بادرت مجموعة من الفعاليات الجمعوية والحقوقية في المغرب، بتكوين تنسيقية دولية للمطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية التي اقتطعها المستعمر الفرنسي من التراب المغربي لصالح الجزائر، وسط دعوات لحشد توقيعات المغاربة على هذا المطلب وإعادة قراءة التاريخ الذي يؤكد على مغربية تلك المناطق.
يعود ملف الصحراء الشرقية إلى الواجهة، بعدما أطلقت فعاليات جمعوية وحقوقية تنسيقية دولية للمطالبة باسترجاع هذه المنطقة التي اقتطعها المستعمر الفرنسي من التراب المغربي لصالح الجزائر. ويستعد القائمون على المبادرة لإطلاق عريضة وطنية لحشد توقيعات المغاربة على هذا المطلب، فضلا عن تنظيم ندوات داخل الوطن وخارجه بهدف إعادة قراءة التاريخ الذي يؤكد بالوثائق أن هذه الأراضي كانت دائما جزءا من المملكة المغربية.
وقال المصطفى العياش، المنسق العام للتنسيقية الدولية للمطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية والمنسق الوطني للمنظمة المغربية للمواطنة والدفاع عن الوحدة الترابية، إن “تأسيس هذه التنسيقية، التي تضم أكثر من 130 جمعية، يأتي في سياق رد المجتمع المدني المغربي على الاستفزازات الجزائرية الأخيرة التي تستهدف المملكة كما تأتي أيضا في سياق تصريحات مديرة الوثائق الملكية بشأن الحقوق التاريخية للمغرب على الصحراء، بشقيها الغربي والشرقي”.
كما ستطلق التنسيقية، عريضة وطنية لحشد التوقيعات لصالح هذا المطلب المشروع، حيث سيتم افتتاح مكاتب على مستوى المدن لاستقبال المواطنين، ورفع تقرير في الموضوع إلى الجهات المسؤولة في المغرب والترافع على هذا المطلب في المنصات والمحافل الدولية. كما ستعقد ندوات صحافية داخل المغرب وخارجه حول هذا الموضوع، لتسليط الضوء على الحجج التاريخية والعلمية التي تؤكد مغربية الصحراء، ودحض الأكاذيب التي يتم ترويجها بهذا الخصوص.
وأكد محمد لكريني، أستاذ العلاقات الدولية، أن “تحرك فعاليات المجتمع المدني وتكتلها للمطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية، مبادرة مهمة تعززها وثائق تاريخية تؤكد أن مجموعة من المناطق كانت تابعة للسيادة المغربية في منطقة الصحراء الشرقية وتم اقتطاعها غصبا من طرف الاستعمار الفرنسي لفائدة الجزائر”. وأضاف أن “مطالب الحسم في الأراضي الموروثة عن الاستعمار تعزز أهمية وحيوية فعاليات المجتمع المدني للدفاع عن القضايا الداخلية والخارجية المتصلة بالمصالح العليا للمغرب”.
ولفت محمد لكريني إلى أن، “تحرك فعاليات المجتمع المدني في مختلف المناطق من العالم للترافع حول منطقة الصحراء الشرقية بالحجج والأدلة، سيكون له وقع مهم على الدبلوماسية المغربية تخدم مصالح المملكة على جميع المستويات في حسم ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي، ومن جهة أخرى فهذا هو الطرح الذي ينبغي السير على منواله للترافع حول مختلف القضايا الحيوية للمغرب”.
من جهتها، أكدت بهيجة سيمو، مديرة الوثائق الملكية، في محاضرة نظمتها جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة بالعاصمة، السبت الماضي، أن “المغرب كان يمارس سيادته الشرعية في مناطق شاسعة من الصحراء لقرون طويلة”، مشيرة إلى أن “السلطان مولاي إسماعيل مارس السيادة المباشرة بتوات، وقورارة، وواد الساورة من الصحراء الشرقية، وبالمنطقة الممتدة ما وراء درعة من الساقية الحمراء إلى بلاد شنقيط، وعين ابنين له خليفتين، أحدهما على الصحراء الشرقية، والمامون خليفة على الأقاليم الصحراوية الغربية”.
ولفتت مديرة الوثائق الملكية، إلى أن مرحلة “ما بعد السلطان مولاي إسماعيل غنية بالشواهد، من خلال مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات التي تحفظ سيادة المغرب على الصحراء الشرقية والغربية؛ واتفاقية سنترا سنة 1508 ولو أنها بين إسبانيا والبرتغال فإنها تعترف بمجال السيادة الجنوبية للمغرب ما وراء الرأس الأبيض”.
وتابعت بهيجة السيمو، ” المغرب طالب بمجرد استقلاله باسترجاع وضعيته الترابية واستكمال استقلاله، إذ في سنة 1958 استرجع طرفاية”، مضيفة أن “فرنسا حاولت التفاوض بعد الاستقلال على الحدود الشرقية، وجددت الطلب سنة 1957 لمقابلة الحكومة المغربية مع مقترح على مشكلة الحدود، ومن جملة القضايا تندوف، لكن أجاب الملك محمد الخامس بأن: ‘مطالب وحقوق المغرب ستعتبر طعنة في ظهر أصدقائنا الجزائريين الذين يحاربون، وأفضل انتظار استقلال الجزائر، لأضع أمام إخواني الجزائريين مسألة الحدود’”.
◙ إقدام الحكومة الجزائرية على استغلال منجم الحديد “غارة جبيلات” الواقع في منطقة تندوف والتي توجد ضمن الصحراء الشرقية بمثابة خرق لاتفاقية رسم الحدود بين البلدين
وسبق لحزب العهد الديمقراطي المغربي، المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية من الجزائر وذلك من أجل استكمال الوحدة الترابية للمملكة، كما طالب عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال والنائب البرلماني، عبدالإله البوزيدي، العام الماضي بأنه تتعين تقوية الجبهة الداخلية في إطار التعبئة الشاملة لاسترجاع المناطق الشرقية التي لا تزال تحت الاستعمار الجزائري.
ووقع المغرب بروتوكول اتفاق مع حكومة مؤقتة جزائرية على الحدود بين البلدين، في يوليو من العام 1961 نص على اتفاقات بأن فرنسا لن تضر المصالح الحدودية للمغرب وعلى أن تُحل المشاكل بين البلدين بشكل ثنائي، إلا أن المغرب، بادر بعد حرب أكتوبر 1963 بالتقرب والبحث عن حلول مع نظام هواري بومدين، وانتهت الأمور إلى إمضاء معاهدة الحدود في سنة 1972 التي نشرتها الدولة الجزائرية عاما بعد ذلك.
ويتجاهل النظام الجزائري بشكل مطلق النظر إلى حقائق التاريخ، حيث وقع رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، فرحات عباس، بالرباط سنة 1961، اتفاقا حول المسألة الحدودية جاء فيه نصًا أن حكومته “تعترف أن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة سيُتوصل إلى حل بشأنها عن طريق المفاوضات بين الحكومة المغربية والحكومة الجزائرية بعد أن تحصل الجزائر على استقلالها”.
وأكد مراقبون أن إقدام الحكومة الجزائرية على استغلال منجم الحديد “غارة جبيلات” أكبر مناجم الحديد في العالم، الواقع في منطقة تندوف والتي توجد ضمن الصحراء الشرقية التي يطالب المغاربة باسترجاعها، بمثابة خرق لاتفاقية رسم الحدود بين البلدين، التي ظلت محل تحفظ من طرف العديد من الأوساط المغربية، وكان واحدا من الأسباب التي دفعت الفرنسيين لاقتطاع الصحراء الشرقية من الأراضي المغربية، بعدما رفض الملك محمد الخامس التفاوض معها للحصول على امتياز استغلاله بعد الاستقلال.