عكس الحراك الديني الذي تشرف عليه مؤسسة تجمع مسلمي بلجيكا بمناسبة شهر رمضان نجاحها في أن تُحول تجربتها في بناء خطاب ديني متسامح إلى نموذج في مواجهة التيارات المتشددة، وهو خطاب أصبحت تستنجد به عدة دول في أوروبا لقطع الطريق على عمليات الاستقطاب التي تشرف عليها تنظيمات مثل داعش أو القاعدة.
وتستقبل مؤسسة تجمع مسلمي بلجيكا سنويا الأئمة للوعظ والإرشاد وإمامة المصلين، خاصة في صلاة التراويح في محاولة لتزكية الروح الإيمانية للمسلمين الجدد والمهاجرين. وهو الشيء نفسه مع دول أفريقية لجأت بدورها إلى الاستنجاد بمئات الأئمة المغاربة لتقديم مفاهيم دينية إيجابية مستمدة من الهوية الدينية للمغرب بدل المفاهيم المقابلة التي تحث على القتل.
وتتسم الهوية الدينية للمغاربة بالتسامح والوسطية المستمدين من المذهب المالكي ومن موروث الفرق الصوفية الذي أشع على المحيط الإقليمي خاصة في دول جنوب الصحراء التي ما تزال تعتبر المملكة المغربية مرجعا دينيا لها.
ونجح الخطاب الديني المغربي ليس فقط في تحييد آلاف الشباب ببلجيكا ومنعهم من السقوط في التشدد، بل تمكنت مؤسسة تجمع بلجيكا من احتواء الخطاب المتطرف عند بعض المتشددين وأعادت تأهيلهم.
واعتبر بوشعيب البازي الباحث في الشأن الديني ومدير صحيفة “أخبارنا الجالية” أن تجمع مسلمي بلجيكا “تحاول من خلال استقبال الأئمة تسويق نموذج مغربي في التدين، ينبني على الانفتاح والتسامح، خصوصا في ظل وجود نماذج أخرى من التدين في بلجيكا مثل الوهابية والسلفية والتشيع”.
وقطع المغرب الطريق أمام التيارات المتشددة لاعتلاء المنابر، وأرسى تكوينا شاملا للوعاظ والمرشدين يقوم على تمثل الهوية الدينية المغربية، وفرض على العاملين بالقطاع الديني التفرغ الكامل وعدم الجمع بين المهمة الدينية والسياسية. وهو ما عكس مراسيم مختلفة صادرة عن العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وقال الأستاذ صالح الشلاوي رئيس تجمع مسلمي بلجيكا إن “الهدف من إرسال الأئمة والوعاظ هو الإسهام في التوعية الدينية”.
وقبيل شهر رمضان بيومين وصل إلى العاصمة البلجيكية بروكسيل 67 من الأئمة المغاربة، تم توزيعهم على المساجد في جل المدن البلجيكية تحت إشراف تجمع مسلمي بلجيكا.
ولفت عبد الرزاق الجاي ، الأستاذ بكلية محمد الخامس بالرباط، والذي خاض تجربة الوعظ لعدة مرات ببلجيكا، إلى أن “الدروس التي يقدمها الوعاظ المغاربة تهم أساسا المغتربين من جنسيتهم، وتهم أيضا جاليات بعض الدول العربية”.
و أشار الجاي إلى أن “الوعاظ المغاربة يعملون على تقديم خطاب إسلامي معتدل، بطريقة مباشرة”، لافتا إلى أنه “ينبني على استحضار روح الوطن والغيرة على الدين”.