعون الابتسامة، بوجود أزمة عميقة مرتبطة بالانتخابات، هي التي تبرر هذا التقديم الذي يصعب تفسيره وفهمه، كما يوحي بذلك امتناع الرئيس مخاطبة المواطنين. لتكتفي الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الخاصة والعمومية بإعادة التذكير الحرفي ببيان الرئاسة، دون إضافة أو نقصان. في انتظار وضوح الصورة أكثر بداية الأسبوع الحالي، كما حاولت أن تقوم بذلك وكالة الأنباء الرسمية بشكل غير موفق، ضمن حالة إعلامية وسياسية انعدمت فيها الفضاءات التعددية، التي يمكن أن تناقش مثل هذا القرار، حصص تلفزيونية واذاعية، صحافة رأي مكتوبة، إذا استثنيا جماعة «البني وي وي» الذين يسيطرون على المشهد الإعلامي كأبواق للنظام، من فاقدي المصداقية. تخمينات كثيرة ذهبت في اتجاه صحة الرئيس كتفسير لهذا التسبيق للانتخابات، دون أن تكون مقنعة تماما بسبب مدة التسبيق القصيرة والحالة الصحية العادية للرئيس، كما ظهر في الاجتماع. رغم مروره في وقت سابق بفترة صحية صعبة اثناء جائحة كورونا وسفره إلى ألمانيا، ما يجعلنا نعود إلى طرح الأسئلة المنطقية التي يفرضها هذا المشهد السياسي، لماذا يلجأ رئيس جمهورية إلى تسبيق انتخابات كان يفترض أن يطلب فيها عهدة ثانية مضمونة سلفا، ليفتح على نفسه أبواب القيل والقال، ليست مفروضة عليه. للذهاب نحو انتخابات مسبقة ستصادف حملتها الانتخابية فترة عطلة وصيف حار، كما أصبح فيه الشأن في الجزائر بعد التحولات المناخية التي يعيشها العالم، ليصادف يوم تنظيمها الدخول المدرسي في الأسبوع الأول من سبتمبر. يكون فيها اهتمام المواطن والكثير من مؤسسات الدولة مركزا على الشأن الاجتماعي.
في وقت تقول المؤشرات السياسية الظاهرة على الأقل أن الوضع السياسي متحكم فيه وهادئ جدا لدرجة أن التحدي الأكبر أمام هذه الانتخابات هو البحث عن «أرانب سياسية» للمشاركة فيها، بما فيها أرنوبة واحدة، لزوم المشهد. كديكور مطلوب بعد العزوف الذي أصبح سائدا إزاء هذه الانتخابات من قبل المواطن وبعض النخب السياسية الجادة. لقناعة الجميع أن هذه الانتخابات قد فقدت مصداقيتها ولم تعد الطريقة المثلى لحل الإشكالات السياسية التي يواجهها البلد. بعد أن جربت لأكثر من نصف قرن، بشكليها الأحادي والتعددي، دون نجاح. على العكس فاقمت من مشاكل البلد وأنهكت المؤسسات. الاستمرار في التحليل المنطقي، يحيلنا إلى داخل مؤسسات النظام بما تعرفه من صراعات، بين مراكز القوى التي قد تفسر هذا التقديم للانتخابات الرئاسية بهذا الشكل الذي سيزيد حتما في اضطراب هذه المؤسسات. بموازين القوى غير المستقرة التي تعرفها. باختصار وبشكل واضح قد يكون الأمر ناتجا عن عدم اتفاق بين مراكز القرار على عهدة ثانية للرئيس تبون، جعلته يتخذ هذا القرار المفاجئ والمتسرع، كوسيلة ضغط لخلط أوراق الطرف، أو الأطراف التي رفضت له هذه العهدة الثانية، أو تحفظت عليها. تأكيدا للكثير من الأحداث والمؤشرات التي ظهرت عدة مرات خلال العهدة الرئاسية، تجسدت في الصعوبات التي وجدها الرئيس في فرض نفسه كمركز قرار رئيسي داخل هذا النظام السياسي، الذي تتحكم في قراره الاستراتيجي – كما هو حال الانتخابات الرئاسية ـ مراكز القرار الخفية أكثر من الظاهرة. وهو ما بينته محطات تاريخية عاشها النظام السياسي، على غرار ما حصل عند إبعاد الرئيس زروال، على سبيل المثال. في نظام سياسي لم يوفق فيه أكثر من رئيس جمهورية من إنهاء عهدته بشكل طبيعي، تأكيدا لعمق أزمة النظام السياسي الوطني الذي يرفض في عمقه، الانتخابات كوسيلة للتنافس السلمي في حدها الأدنى، لم يتم توفير شروطها الأساسية في أي محطة تاريخية لغاية اليوم.
العودة إلى ظروف المجيء بالرئيس تبون إلى رئاسة الجمهورية 2019 يمكن أن تمنح قراءتنا لهذا التقديم للانتخابات الكثير من المصداقية، عكس تلك التحاليل غير المقنعة التي تربطها بأجندات خارجية، كالزيارة إلى فرنسا التي تحولت في بعض مظاهرها إلى لعنة فعلية، أو بقرار شخصي من الرئيس تبون يكون قد اتخذه لتقديم الانتخابات، دون أن يبرر الأسباب ولا الخلفيات السياسية بنتائجها المدمرة على تنظيم الانتخابات نفسها في هذا التوقيت الغريب، الذي تم الإعلان عنه، في شهر رمضان، لتصادف حملتها الانتخابية فصل الصيف التي يمكن أن تتجاوز درجة الحرارة في بعض مناطق الجنوب الخمسين درجة.
ليبقى خوف المواطنين قائما من إمكانية ترحيل التناقضات التي تعيشها المؤسسات السياسية ونخبها المتصارعة داخلها، نحو المجتمع، ليدفع المواطن وحده فاتورة هذا الفشل في القبول بالانتخابات، كآلية لحسم التنافس السياسي بشكل سلمي، بين القوى السياسية المنظمة، كما يحصل في الكثير من دول العالم.