الحمام المغربي آخر ضحايا موجة الجفاف
أدى شح الأمطار وتتالي موجات الجفاف بالمغرب إلى اتخاذ قرار إغلاق الحمامات ثلاثة أيام في الأسبوع بكافة مدن المملكة لتوفير المياه، ما أثار غضب العديد من مستخدميها. كما أثار قرار فرض قيود على بعض مقدمي الخدمات بما في ذلك غسيل السيارات غضب آخرين. وتسبب شح الأمطار في تقليص أكبر الخزانات في المغرب.
استقبلت فاطمة مهطر لسنوات أصحاب المتاجر والطلاب والمصرفيين والمتقاعدين في حمام المجد العام الواقع في ضواحي العاصمة المغربية الرباط. وكانوا يسترخون في البخار مع أصدقائهم وجيرانهم.
وكانت الحمامات العامة من ثوابت الحياة المغربية لقرون. ويختلط زائروها بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية ويسترخون معا. ويجلس البعض على الرخام تحت لوحات الفسيفساء، ويفركون الصابون الأسود التقليدي على أجسادهم ويشطفونه بالماء الساخن المتوفر في دلاء بلاستيكية.
لكن الحمامات أصبحت من ضحايا موجات الجفاف، حيث يواجه المغرب تهديدات غير مسبوقة من تغير المناخ وشح الأمطار المستمر منذ ست سنوات، وهو ما يعتبره المسؤولون كارثيا. وفرضت المدن في جميع أنحاء المملكة إغلاق الحمامات ثلاثة أيام في الأسبوع هذا العام لتوفير المياه.
ابتسمت فاطمة يوم الأحد وهي تستقبل العائلات التي تحمل دلاء سعتها 10 لترات مليئة بالمناشف والصنادل ولوازم الاستحمام الأخرى إلى الحمام الذي تعمل به موظفة استقبال. لكنها كانت قلقة من الكيفية التي ستحد بها القيود من عدد العملاء وستخفض راتبها.
المغرب يواجه تهديدات غير مسبوقة من تغير المناخ وشح الأمطار المستمر منذ ست سنوات، وهو ما يعتبره المسؤولون أمرا كارثيا
وقالت “يتجنب معظم العملاء زيارتنا حتى عندما يكون الحمام مفتوحا من الخميس إلى الأحد، لأنهم يخشون أن يكون مليئا بالزبائن الآخرين”.
وتسبب شح الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في تقليص أكبر الخزانات في المغرب، مما أخاف المزارعين والبلديات التي تعتمد على مياهها. وتتخذ البلاد اليوم خيارات مؤلمة لمكافحة تغير المناخ والجفاف.
وأثار قرار فرض قيود على بعض مقدمي الخدمات بما في ذلك الحمامات وغسيل السيارات غضب البعض. وتشير جوقة من رواد الحمام والسياسيين إلى أن الحكومة تختار الفائزين والخاسرين من خلال عدم تقنين المياه في الفنادق الراقية أو حمامات السباحة أو المنتجعات الصحية أو في القطاع الزراعي في البلاد، الذي يستهلك غالبية المياه في المغرب.
وكتبت عضو مجلس النواب المغربي فاطمة زهرة باتا إلى وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت الشهر الماضي “لا يبدو أن هذا الإجراء ذو فائدة كبيرة، خاصة وأن الحمام لا يعتبر من المرافق الأكثر استهلاكا للمياه”.
وتساءلت عن قرار المسؤولين في العديد من البلديات استثناء المنتجعات الصحية المخصصة للأثرياء والسياح. وحذرت من أن إغلاق الحمامات “سيزيد من معاناة الطبقة التي لا يتجاوز دخلها الشهري ألفي درهم أو 3 آلاف في أحسن الأحوال ومن هشاشة أوضاعها”. ويكسب عمال الحمام مبلغا يعادل 200 دولار إلى 300 دولار شهريا.
ولم يرد وزير الداخلية ولا مكتبه على أسئلة وكالة الأسوشييتد برس.
بعض أهم السدود في البلاد تقترب من مستوى الجفاف ما دفع جهات عدة إلى إطلاق أجراس الإنذار
وتؤثر عمليات الإغلاق على ما يقرب من 200 ألف شخص يعملون في قطاع الحمام بشكل مباشر أو غير مباشر. وقدّرت الوكالة الوطنية للإحصاء في المغرب أن القطاع يمثل حوالي 2 في المئة من إجمالي استهلاك المياه في البلاد.
وأغلقت الحمامات في مدن من بينها الدار البيضاء وطنجة وبني ملال منذ أن طلب وزير الداخلية من المسؤولين المحليين اتخاذ إجراءات لتوفير المياه خلال السنة الحالية. ومع ارتفاع أسعار غاز التدفئة وانخفاض درجات الحرارة، أثارت عمليات الإغلاق قلقا خاصا في البلدات العالية في جبال الأطلس حيث يتوجه الكثيرون إلى الحمامات بغرض التدفئة.
ويستمتع مصطفى برادين، وهو نجار في الرباط، بالحمامات مع عائلته أسبوعيا ولا يفهم كيف تؤثر الكمية المتواضعة من المياه التي يستخدمها على جهود مكافحة الجفاف. ويرى أن عمليات الإغلاق عززت الاستياء وأثارت تساؤلات حول الثروة والفقر والسلطة السياسية.
وقال متحدثا عن المسؤولين المحليين “أستخدم مع أطفالي دلوين فقط من الماء. لم يعجبني هذا القرار على الإطلاق. سيكون من الأفضل لو أفرغوا مسابحهم الخاصة”.
وقلل المغرب نطاق انتشار الفقر خلال السنوات الأخيرة، لكن المساواة في الدخل لا تزال مشكلة في كل من المناطق الريفية والحضرية. ورغم التطور الاقتصادي السريع في بعض القطاعات، اندلعت في الماضي احتجاجات من الطبقة العاملة بسبب التفاوتات وارتفاع تكاليف المعيشة.
واختار جيران المغرب تقنين المياه بطرق مختلفة. وأغلقت أحياء بأكملها في تونس الصنابير لعدة ساعات يوميا خلال العام الماضي. وحظر جزء من إسبانيا في الصيف الماضي سكانه من غسل السيارات وملء حمامات السباحة وسقي الحدائق.
وقالت فاطمة فدواشي، رئيسة جمعيات أرباب الحمامات بجهة الدارالبيضاء، إن عمليات الإغلاق غيرت اقتصاديات تشغيل الحمام. ولم تنشر جمعيات الحمامات بعد إحصائيات حول تسريح العمال أو خسارة الإيرادات، لكنها حذرت من التأثير على المالكين وفنيي المداخن وموظفي الاستقبال.
وأضافت فدواشي أن “المالكين ملزمون بأداء واجباتهم تجاه عمالهم”.
وقالت إن معظم الحمامات تستمر في حرق الأخشاب للحفاظ على دفئها حتى خلال الأيام التي تكون فيها مغلقة، بدلا من ترك غرفها تبرد وتدفئتها مرة أخرى. وأضافت أن المالكين يفضلون التقنين لساعات معينة يوميا بدلا من الإغلاق.
ويرى بعض رواد الحمامات أن عمليات الإغلاق تزيد الوعي بالجفاف، بغض النظر عن نجاعتها. ويدعم البعض الآخر من الحرفاء مثل مدبرة المنزل حنان المساعد، البالغة من العمر 37 عاما، هذه الحملة على مستوى البلاد. وقالت “إذا كانت كمية المياه أقل، فأنا أفضل الشرب على الذهاب إلى الحمام العمومي”.
وكانت منظمات المجتمع المدني بالمغرب قد دقت ناقوس الخطر من الاستنزاف الكبير لاحتياطات البلاد من المياه تدريجيا بشكل قد يجعل المغاربة أمام أزمة عطش غير مسبوقة، وسط دعوات إلى إعادة دور “شرطة المياه” لوقف التجاوزات.
وأدت فترة الجفاف الحالية إلى وصول السدود إلى مستويات منخفضة بشكل خطير، إذ باتت ممتلئة بنسبة 23 في المئة فقط، وهو انخفاض كبير مقارنة بـ31 في المئة في نفس الوقت من العام الماضي.
وخلقت أحدث الأرقام الصادرة عن وزارة التجهيز والمياه قلقا لدى السلطات المعنية، حيث سجلت الاحتياطات المائية ما يزيد قليلا عن 3.7 مليار متر مكعب، أي أقل بكثير من 5.14 مليار متر مكعب في نفس الفترة من عام 2023.
وتقترب بعض أهم السدود في البلاد من مستوى الجفاف ما دفع جهات عدة إلى إطلاق أجراس الإنذار، إذ إن أكبر سد يقع بالقرب من جبال الأطلس الشمالية شهد انخفاضا بنسبة 57 في المئة في عام 2023، وهو انخفاض كبير دفع حركة “مغرب البيئة 2050” إلى المطالبة بإعلان حالة الطوارئ على المستوى المائي، واتخاذ كل التدابير العاجلة والصارمة في هذا الاتجاه.
وتتطلب حالة الطوارئ إصدار إجراءات من السلطات تطبق بقوة القانون، وقد بدأت بعض المدن المغربية بالفعل فرض قرارات ملزمة تحد من هدر المياه.
وفي يناير الماضي، أصدر محمد امهيدية، والي جهة الدار البيضاء – سطات قرارا يقضي بترشيد استهلاك الماء الصالح للشرب، يُمنع بموجبه نشاط الحمامات خلال أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع، إلى جانب منع نشاط محلات غسل السيارات والمركبات خلال الأيام نفسها مع منع استعمال الماء الصالح للشرب في هذه العملية.