تبون يستعد لمغادرة الرئاسة
أثار إعلان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بشكل مفاجئ عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة التكهنات بشأن استعداده لمغادرة قصر المرادية وترك مكانه لمن سيأتي من بعده، ما من شأنه أن يترك خلفية من الإرباك السياسي والدبلوماسي للجزائر والإقليم.
وأعلنت الجزائر الخميس إجراء انتخابات رئاسية “مسبقة” في السابع من سبتمبر 2024، أي قبل ثلاثة أشهر من موعدها المقرر أصلا.
وجاء في بيان صدر عن الرئاسة الجزائرية، إثر اجتماع ترأسه الرئيس تبون وحضره رئيس الوزراء ورئيسا غرفتيْ البرلمان ورئيس أركان الجيش ورئيس المحكمة الدستورية، “قرر رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبدالمجيد تبون، إجراء انتخابات رئاسية مسبقة يوم 7 سبتمبر 2024”.
وبالرغم من أن البيان لم يشر إلى سبب هذا القرار الهام والمفاجئ، خاصة أن الفترة الزمنية بين الموعد العادي للانتخابات والانتخابات المبكرة ليست طويلة، يعتقد متابعون للشأن الجزائري أن وراء القرار رغبة من الرئيس تبون في مغادرة الرئاسة رغم التكهنات التي أشارت إلى أنه سيترشح لولاية جديدة.
وضْع الرئيس الجزائري الصحي والعجز عن تحقيق اختراقات داخلية وإقليمية ودولية من أسباب الرحيل المفترض عن السلطة
ويمكن أن تكون لقرار تبون المغادرة المبكرة علاقة بوضعه الصحي، خاصة في ظل الضغوط الكثيرة التي تمارس عليه بسبب اصطدام خططه بواقع معقد خارجيا وداخليا.
في الخارج فشلت الجزائر في تحقيق اختراقات إقليمية ودولية. إقليميا يظهر ذلك من خلال تراجع دورها في مالي والنيجر وهامشية تأثيرها في ليبيا، وعجزها عن مجاراة مبادرات المغرب وتحركاته الدبلوماسية التي مكنته من الحصول على اعتراف واسع بمبادرته لحل قضية الصحراء من بوابة الحكم الذاتي الموسع.
أما دوليا فقد قاد تمسك تبون بالماضي إلى توتير علاقته بفرنسا. وعلاقته بأوروبا تسودها التوجسات بسبب الأزمة المفتعلة مع إسبانيا، ولم تنجح عروض الغاز السخية في تبديد مخاوف الأوروبيين. وفشل الرئيس الجزائري في الرهان على الانتماء إلى حلف الشرق مع الصين وروسيا. واكتشف في أول اختبار أن وزن بلاده ومنزلتها لدى بكين وموسكو ليسا مهمّيْن كما كان يقدّر ويتوقع؛ إذ لم تدعما انضمامه إلى مجموعة بريكس التي كان يراهن عليها لإظهار قدرته على المناورة وأن بلاده تمتلك البدائل الكافية لفرض نفسها في ملفات الإقليم.
وهناك ضغوط داخلية متنوعة قد تكون من أسباب الرحيل المفترض للرئيس الجزائري؛ من ذلك ما تعلق بصراع الأجنحة داخل السلطة وبسط المؤسسة العسكرية والاستخبارية قبضتها على الأجهزة بما في ذلك المحيطة به، والتي قد تكون عرقلت خططه للتغيير واختيار كادر موال له في مؤسسات الدولة.
واشتكى الرئيس الجزائري من مناورات وعراقيل تفتعلها جيوب النظام السابق المتغلغلة في مختلف المناصب والمفاصل الرسمية واتهمها بالوقوف وراء مناورات وعراقيل لإجهاض مشروع “الجزائر الجديدة”، وجاء ذلك بمناسبة استقباله وفد المجلس الوطني للتجديد الاقتصادي (منظمة رجال الأعمال).
وقال الرئيس تبون، في تصريح مقتضب الخميس، “سنحاسب كل من يتقاعس في الاهتمام بانشغالات المواطنين اليومية، وأنه لا مكان للسينما في عهد الجزائر الجديدة”، ويقصد بذلك الخطاب الشعبوي والصور الاستعراضية التي يتعمدها الكثير من المسؤولين أمام الأضواء الإعلامية والكاميرات، من أجل الظهور بثوب الحريص على التكفل بانشغالات المواطنين والتقرب أكثر من دوائر قرار التعيين.
وقال “الحساب مع أي مسؤول يتقاعس في أداء مهامه تجاه المواطنين يقابله التوقيف”، وحذر من “التظاهر أمام الكاميرات بالاهتمام بانشغالات المواطنين”. وأضاف “ملايين من المواطنين يعيشون في زمن غير زمنهم، وأنه لا مكان في الجزائر الجديدة لآفة تعطيل مصالح المواطنين، لاسيما وأنه ثبت وجود تعطيل مقصود لمشاريع مناطق الظل في عدة مناسبات”.
وخلص إلى أن “هناك بعض الأفراد مازالوا يطمعون في خلط الأوراق وصنع الارتباك، باستغلال ظروف المواطنين، ومحاولة تأجيج الشارع على السلط العمومية، لاسيما وأن هناك تواطؤا داخل الإدارة في تعطيل مسار الدولة”.
ويرى المتابعون أن المناخ الحالي في الجزائر سيجعل من الصعب على أي مسؤول أن يخلف الرئيس الحالي، مشيرين إلى أن تعقيدات الصراع داخل السلطة منعت تبون وستمنع مَن يأتي بعده مِن تنفيذ إصلاحات جذرية وإنجاز مشاريع تكون قادرة على تحسين وضع الجزائر وتخدم الجزائريين الذين يشتكون باستمرار من الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار بالرغم من الأموال الكثيرة التي تدرها عائدات النفط على البلاد.
وكان تبون (78 عاما) ألمح في نهاية العام الماضي إلى ترشحه لولاية ثانية، حيث رد على عضو في البرلمان بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة بالقول “الله يعطينا الصحة”. ثم رد على مجموعة من البرلمانيين الذين دعوه أيضا إلى الترشح قائلا “في النهاية، ومن خلالكم، سنترك الشعب ليقرر”، علما أنه انتخب يوم 12 ديسمبر 2019 رئيسا للجزائر لولاية مدتها خمس سنوات.