قنصليات المغرب تمنح الأم حق إصدار جواز سفر أبنائها دون موافقة مسبقة من الأب
أصبح بإمكان الأم المغربية المقيمة خارج البلاد أن تتقدم بطلب جواز السفر لفائدة أبنائها القصر دون ضرورة الحصول على موافقة الأب، ما لم يكن هناك قرار قضائي يمنع ذلك، في إجراء رحبت به المنظمات النسائية التي تناضل لإصلاح مدونة الأسرة وتحقيق مبدأ المناصفة الذي يقره الدستور المغربي.
أعلنت قنصليتا المغرب بكل من مدريد ونيويورك عن تمكين الأم من استخراج أو تجديد جواز السفر لأطفالها دون موافقة مسبقة من الأب ما لم يصدر قرار قضائي يحول دون ذلك، بناء على تعليمات من وزارة الداخلية في خطوة من شأنها إنصاف الأم والأطفال الذين يعانون من عقبات قانونية بهذا الشأن تحول دون عودتهم إلى الوطن.
وأعلمت القنصليتان كافة المواطنين والمواطنات المقيمين بدائرة نفوذهما، أنه بناء على التعليمات التي وجهتها وزارة الداخلية إلى عمالات وأقاليم المملكة المغربية والمتعلقة بجوازات السفر البيومترية “أصبح للمرأة المغربية الحق في إنجاز أو تجديد أو سحب جوازات السفر لفائدة أبنائها القاصرين دون موافقة صريحة مسبقة من الأب، مالم يكن هناك حكم قضائي يعارض ذلك”.
وكانت وزارة الداخلية قد كشفت في وقت سابق، أنها تعمل إلى جانب وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج على دراسة إمكانية وضع إطار قانوني يمنح الأم حق إعداد جواز السفر لفائدة طفلها القاصر دون موافقة صريحة مسبقة من الأب.
وجاء ذلك خلال جواب للوزير عبدالوافي لفتيت عن سؤال كتابي وجهته النائبة البرلمانية ثورية عفيف، عن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، حول الصعوبات التي تعترض المواطنات المغربيات المقيمات بالخارج، خاصة المطلقات منهن، لإعداد الوثائق الثبوتية لأبنائهن، من قبيل جواز السفر وبطاقة التعريف الوطنية داخل الوطن أو خارجه، وذلك بسبب رفض الآباء إعداد تلك الوثائق.
وأكد لفتيت أن موافقة أب الطفل القاصر ستكون ضمنية ما لم يطلب من المحكمة إصدار قرار يمنع الأم من إنجاز هذا الجواز دون موافقته، أو في حالة نزاع بين الأبوين يستوجب اللجوء إلى القضاء، مشيرا إلى أن وزارة الخارجية والتعاون والمغاربة المقيمين بالخارج تتيح لمصالحها القنصلية إمكانية منح الأم المطلقة الحاضنة حق طلب وسحب جوازات سفر أبنائها في حالة غياب الأب وتعذر الاتصال به.
موافقة أب الطفل القاصر ستكون ضمنية ما لم يطلب من المحكمة إصدار قرار يمنع الأم من إنجاز الجواز دون موافقته
وبررت الوزارة في جواب الخطوة بأنها “مراعاة لتحقيق مصلحة الأطفال القاصرين، خاصة وأن استصدار أو تجديد جواز السفر شرط أساسي لتجديد الإقامة بديار المهجر وإنجاز خدمات أخرى، فضلا عن المحافظة على الارتباط بالوطن الأم”، مشددة على أن هذا الإجراء يتم بعد اتصال المصلحة القنصلية بالأب إذا كان مسجلا لديها، أو أمكنها الاتصال به لحثه على القيام بالمطلوب في أجل 15 يوما.
وأشار إلى أنه في حالة انقضاء هذا الأجل دون استجابة من الأب، أو إذا تعذر الاتصال به من طرف المصلحة القنصلية، يمكن حينها إنجاز الجواز بناء على تصريح بالشرف صادر عن الأم بانقطاع الاتصال بالأب واستحالة التواصل معه، أو بناء على مقرر قضائي من سلطات بلد الإقامة إن هي فضلت اتخاذ هذا الإجراء.
وتوالت القنصليات التي أعلنت اتخاذ هذا الإجراء، حيث أكدت مصالح القنصلية العامة للمملكة المغربية بألميريا بأنه “أصبح من الآن فصاعداً بإمكان الأم أن تتقدم بطلب جواز السفر لفائدة ابنها أو ابنتها القاصريْن ضرورة الحصول على موافقة الأب”.
كما حذت كل من القنصلية العامة للمملكة المغربية في مارسيليا (فرنسا) حذو نظيراتها في دول أخرى، مُفَعِّلة “إجراء جديدا للحصول على جواز السفر البيومتري للقاصرين”، حسب ما ذكرته في إعلان رسمي.
وقالت قنصلية المغرب في مارسيليا إنه “في إطار مخططها للإصلاح القنصلي، الهادف إلى تحسين الخدمات القنصلية وتقريبها من مغاربة العالم، تُخبر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أنه اعتبارا من 11 مارس 2024، يمكن للمواطنات المغربيات طلب أو تجديد جوازات سفر أبنائهن القاصرين دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من آباء هؤلاء الأطفال”، مستدركة بأن ذلك متاح “ما لم يكن هناك حكم قضائي يعارض ذلك سبق تبليغه لهذه القنصلية العامة قبل تقديم طلبات جواز السفر للقاصرين المعنيين”.
دستور المملكة ينص في فصله التاسع عشر على مبدأي المناصفة والمساواة تجاه النساء في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أسوة في ذلك بالرجال
وعبرت عدد من الهيئات الحقوقية النسائية عن ارتياحها لهذا القرار ونوهت جمعيات بهذه الخطوة، في انتظار تفعيل مطلب الحركة النسائية المتمثل في منح الولاية المشتركة للأب والأم.
واعتبرت بشرى عبدو، رئيسة جمعية “التحدي للمساواة والمواطنة”، أن هذا الإجراء سيسهل على الأمهات تجديد وإنجاز جوازات سفر أبنائهن القاصرين بالخارج.
وأضافت عبدو، في تصريح لها ، أن هذا الإشكال “كان قائما منذ سنين بحكم أن الأب لا يعيش في نفس دولة إقامة الزوجة أو الطليقة، وهو ما يصعب إنجاز الوثائق الإدارية للقاصرين، حيث من الضروري التوفر على إذن الأب”، مشيرة إلى أن “هذه الخطوة المهمة جاءت من أجل تسهيل وتبسط المساطر بالنسبة إلى الأمهات المتزوجات أو المطلقات لإنجاز هذه الوثائق المهمة بالنسبة للأطفال”.
وأردفت أنه بالرغم من كون الأم يمكنها اليوم إنجاز الجواز أو وثائق أبنائها، لكنها “تبقى مقيدة بعدم تسفيرهم خارج أرض الوطن أو من بلد إلى آخر في المهجر، حيث من الضروري التوفر على الإذن، وهنا يكمن المطلب الأساسي المتمثل في إعطاء المرأة الولاية القانونية لتسهيل سفر أطفالها، والقيام بالمسؤوليات المرتبطة بالأب أو الطليق انتصارا للمصلحة الفضلى للطفل”.
من جهتها، قالت رجاء حمين، عضو المكتب التنفيذي لـ”شبكة أمان لمناهضة العنف المبني على النوع”، إن هذه الخطوة تستلزم مراعاتها خلال إعداد مدونة الأسرة، حيث يجب أن تكون الولاية مشتركة بين الأب والأم.
وأضافت حمين، أن هذا القرار الإداري يستوجب تفعيل الولاية المشتركة، على اعتبار أن سفر الأم وأبنائها يظل رغم ذلك مشروطا بضرورة الحصول على إذن الأب. وأشارت إلى أنه في انتظار هذه التعديلات بمدونة الأسرة، يبقى هذا القرار انتصارا لنضالات الحركة النسائية، خصوصا المغربيات المهاجرات، اللواتي عشن معاناة حقيقية مع الحصول على الوثائق الإدارية لأبنائهن.
وينص دستور المملكة في فصله التاسع عشر على مبدأي المناصفة والمساواة تجاه النساء في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أسوة في ذلك بالرجال، وعلى تأسيس ”هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز” التي لم يكتب لها أن ترى النور بعد، وأعاد الفصل 164 من الوثيقة الدستورية التأكيد على ذلك.
ولا تزال النساء المغربيات ينتظرن بفارغ الصبر إخراج هذه الهيئة إلى أرض الواقع، في وقت انخرطت الدولة في تعديل مدونة الأسرة بعد 20 سنة على إقرارها، حيث تمني هؤلاء النسوة النفس بأن تكون سنة 2024 مفصلية يتم فيها تعزيز حقوق النساء ضمن المدونة وتخرج فيها الهيئة إلى العلن، وهو الأمر الذي طرحت بخصوصه البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة الزهراء التامني، سؤالا كتابيا على رئيس الحكومة.
وسبق لوزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، عواطف حيار، أن أعلنت في أكتوبر 2022 أن “رئيس الحكومة راسل القطاعات والهيئات المعنية من أجل تقديم مرشحيها لشغل عضوية هيئة المناصفة إلى جانب المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة”، بينما لا تزال النساء ينتظرن خروج هذه الهيئة إلى العلن، مادام أن القانون المنظم لعملها سبق أن صدر بالجريدة الرسمية.