أزمة الصحافة المغربية تتطلب سياسات عمومية فعّالة
يسعى الصحافيون والإعلاميون المغاربة إلى معالجة الأزمات التي يعيشها الإعلام الوطني والجهوي في غياب شروط الدعم الكافي له ووجود عدة تحديات، مثل شح المعلومة والفوضى التي يشهدها القطاع.
أكد يونس مجاهد، الرئيس السابق للمجلس الوطني للصحافة، أن الصحافة في المغرب، سواء الورقية أو الرقمية، تعاني أزمة حقيقية. وهو ما يثير تساؤلات حول وجود صناعة إعلامية وطنية فعّالة. ويحاول الصحافيون والإعلاميون في المغرب وضع مقاربة للمشهد الإعلامي وواقعه ودوره في تحديث المنظومة المجتمعية، إضافة إلى أبرز التحديات التي تواجهه والصعوبات التي تقف في وجهه.
وفي تشخيصه للوضع الحالي قال مجاهد خلال ندوة حول “واقع الصحافة والإعلام الوطني والجهوي وتحديات المستقبل”، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، “إن معظم المؤسسات الإعلامية تتم إدارتها بطرق تثير القلق”. وأشار إلى ضرورة التركيز على المستقبل لمواجهة التحديات المتزايدة، خاصة مع تقدم التطورات وانتشار الذكاء الاصطناعي في العالم الرقمي للإعلام. وأضاف “نحن أمام تغيرات جديدة في الإعلام، وممارسين جدد وقضايا جديدة ومهن جديدة، بعضها إيجابي وبعضها الآخر سلبي”، لافتا إلى أن ذلك يشكل تحديًا كبيرًا للصحافة.
ويطبق المغرب القوانين الجديدة لإصلاح المشهد الإعلامي بهدف بناء مؤسسات تتوفر فيها كافة الشروط المهنية والاقتصادية والاجتماعية في ميدان يتميز بالمنافسة الشديدة والسباق المحموم. لكن ما يثير الانتباه هو أن الإشكالات والصعوبات نفسها مازالت تواجه كل المؤسسات الإعلامية تقريبا بمختلف أنواعها في الصحافة المكتوبة والإعلام السمعي البصري والصحافة الإلكترونية.
وتناول النقاش الإكراهات التي يعيشها الإعلام الوطني والجهوي، وذلك في غياب شروط الدعم له، مع جهود الإعلام والصحافة من أجل تأطير المجتمع وخدمته من كل النواحي، على الرغم من التحديات مثل شح المعلومة والفوضى التي يعيشها المجال الإعلامي عموما، إضافة إلى غياب التحفيز والدعم من قبل السلطات المعنية والوصية على القطاع.
وأوضح مجاهد، خلال الندوة التي تم تنظيمها تخليدا للذكرى الرابعة لرحيل مؤسس الصحافة الجهوية محمد الحجام، أن هناك أزمة شاملة تمس الصحافة على الصعيدين الوطني والجهوي، داعياً إلى التفكير بجدية في مستقبل الصناعة الإعلامية في المغرب وشروط الاستثمار الصحفي. وأبرز أن التصدي للتحديات التي يواجهها قطاع الإعلام في المغرب يتطلب سياسات عمومية فعّالة.
وشكل اللقاء مناسبة لمقاربة موضوع الصحافة الوطنية والجهوية ودورها في تثبيت ركائز المجتمع والعمل على بلورة الأفكار والرؤى والتصورات حول عدد من القضايا الراهنة والحساسة والتي كان فيها الإعلام سباقا إلى إثارتها، فضلا عن تقريب الخبر والمعلومة إلى الرأي العام دون حيف أو تحيز.
وأشار مجاهد إلى وجود نقطة مضيئة في هذا السياق، هي تكليف الحكومة للمهنيين بتقديم مقترحات لمواجهة هذه القضايا. كما أكد على أهمية وجود قانون إطار يضمن وجود إستراتيجية واضحة لقطاع الإعلام. وختم قائلا إن المستقبل سيشهد تحولات جذرية في مجال الإعلام، ما يعني أن هناك حاجة ماسة إلى تبني سياسات فعالة تسهم في تطوير ودعم هذا القطاع الحيوي في المغرب، مشددا على دور الجامعات المغربية في تطوير البحث العلمي في هذه القضايا المجتمعية.
وتطرق الإعلاميون إلى أهمية الجانب الأخلاقي في المهنة وضرورة تحري الحقيقة والصواب والنزاهة والمصداقية في التعاطي مع الشأن الإعلامي، وطالبوا في الوقت نفسه بضرورة الإسراع في إصلاح الورش الإعلامي وتخليصه من الشوائب العالقة به. وأكد عبدالكبير اخشيشن، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن الوضع الحالي للإعلام يتطلب تحليلًا شجاعًا لتحدياته بهدف تطوير بيئة إعلامية تلبي تطلعات المواطن وتحقق الرضا الإعلامي.
وشدد على أهمية تحديث القوانين التي تنظم القطاع الإعلامي، مشيراً إلى أن “أساس تطوير القطاع الإعلامي يكمن في تحديث القوانين التي تنظمه”. وتحدث عن ورش يهدف إلى إعادة النظر في مدونة الصحافة والنشر، التي تشمل ثلاثة قوانين هامة: قانون الصحافي المحترف وقانون النشر وقانون المجلس الوطني للصحافة.
وأكد على أهمية الصحافة الجهوية كمستقبل للإعلام، مشيرا إلى أن “الصحافة الجهوية تقدم خدمات عمومية ضرورية على مستوى الجهات، وهو ما يعكس الحاجة الملحة لدعمها والمحافظة على استمراريتها”. كما عبر عن ضرورة توفير الدعم المادي للصحافة الجهوية من الجهات المختصة، إلى جانب اتخاذ إجراءات فعّالة لتعزيزها من الدعم المركزي.
◙ مجهودات القائمين على قطاع الإعلام في تطويره وإصلاحه حققت مكتسبات مهمة، لكنها في حاجة إلى تفعيل وتأويل ديمقراطي
ويرى العديد من أهل القطاع أن مجهودات القائمين على القطاع في تطويره وإصلاحه حققت مكتسبات مهمة، لكنها في حاجة إلى تفعيل وتأويل ديمقراطي، وتتجلى هذه المكتسبات في إدراج الدستور لأربعة فصول تعد من أبرز ما حققه القطاع من مكاسب، وهذه الفصول تنص على أن حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها، وحرية الإبداع والنشر مكفولة ومضمونة، شأنها شأن حرية الصحافة التي لا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبْلية.
وأشار اخشيشن إلى أنه يطمح إلى إعلام قادر على المنافسة والتأثير الفعّال، لافتا إلى أن “تحقيق ذلك يتطلب توفير الشروط الملائمة والجرأة الكافية للصحافيين، الذين يجب عليهم الدفاع بكل جدارة عن قضايا الوطن، بوسائل تكنولوجية متقدمة وبدعم مالي يمكنهم من الانخراط بقوة في مهنتهم”.
من جانبه اعتبر محمد لغريب، صحافي مهني بمؤسسة ملفات تادلة، الصحافة الجهوية أحد الأعمدة الأساسية للبناء الديمقراطي ورافعة “الجهوية” بالنظر إلى الدور الذي يمكنها أن تلعبه في إبراز خصوصيات الجهات وتعدديتها ضمن النسيج الوطني، مؤكدا حاجتها إلى قوانين ومؤسسات مهنية تراعي خصوصية البيئة التي تشتغل فيها، وإلى دعم حقيقي، محليا ومركزيا، اعترافا بوظيفتها بدل تركها تتخبط حتى تعلن عن موتها.
وأبرز المتدخلون في الندوة التحديات التي تواجهها الصحافة والإعلام في المغرب، مشيرين إلى أن الأزمة الحالية تتطلب تحليلًا شجاعًا وسياسات عمومية فعّالة لتطوير القطاع ودعمه، كما تستلزم تحديث القوانين لضمان بيئة إعلامية ملائمة وقوانين مناسبة تحمي استقلالية الصحافة وتعزز دورها الحيوي في المجتمع.
وخلصوا في الندوة، التي أشرف الدكتور إدريس جبري منسق مسار التميز للصحافة والإعلام على تسييرها، إلى أن تطوير الصحافة الوطنية والجهوية يعد تحديًا هامًا يتطلب تضافر جهود الجميع، مؤكدين على دور الجامعات في تعزيز البحث العلمي وتدريب الكفاءات الصحفية والإعلامية، وعلى أهمية دعم الصحافة الجهوية، التي تلعب دورًا أساسيًا في تقديم خدمات عمومية ضرورية للمجتمعات المحلية.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم الإعلان في نهاية الندوة عن الفائزين في المسابقة التي نظمتها مؤسسة ملفات تادلة في إطار تخليد الذكرى الرابعة لوفاة مؤسسها، والتي همت ثلاثة أصناف، هي الصحافة المكتوبة والسمعي البصري والصورة.