لماذا يخشى تبون انقلاب الجيش عليه قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة
لم يستطع صانعوا القرار في الجزائر، على بُعد 9 أشهر من الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في دجنبر من العام الجاري، الحسم في إمكانية ترشيح الرئيس الحالي عبد المجيد تبون من عدمها، في ظل بروز إرهاصات قوية تشي بعدم وجود إجماع عليه داخل المؤسسة العسكرية، والبحث عن “بروفايل” أكثر اتزانا ليكون واجهة النظام خلال السنوات الخمس المقبلة.
وبدأت تتواتر المعلومات التي تتحدث عن وجود صراع أجنحة بين قادة الجيش الجزائري وأجهزة المخابرات، التي تعتبر المحرك الأساس للسلطة في البلاد، بخصوص موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، في ظل عدم وجود إجماع حول الشخص الذي سيكون المرشح المقبل، إذ إلى الآن لم يتم الاتفاق على وضع تبون مرشحا لولاية جديدة، على الرغم من أن الدستور يخوله ذلك.
ولا يُبدي الجيش وأجهزة المخابرات الكثير من الثقة في تبون للاستمرار في منصب رئيس الدولة خلال الفترة القادمة، الأمر الذي اتضح بجلاء في دجنبر الماضي، عندما منع الجيش البث المباشر لخطاب الرئيس خلال افتتاح السنة التشريعية أمام البرلمان بمجلسيه، على الرغم من الإعلان عن ذلك من طرف القنوات التلفزيونية العمومية.
والمثير في الأمر، أن هذه الخطوة تزامنت مع رغبة تبون في أن يبرز في صورة الشخص الذي يُطالبه “نواب الأمة” بالترشح لولاية جديدة، حيث دعاه مجموعة من أعضاء البرلمان إلى الترشح في انتخابات 2024، ليُجيب “إن شاء الله ربي يعطيني الصحة الكافية”، غير أن التلفزيون العمومي اكتفى ببث لقطات مُحددة من هذه الكلمة، ولم يظهر تبون وهو يؤكد ترشحه.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي يُضيق فيها الجيش على الظهور الإعلام لتبون، ففي أكتوبر من العام الماضي جرى منع بث حواره مع ممثلي وسائل الإعلام في بلاده، بعدما أفرط الرئيس في توجيه الاتهامات إلى العديد من الدول، بشكل خارج عن السيطرة، إثر رفض طلبه لمنظمة “البريكس” بالانضمام إليها، ما وضع قدراته العقلية حينها بين قوسين.
والظاهر أن تبون بدوره لا يثق تماما في العسكر والمخابرات، ويعي أنه قد يُصبح ورقة محروقة في أي وقت، لذلك يحاول تحصين نفسه ما أمكن، فمع نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري بدأت تبرز معالم الصراع بين مؤسسة الرئاسة وجهاز المخابرات، حين قرر الرئيس نقل التحكم في مديرية التنصت الاستعلاماتي إلى مكتبه.
وأعفى تبون الجنرال إسماعيل أجافن، من منصبه على رأس المديرية العامة للاستخبارات التقنية، المعروفة اختصارا بـDGRT، في شتنبر الماضي، بعد 4 سنوات قضاها في هذا المنصب، بعدما عُين فيه في أبريل من سنة 2019 مباشرة بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ليكون بذلك من بين أول الوجوه الجديدة لنظام ما بعد الحراك في المواقع الحساسة.
وفي المقابل، وفي نونبر 2023، عين تبون بوعلام ليكون مديرا جديدا لديوان رئاسة الجمهورية، بعدما كان المستشار القانوني له لمدة 3 سنوات، وهو الذي أصبح المتحكم الفعلي في مديرية التنصت، مستفيدا من تجاربه السابقة في هذا الميدان على المستوى القضائي، ما يعني عمليا إبعاد عمليات التنصت عن قائد الجيش السعيد شنقريحة، ذي العلاقة الوطيدة مع أجافن.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو احتمال تأجيل الانتخابات مطروحا، الأمر الذي تحاول الجزائر الحديث عن أنه طرح يروجه المغرب فقط، لكن على أرض الواقع، فإن أحد المقربين من النظام الحالي، رئيس حزب “حركة البناء الوطني” المشارك في الحكومة، ووزير السياحة والصناعة الأسبق، عبد القادر بن قرينة، أول من جاهر به.
وكان بن قرينة قد تحدث عن وجود عدة فرضيات لتدبير المرحلة القادمة، ومن بينها تأجيل الانتخابات، مستشهدا حينها بقرار الرئيس السنغالي ماكي سالي، لكنه عاد ونفى تلك التصريحات معتبرا أنها تعرضت لـ”التأويل”، وهاجم من يحاولون “التشويش على حزبه أو النيل منه”، وهو ارتباك يشي بدوره بأن المتحكمين في القرار الجزائري ليسوا على قلب رجل واحد حاليا.
وبالنسبة للكثير من الجزائريين، يُعتبر تبون، الذي يعاني من عدة اعتلالات صحية، والذي ظهر مؤخرا وهو يصلي على كرسي خلال افتتاح جامع الجزائر، هو شخص مفتقر للكاريزما التي يعتبرونها أمرا مهما في بناء الشخصية السياسية لرئيس الجمهورية، لذلك لا يبدو البحث عن شخص أقوى منه، من هذه الناحية، على الأقل، أمرا مستبعدا.
وكان تبون قد اختير رئيسا للجمهورية في دجنبر من سنة 2019 بحسمه الانتخابات من الدور الأول بنسبة تجاوزت 58 في المائة من الأصوات، لكن في استحقاقات كانت نسبة المشاركة فيها أقل من 40 في المائة، وجرى تنصيبه قبل 4 أيام فقط من الوفاة الغامضة لرئيس أركان الجيش السابق أحمد قايد صالح، ووصول شنقريحة إلى هذا المنصب.
ومنذ ذلك التاريخ، أصبح تبون الواجهة السياسية التي تصرف بها الجزائر مواقفها العدائية تجاه المغرب، لدرجة إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية معه سنة 2021 وإغلاق المجال الجوي أمام طائراته والامتناع عن تجديد عقود مرور خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي، الأمر الذي شكل حجر الزاوية بالنسبة للنظام الحالي في مهمته للحصول على “تأييد” شعبي.
وخلال ولايته الأولى، ركز تبون بشكل شبه تام على إبراز قوة الجيش ودوره في الحفاظ على “استقرار وأمن البلاد في مواجهة التهديدات الخارجية”، خصوصا الآتية من المغرب، وفق ما تروجه البروباغندا الرسمية، في مقابل تراجع تأثير الجزائر على المستويين الإقليمي والدولي، وتدني مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لدرجة أن البلاد صُنفت الأولى في مؤشر البؤس العالمي على المستوى المغاربي، والـ 36 عالميا.