راهنت قيادة المملكة المغربية منذ سنوات على إيلاء المجال الرياضي الاهتمام اللازم، وهو ما ظهرت نتائجه سريعا من خلال تطوير البنية التحتية من مركبات رياضية وملاعب، وتقدم مستويات النوادي المغربية محليا وقاريا، وتوّج المغرب أيضا بمشاركة مشرفة جدا لأسود الأطلس خلال المونديال الماضي، مع نيل المملكة شرف تنظيم نسخة مونديال 2030.
الرباط – تحولت لعبة كرة القدم في المغرب إلى قطاع استثماري واقتصادي مدر للربح، نال اهتمام المملكة بمواكبته وتطويره على كافة المستويات، وهو ما جعل المملكة تظفر بتنظيم أهم التظاهرات الرياضية القارية والعالمية، على غرار كأس أمم أفريقيا 2025 وكأس العالم لكرة القدم لسنة 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
وأصدر مركز أوميغا للأبحاث الاقتصادية والجيوسياسية دراسة حول مشروع يرمي إلى خلق صناعة كروية في المغرب، مؤكداً على ضرورة وضع آليات مسبقة لتقنين الممارسة ورفع مستواها، بهدف تطوير المنتوج الكروي واعتباره أحد روافد القوة الناعمة لإشعاع المملكة، وذلك بأن تقوم الحكومة بمبادرة دعم مالي، على غرار ما قامت به تجاه قطاع الصحافة، مع ضرورة الانفتاح على المستثمرين المغاربة والأجانب من خلال الصناديق الاستثمارية وشركات توظيف رؤوس الأموال.
وأشار مركز أوميغا إلى أن كرة القدم انتقلت منذ سنوات من الهواية المبنية على الفرجة إلى صناعة قائمة بذاتها تتوخى التسويق والربح دون أن تفرط في مادتها الخام ألا وهي الفرجة، مطالبا بتطوير النادي الرياضي إلى شركة مدرجة بالبورصة يمتلك مستثمرون جزءًا من أسهمها، ولعلهم يشكلون أغلبية المساهمين، فيما يتبقى جزء قيد التداول الحر في السوق المالية المفتوحة للعموم والمستثمرين الصغار.
وقال المركز إن هناك رغبةً سياسية في المغرب من أعلى سلطة في البلد للانتقال بالكرة المغربية من الهواية إلى الاحتراف عبر مراحل، ولتلك الغاية تم إخراج قانون 30 سبتمبر سنة 2009 الذي ينص على ضرورة خلق شركات رياضية من طرف أندية كرة القدم الاحترافية هدفها تدبير الفريق الأول وترك تدبير الفئات الصغرى للجمعية الرياضية.
بنية تحتية محفزة
أكد يونس بلفلاح، أستاذ الاقتصاد، أن “قطاع كرة القدم بالمغرب يشكل في الآونة الأخيرة وجهة استثمارية مهمة جدا بالنسبة إلى كل الصناديق الاستثمارية العالمية والشركات الدولية؛ حيث يوجد تنافس قوي على الاستفادة من الاستثمارات الرياضية وما يمكن أن تنتجه ليس فقط على مستوى الربح المالي والاقتصادي بالنسبة إلى قطاعات الرياضة والارتقاء بنوعية الرياضة، خاصة في ما يتعلق بالبنية التحتية وجودة اللاعبين والأندية، وإنما أيضا من الجانب السياسي الذي من شأنه أن يؤثر في معادلة الرياضة وقدرتها على حشد التأثير بما يشكل قوة ناعمة مهمة”.
وأضاف في تصريح لـه أن “الاستثمار في هذا القطاع، سواء من طرف الحكومة أو الاستثمار الخارجي، يشكل فعليا مجالا مؤثرا وجالبا للعملة الصعبة، إذ سيشكل ليس فقط بندا لمصروفات ميزانية الدولة وإنما أيضا موردا مهما لعوائد استثمارية قادرة على الرقي بمسألة النمو الاقتصادي وخلق وظائف وفرص العمل ودعم المشاريع المغربية وصورة البلد على المستوى الخارجي من حيث القدرة التأثيرية”.
وتابع يونس بلفلاح “وجود بنية تحتية في المغرب من خلال الاستثمار المهم في تحسين الملاعب والمركبات الرياضية ومشروع محمد السادس لكرة القدم، بالإضافة إلى الإنجازات التي حققها الفريق الوطني، علاوة على رغبة المغرب في تنظيم كأس العالم 2030 وكأس أمم أفريقيا 2025، كلها محطات مهمة تعطي للمغرب صبغة أساسية باعتباره الوجهة الأفريقية والعربية المهمة والمؤثرة من حيث كرة القدم، إذ تتواجد آليات هامة وبنية تحتية هامة أيضا وجمهور متعطش إلى الكرة”.
ويخول قانون 30 – 09 للمستثمرين تسيير الفريق الأول من الألف إلى الياء ويخول للجمعية تسيير الفئات الصغرى. لهذا، وحسب المركز، فإن الشركة – النادي تضم كل مقومات الشركات العصرية من حيث امتلاك الأصول، وهي عبارة عن بُنى تحتية رياضية وعقارات تدر أموالاً لدعم الأصول.
وأكد مركز أوميغا للأبحاث الاقتصادية والجيوسياسية أن كرة القدم محظوظة ما دام المشرف الأول عليها هو نفسه وزير الميزانية فوزي لقجع، ما قد يسهل جرداً شاملاً من متأخرات الضرائب من أجل إلغائها بشكل كامل والانكباب على تسديد ديون الأندية مقابل التزام الأندية بخارطة الطريق الجديدة.
وتشير دراسة مركز أوميغا إلى أنه ابتداء من عام 2018 تم تقريباً تعميم الشركات الرياضية داخل الأندية لكن بطريقة مختلفة عما ينص عليه القانون الذي مهد الطريق للمستثمرين لدخول هذا المجال من أجل تطويره ورفع مستواه.
وفي هذا الصدد يعتقد فوزي لقجع، وزير الميزانية ورئيس اتحاد كرة القدم المغربي، أن الهدف هو جعل التحديات التي ستبرز بحلول عام 2030 “وسيلة لرفع وتيرة التنمية في بلادنا”، مبرزا بوصفه العضو في مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أن “بلادنا كانت دائما وجهة للمستثمرين، لكن الوتيرة سترتفع في مختلف البنى التحتية”.
وقدرت دراسة حديثة حجم صناعة الرياضة في البلاد بحوالي 19 مليار درهم (1.8 مليار دولار) بنهاية 2022، وهي تمثل إيرادات الشركات الخاصة العاملة في هذا المجال، ويعادل هذا الرقم 1.56 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتوقعت الدراسة أن يتضاعف إلى 38 مليار درهم (3.7 مليار دولار) بحلول عام 2030، وهو تاريخ استضافة المغرب لفعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم صحبة إسبانيا والبرتغال.
وشملت الدراسة، التي أعدتها الفيدرالية المغربية لمهنيي الرياضة التي تأسست في يونيو 2021، العديد من الأنشطة والخدمات التي تقدمها حوالي 321 شركة خاصة. وتضم الأنشطة نوادي كرة القدم في البطولة الوطنية الاحترافية “إنوي” للقسم الأول وصالات الرياضة وأيضا ألعاب الرهانات ومتاجر المعدات والآليات والتغذية الرياضية والإعلام والتواصل، وكل المجالات المرتبطة بالقطاع.
وتستحوذ أنشطة الرهانات الرياضية على نصيب الأسد من الإيرادات المحققة في القطاع الخاص المشتغل في مجال الرياضة بنحو 67 في المئة، تليها تجارة التجزئة بنسبة 19 في المئة، ثم نوادي كرة القدم بنسبة 5 في المئة.
وأغلب أنشطة صناعة الرياضة في المغرب خدمية، حيث لا تمثل الصادرات من حجم الإيرادات المحققة سوى 2 في المئة، وهو ما يتطلب اهتماماً أكبر لزيادة التصنيع محلياً في هذا القطاع، مثل تصنيع منتجات الرياضة محلياً وتوفير العشب الاصطناعي عوضاً عن استيراده من الخارج، بحسب رئيس الفيدرالية المغربية لمهنيي الرياضة المهدي السكوري.
استثمار مربح في اللاعبين
كشف تقرير جديد لمؤسسة الشرق عن مواصلة المغرب تصدره للاستثمار في اللاعبين، حيث كان الأعلى ربحا من بين كل الدول العربية في عام 2023، بأكثر من 7.5 مليون دولار، ليرفع أرباحه خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى 32.2 مليون دولار.
وقال التقرير الذي أصدره موقع “اقتصاد الشرق” مع وكالة بلومبرغ، والذي يستمد كافة البيانات من التقارير الرسمية الصادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم، إن عام 2023 كان عاما رابحا في سوق الانتقالات لتونس والجزائر ومصر أيضا. وشهدت السنوات الخمس الأخيرة وجودا عربيا قويا في سوق الانتقالات الدولية، لاسيما العام الماضي، حيث ظهرت السعودية كإحدى القوى الكبرى في سوق انتقالات لاعبي كرة القدم عالميا، وكذلك تواجدت قطر بقوة مع الإمارات، وهو ما جعل الإنفاق يرتفع من 98 مليون دولار في عام 2022 إلى 1.22 مليار دولار عام 2023، بمعدل نمو بلغ 1146 في المئة.
وبحسب التقرير الذي يرصد سوق انتقالات لاعبي كرة القدم في الدول العربية، بلغ إنفاق أندية كرة القدم العربية لضم لاعبين أجانب في الفترة من 2019 إلى 2023 نحو 1.826 مليار دولار. ويشكل تنظيم المونديال تحديا أكبر للرباط، يتمثل في طموحها لتحقيق معدل نمو عند نحو 6 في المئة سنويا بحلول العام 2035، كحد أدنى لتجاوز معضلة التفاوت الاجتماعي بين الجهات.
وتتوقع دراسة نشرتها مؤخرا شركة صوجي كابيتال جيستيون للاستثمار المالي أن تبلغ تكاليف تنظيم المونديال بالنسبة إلى المغرب نحو 5 مليارات دولار. واعتبر خبراء صوجي أن الميزانية العامة بإمكانها تحمل هذه التكاليف مع ترجيح اللجوء إلى دعم من الخارج في حدود المليار دولار، فضلا عن الملاعب ومراكز التدريب. وتشمل الاستثمارات المرتقبة بالأساس تقوية شبكة النقل البري وسكك الحديد والفنادق والاتصالات الرقمية، خصوصا التحول إلى خدمات الجيل الخامس. ويفترض كذلك الاستثمار في المرافق الصحية التي تحتاج إلى التطوير.
ويقول المحللون إن من شأن هذه الخطوة تحقيق انتعاشة قوية للبلاد على المديين القريب والمتوسط في قطاعات التشييد والبناء والقطاع المصرفي والسياحة. وتشير تقديرات صوجي كابيتال، وهي فرع بنك الشركة العامة الفرنسي في المغرب، إلى أن عائدات السياحة في العام 2030 سوف تقارب 120 مليار درهم (نحو 11.7 مليار دولار).
وفي وقت سابق أعلن رئيس نادي المستثمرين المغاربة بالخارج بوشعيب الرامي عن إطلاق حملة لتشجيع مغاربة العالم على الاستثمار في المجال الرياضي، بالموازاة مع إعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس قبول الملف المغربي – الإسباني – البرتغالي لاستضافة فعاليات بطولة كأس العالم 2030. وقال الرامي “النادي سينخرط في تنظيم تظاهرات ولقاءات للتشجيع على الاستثمار في الرياضة، مع تنظيم قوافل في بلدان العالم لتحفيز الجالية وشركائها على الاستثمار في الميدان”.
◙ أنشطة الرهانات الرياضية تستحوذ على نصيب الأسد من الإيرادات المحققة في القطاع الخاص المشتغل في مجال الرياضة بنحو 67 في المئة
وأضاف في تصريح لوسائل إعلام محلية “نحن في حاجة إلى عدد من المنتجات، كالملابس والبدلات الرياضية”، مشيرا إلى اعتزام مستثمرين من إنجلترا الاستثمار في بناء ملاعب في المناطق التي لا تتوفر فيها ملاعب”، وتابع “سنطلق نداء للمستثمرين بأن الاستثمارات في المجال الرياضي ستكون بالتوازي مع باقي الاستثمارات، للمساهمة في تنمية البلاد المستمرة، والمجال الرياضي جزء لا يتجزأ منها”.
كما أوضح رئيس نادي المستثمرين المغاربة بالخارج أن “عددا من مغاربة العالم على إلمام كبير بالمجال الرياضي، ناهيك عن وجود مهاجرين رياضيين قدموا الكثير في المجال”، موجها دعوة إلى هؤلاء من أجل “الاستثمار في القطاع خلال السنوات العشر المقبلة، وهو ما سيساهم في تحقيق أهداف النموذج التنموي”.
ومن ضمن المشاريع التي يمكن القيام بها، بحسب الرامي، “استيراد آليات رياضية غير متوفرة في المغرب، أو حتى عقد اتفاقيات مع شركات تركية لجلب الأثواب منها، وإنتاج ملابس رياضية بجودة عالية”، ودعا إلى “الانفتاح على المجال لتكون الرياضة متاحة للجميع”.
واستطرد قائلا “شغلنا الشاغل اليوم هو حث الجالية على الاستثمار في هذا القطاع، ووضع برنامج خاص بالرياضة يتضمن إنشاء أكاديميات رياضية، وملاعب للأشخاص المعوزين وفي المناطق النائية، والرياضة اليوم أصبحت حقا من الحقوق”.
كما أكد الرامي أن الاستثمار في الرياضة “سيتم بالجدية التي دعا إليها الملك محمد السادس، وهي جدية بدأ المغاربة الالتزام بها وظهرت في تدبير زلزال الحوز، وأيضا يمكن أن نتبعها في المجال الرياضي والاستثمارات المقبلة”. وتجمع بطولة كأس العالم 2030 المغرب ببلدين أوروبيين، وهي مناسبة يرى خبراء في العلاقات الدولية أنها ستعزز التقارب بينه وبين القارة الأوروبية.