الجزائر…..المناورات و التصعيد ضد المصالح المغربية
المغرب في حرب حقيقية مع الجزائر منذ افتعال النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية منتصف سبعينات القرن الماضي. هذه حقيقة راسخة في واقع العلاقات المغربية الجزائرية، رغم مراوغات القيادة الجزائرية ومحاولة تقديم المشكلة مع المغرب وكأنها مشكلة نزاع حول طرف يسعى لإظهار نفسه وكأنه ينتصر لحقوق الشعوب، وتحديدا جبهة انفصالية نصّبت نفسها، ومن تلقاء نفسها، مسؤولة عن جزء من التراب المغربي، وحلّت أطروحة الانفصال محلّ أطروحة الاستعمار الإسباني منذ عام 1975، بهدف خلق دولة وهمية في الأقاليم المغربية الجنوبية.
أما الطرف الثاني ففرضت عليه الحرب الساخنة فرضا لأكثر من عقد ونصف العقد من الزمن تقريبا وهو يواجه الحرب الدبلوماسية والسياسية الإستراتيجية منذ أكثر من أربعة عقود، رغم محاولاته تهدئة الأمور وعدم رفع وتيرة الصراع، من جهته، إلى مستوياته العليا مع الجزائر باسم الأخوة بين الشعبين المغربي والجزائري تارة وباسم الأخوة وضرورة التكامل المغاربي تارة أخرى وباسم الحرص على استقرار المنطقة واستتباب الأمن فيها بصورة شبه دائمة وعلى قاعدة المراهنة على تعقل القيادة الجزائرية ونزوعها نحو السلم في كل مراحل النزاع في مختلف المراحل، لكن كل هذا وصل إلى الطريق المسدود، سواء تم الاعتراف بذلك أم تم تجاهله أو محاولة التستر عليه اعتمادا على قاموس لغوي أجوف، إذ ليس له ما يقابله على أرض الواقع.
وهكذا لم تتمكن مراوغات الجزائر ومناوراتها من إخفاء الطابع العدائي، الذي هو في مستوى الحرب المنهجية بمختلف أشكالها على المغرب وحقوق شعبه الترابية والوطنية من جهة، كما لم تنجح من جهة أخرى سياسات اليد الممدودة المتبعة من قبل المغرب تجاه جارته الشرقية ومراهناته على تعقل قياداتها بإعادة النظر في مشروعها العدائي في تحقيق الغاية النبيلة المنشودة منها وطي صفحة هذا النزاع بما لا يتنافى مع حقوق المغرب ومصالح بناء منطقة المغرب الكبير لفائدة شعوبها.
النتيجة إذن فشل مزدوج: فشل المشروع الانفصالي المدعوم من الجزائر باعتباره جزءا لا يتجزأ من إستراتيجيتها للهيمنة في المنطقة، وبالتالي، فشل القيادة الجزائرية في تحقيق أهدافها الرامية إلى منع المغرب من استكمال وحدته التراتبية أو جعله يتنازل عن أقاليمه الصحراوية. وفشل سياسة اليد الممدودة المتبعة من المغرب والمراهنة على تعقل القيادة الجزائرية واحترامها لأبسط قواعد حسن الجوار والالتزام بما تعلنه من الحرص على مصلحة الشعوب واستقرارها.
وهذه هي دلالة استمرار هذا النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية دون حل لعقود طويلة والتهديد المستمر الذي يشكّله على المغرب ومصالحه الوطنية الإستراتيجية وعلى منطقة المغرب الكبير وشمال أفريقيا والأمن الإقليمي والدولي على حد السواء.
هذا و أصبح من الضروري إعادة النظر في مقاربة هذا النزاع مغربيا، ما دامت المراهنة على تغير ما في الموقف الجزائري قد بلغت مداها فشلا. وليس هناك في الأفق ما يدفع إلى التفكير بإمكانية تجاوزه. إذ ليس من الحكمة، في شيء، استمرار مراهنة لم تؤت أكلها، لأكثر من أربعين عاما، خاصة مع معاينة التحول النوعي في إستراتيجية الجزائر تجاه المغرب وعلى مستوى ملف الصحراء بالذات.
و فتحت الجزائر جبهة أخرى لمضايقة المصالح المغربية حيث تفاوضت مع مجموعة من خونة الوطن بالقنصلية الجزائرية بألمانيا وبدول أوروبية مجاورة كبلجيكا وفرنسا ، مع أمثال “بويا الغديوي” و”عزيز البوسكوتشي ” لتنظيم مظاهرات ضد المغرب وتحريض سكان الريف على المغرب ، مقابل مبالغ مالية شهرية.
وقد ، سبق أن نشر مقال للجزائري “حفيظ بوقرة” بموقع “الجزائر تايمز” تحت عنوان ” أموال الخزينة الجزائرية تنفخ في لهيب الحراك الريفي بتنسيق مع عشرين لجنة من دول أوروبا ليصبح ملفاً دولياً” ، والذي كشف من خلاله صاحب المقال عن تفاصيل مثيرة وخطيرة ، تفضح العلاقة بين النظام الجزائري وبين أصحاب الحراك بمنطقة الريف بالمغرب.
وأوضح الموقع الجزائري المذكور أن المؤسسة العسكرية الجزائرية إستضافت العديد من نشطاء منطقة الريف بأوروبا المعروفين بالأمازيغ ، ومكنتهم من هيكلة لوجستيكية ومالية لمساعدتهم في إحتجاجاتهم، مشيرا إلى أن الجزائر ترغب من خلال هذه الخطوة في خوض الحرب السرية الغير المعلنة تحت قيادتها ضد المغرب ، ويتعلق الأمر بمخطط متكامل لنشر الفوضى وذلك على نفقة مديرية الإستعلامات والأمن الجزائرية وذراعها الجمعوي المخابراتي التي يقودها الجنرال البشير طرطاق ، رئيس المخابرات الجزائرية الذي لم تجف يداه من دماء الجزائريين.
وأكد نفس المقال أن القصد من هذه الحرب الجزائرية ، هو محاصرة المغرب على جميع المستويات ، وزعزعة المنطقة و نشر الفوضى فيها والمساهمة في تقسيمها الى قبائل وشعوب متطاحنة ، موضحا أن الجزائر ، تستعمل في هذا المشروع الإرهابي مختلف العناوين والتنظيمات والشعارات ، حيث إختلطت الماركسية بالإسلام والتهريب بالقبلية ، وهذا ما تبين جليا فبعد التظاهرات الكبيرة والمتعددة التي عرفتها مدينة الحسيمة ، قامت المخابرات الجزائرية بهيكلة نشاطها في دول أوروبا ، حيث نسقت بالعاصمة مدريد يوم 20 ماي مع عشرين لجنة من دول أوروبا لدعم ما يسمى بالحراك الريفي من أجل تسطير برنامج عمل تخريبي .
وأكد صاحب المقال أن هذه اللجنة المسماة ” لجنة مدريد لدعم الحراك الشعبي في الريف”، أصدرت بيانا تؤكد فيه إحتضانها لإجتماع ضم باقي اللجان الأوروبية لدعم ما يسمى بحراك الريف، مشددا على أن هذا البيان تضمن فقرات قوية ضد السلطات المغربية، حيث كان الهدف من اللقاء هو دراسة المقترحات المقدمة وتسطير برنامج عمل يتجلى في إيصال ما يقع بالحسمية إلى المنظمات الدولية.
وختم صاحب هذا المقال بالإشارة إلى أن المخابرات الجزائريةـ تحاول ضرب الإستقرار في دول الجوار ، لترهيب الشعب الجزائري ودفعه الى قبول ما يطبخ له في الكواليس .
بعد هذا المقال المنشور الشاهد من أهلهم ، الخاص بجزائري من جلدتهم ، لم يبقى هناك أي شك لما يحاك ضد المغرب ووحدته الترابية من طرف كابرانات الجزائر وديولها من الخونة بائعي الضمائر والأوطان .
وليس مستبعدا في شيء أن تكون القيادة الجزائرية قد دخلت مرحلة حاسمة في الإعداد لما بعد الرئيس عبد المجيد تبون على مستوى تدبير ملف الصحراء، لأنها إذ اصطدمت بواقع تراجع الدول في مختلف القارات التي تعترف بما سمي بـ”الجمهورية الصحراوية” التي فقدت عددا كبيرا من المواقع داخل أفريقيا، مما أهل المغرب للعودة إلى العمل داخل مؤسسات القارة الرسمية، بدا لها أنه آن الأوان لإعادة النظر في المخطط الأصلي لفائدة مخطط بديل قبل فوات الأوان.
ولأن هذا الاحتمال ليس مستحيلا، فإن كل تطبيع مغربي مع واقع تجد فيه جبهة البوليساريو لنفسها مواقع ثابتة على الأرض المغربية تحت مزاعم تحريرها، سيؤدي حتما إلى التأثير على معادلات وملف الصحراء المغربية بما يرجح كفة الانفصال، ذلك أن الحديث عن مؤسسات صحراوية قائمة الذات، على الأرض، يفتح المجال لتحويل الأنظار عن معسكرات الاحتجاز في مخيمات تندوف على نحو ما يمكن اعتباره مناطق للانفصاليين يطالبون لاحقا بحمايتها دوليا وتحويلها إلى نوع من المناطق الآمنة للميليشيات المسلحة.
هذا يعني أن لا خيار أمام المغرب غير العمل على إفشال مشروع “الخطة ب”. وكل مراهنة على إمكانية تخفيف القيادة الجزائرية من قوة هيمنتها وتحكمها في المشروع الانفصالي تنم عن عدم إدراك لطبيعة تلك الإستراتيجية والعوامل التي أملتها على حكامها خلال أكثر من أربعة عقود.
وبطبيعة الحال، فإن للسياق ذاته أثره على تحرك المغرب على الأرض وتجاه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، والذي انعكس في تصعيد نبرة دبلوماسيته وإعطاء إشارات قوية على الأرض بأنه على استعداد لمواجهة كل استفزازات الانفصاليين بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك العمل المسلح إذا اقتضى الأمر.
ويبدو أن رد فعل المغرب القوي تجاه محاولات البوليساريو خلق أمر واقع جديد قد كان له تأثيره الملموس على مجرى الأمور على صعيد ملف الصحراء، وخاصة عندما دعا التقرير الأممي الجزائر إلى بذل المزيد من الجهود والانخراط بشكل أقوى للدفع بالجهود المبذولة في سبيل الوصول إلى حل سياسي لهذا النزاع الذي عمر لأكثر من أربعة عقود.