المناخ السياسي في الجزائر يثير النفور من الانتخابات الرئاسية
برّر رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان الذي دخل في هدنة مع السلطة الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، عدم حسمه في قرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد عدة أشهر، بعدم وضوح المشهد حتى بالنسبة إلى الأحزاب والقوى التي تريد دعم مرشح السلطة، واعتبر أن غياب الحريات وأجواء التعبير المناسبة، لا يسمح بإفراز أفكار ومشاريع يمكن لها تقديم مقاربات سياسية.
ويرى جيلالي سفيان، المحسوب على المعارضة، قبل أن يفتح منذ العام 2020 جسور الهدنة مع السلطة القائمة، أن قبل الحديث عن انتخابات رئاسية وانخراط المجتمع في العمل السياسي، لا بد من توفير آليات ممارسة الحقوق والحريات والتعبير.
ويعكس هذا الموقف رؤية واحدة من القوى العلمانية المهادنة للسلطة، لكنها لا تسلم بالأمر الواقع الذي تريد فرضه على المجتمع، من خلال رسم مشروع أحادية سياسية وإعلامية، وهو ما يترجم حجم الصعوبات التي تعتري مسار الانتخابات الرئاسية القادمة، من أجل إقناع الجزائريين بالمشاركة فيها والانخراط في العمل السياسي، وألا تكون مقاطعة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات.
وذكر جيلالي سفيان، في تصريح أدلى به لصحيفة “الوطن” الخاصة والناطقة بالفرنسية، أن “قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع، من الضروري أولا إجراء فتح حقيقي للمجال الإعلامي من أجل مساعدة الجزائريين على استعادة الثقة”.
وعكس نوايا ومقاربات سياسية كشفت عنها قوى وشخصيات مستقلة، بإعلان الدخول إلى غمار المنافسة وتقديم برنامج سياسي تنافسي للشارع الجزائري، فإن رئيس حزب جيل جديد يرى أن “المرحلة تستدعي الالتفاف حول مرشح موحد حول مقترحات معينة ودقيقة من أجل إصلاحات عميقة ومتفاوض عليها”. وبالنسبة للمتحدث، فإنه “لا يهم ما إذا كان مرشح الحزب هو الرئيس الحالي أو غيره، بل الأهم هو ماذا سيفرزه الموعد السياسي للمجتمع الجزائري، ومدى قدرة الجزائريين على إصابة الاختيار بعيدا عن المصالح والأمزجة”.
وحذر جيلالي سفيان مما أسماه بـ”الآلة السياسية الإدارية التي شرعت في إطلاق نفس الخطاب، وهو ما سيفقد الانتخابات الرئاسية لعام 2024 جوهرها”، وذلك في تلميح إلى حملة الدعاية والتسويق التي شرعت فيها بعض الدوائر الرسمية والسياسية لما باتت تصفه بـ”حصيلة ومكاسب الرئيس عبدالمجيد تبون خلال الولاية الرئاسية الجارية”. ولفت رئيس جيل جديد إلى أن أمر الترشح لم يُحسم بعد، ويعتمد على المناخ السياسي الذي لم يتحدد بعد، وأن حزبا سياسيا جديرا بهذا الاسم لا يمكنه تجاهل حدث مهم مثل حدث الانتخابات الرئاسية.
وحتى لو كانت الملاحظة التي يستند إليها حول الوضع السياسي في البلاد ليست وردية، حيث أعرب جيلالي سفيان عن “أسفه لأن طاقة المواطن التي احتوى عليها الحراك لم تصبح مربحة، وأنه لا تزال هناك فجوة بين الحاكم والمحكوم، وأن الحكومة التي تغيرت باستمرار لا يمكن أن تؤثر على التنظيم السياسي”.
وأضاف “الإمكانات الوطنية تكمن في البور، وأن المادة الرمادية تتحول إلى اللون الأسود بسبب الإحباط، فلقد أُمرت بالاستقالة لفرض الامتثال أو الذهاب إلى المنفى”، لكن المتحدث لم يقدم الرؤية المناسبة للخروج من مثل هذا الوضع المثبط والسلبي والمحفز لإثمار السلبيات، فالحكومة مكونة بشكل شبه حصري من التكنوقراط، والمجتمع المدني خاضع ومصطنع، وهش للغاية، والوسائط محظورة وتم تعقيمها إلى حد كبير، وفي العموم فإن التنمية في الجزائر هي التي تعاني في كل هذا”.
لكن في الجانب الآخر، يرى جيلالي سفيان الوضع الاقتصادي بعين أكثر دقة، ويعترف في تصريحه لصحيفة “الوطن” بأن “النقاط الإيجابية في إدارة التوازنات المالية الكبرى واضحة، وأن الميز التجاري الإيجابي، والغياب الفعلي للدين العام، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، أو حتى توجه الخيارات نحو الإنتاج، كلها مؤشرات إيجابية”.
ويضيف “من ناحية أخرى، هناك عوائق على عدة مستويات، وأن البيروقراطية أصبحت مرهقة بشكل متزايد، وأن العامل الأيديولوجي أصبح مهما، وأن غياب الرؤية الواضحة لدى صناع القرار الاقتصادي، سببه التردد وعدم اليقين وحتى التمزق دائما بين سياسات إعادة توزيع الريع باسم العدالة الاجتماعية، وبين ضرورة فتح السوق أمام الفاعلين الاقتصاديين”.
وتابع “لا يمكننا إدارة الاقتصاد مع الولاة والمدعين العامين، وأن الدولة يجب أن تهتم بالخطوط الرئيسية، وبالتوازنات الرئيسية، لاسيما وأن النهج الحالي الذي تتبعه السلطات يخيف المستثمرين ويتم تخزين الأموال في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال تحويلها إلى الخارج”.
ولم يفوّت المتحدث الفرصة للتطرق إلى الوضع الإقليمي والتوترات المحيطة ببلاده، وصرح في هذا الشأن بأن “الحرب بين القوى الأجنبية على أبوابنا مثيرة للقلق وأن قوات الجيش الوطني الشعبي مدعوة إلى اليقظة والحرص في مهمتها على حماية البلاد وتأمينها، خاصة وأن عدة آلاف من الكيلومترات من الحدود باتت توازي مناطق معادية، خاصة وأن منطقة الساحل باتت منطقة تهريب متعددة الأوجه”.