الجزائر تفشل في ابتزاز مدريد وتعيد العلاقات إلى مربع الفتور
سلطت الصحافة الاسبانية الضوء على فتور العلاقات بين الجزائر ومدريد وفشل تحقيق مصالحة كاملة بعد إلغاء زيارة وزير الخارجية الإسبانية خوسي مانويل ألباريس، التي كانت مقررة في 12 فبراير ، إثر رفض الوزير الإسباني مناقشة قضية الصحراء المغربية مع نظرائه الجزائريين، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات المغربية الاسبانية تقدما وتطورا متسارعا على كافة الأصعدة.
وأكدت التقارير الإسبانية إن الوضع بين اسبانيا والجزائر ازداد “تأزما” بعد قيام رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، بزيارة إلى المغرب في 21 فبراير الماضي، ولقائه بالعاهل المغربي الملك محمد السادس، وتأكيده مرة أخرى على دعم مدريد لمبادرة الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء تحت السيادة المغربية.
ومنيت الجزائر بخيبات دبلوماسية متلاحقة إذ تعتبر أن نجاح الدبلوماسية المغربية هو خسارة لها، ففي الوقت الذي تضرّرت فيه العلاقات الإسبانية-الجزائرية كثيراً خصوصاً بعد تعليق الجزائر اتفاقية “الصداقة وحسن الجوار”، تحسنت فيه العلاقات المغربية الإسبانية كثيراً، وترجم ذلك زيارتين لبيدرو سانشيز إلى المغرب مرتين ولقائه بالملك محمد السادس في إحداها، ثم نجاح البلدين إلى جانب البرتغال في الفوز بتنظيم مونديال 2030، في أول تجربة أوروبية إفريقية لتنظيم حدث ضخم مشابه.
وذكرت صحيفة “الانبنديينتي” الإسبانية، أن وزير الخارجية الإسباني تحول إلى شخص “غير مرغوب فيه” من قبل الجزائر، بالنظر إلى رفضه مناقشة قضية الصحراء في الجزائر، ورفضه للإشارة إلى هذه القضية بأي شكل من الأشكال خلال الإعداد لزيارته للقائه بنظيره الجزائري أحمد عطاف، مما دفع بالجزائر إلى إلغاء الزيارة بشكل كامل.
وتعثرت الجهود الدبلوماسية التي بُذلت منذ حوالي سنتين لإنهاء الأزمة مع الجزائر، بسبب الخلافات حول الاعداد لزيارة وزير الخارجية الإسباني إلى الجزائر، ودعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي، ووصل الأمر حدّ تهديد الجزائر بفسخ عقد تزويد إسبانيا بالغاز إن هي نقلت جزءا منه إلى المغرب، ما جعل الجزائر تبين أنها طرف في نزاع الصحراء، رغم أنه كانت تشير سابقاً إلى أنها “طرف ملاحظ”.
وأثبتت الجزائر بموقفها من اسبانيا أنها طرف في النزاع. ولولا دعم الجزائر لم يكن أساسا ممثلو بوليساريو غير المعترف بهم أممياً أو أوروبياً، ليحضروا في الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي.
ويقول مراقبون إن إسبانيا على المستوى الرسمي حاولت تاريخيا البقاء في خط الحياد في النزاع، لكن سانشيز بدل موقفه بخصوص الدعم الذاتي لأن المغرب يكتسب أهمية قصوى في الأجندة الإسبانية أكثر من الجزائر.
وكانت الجزائر قد شرعت في نوفمبر الماضي في التخفيف من حدة أزمتها مع مدريد، وأقدمت على تعيين سفير جديد لها في العاصمة الإسبانية، في خطوة قيل عنها أنها أولى مؤشرات المصالحة بين الطرفين، وبررت الجزائر تلك الخطوة بكون موقف إسبانيا من قضية الصحراء عاد إلى الحياد بدعوى أن خطاب رئيس الحكومة الإسبانية الأخير في الأمم المتحدة لم يشر لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل لنزاع الصحراء. غير أن تجديد سانشيز دعمه لهذه المبادرة خلال لقائه بالملك محمد السادس في العاصمة الرباط، شكل صدمة للجزائر، وبالتالي لا يُتوقع أن تمضي الجزائر قدما في مباشرة عملية إصلاح وترميم علاقاتها مع مدريد على الأقل في الفترة الحالية.
وكانت الجزائر في مارس 2022 استدعت سفيرها من مدريد للتشاور، كخطوة احتجاجية على إعلان مدريد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء تحت السيادة المغربية، ثم أقدمت في منتصف نفس العام على تعليق مبادرة الصداقة والتعاون بين البلدين وإيقاف المبادلات التجارية عدا الغاز، في محاولة للضغط على إسبانيا للتراجع عن موقفها.
غير أن محاولات الضغط تلك لم تؤت أي نتيجة، حيث استمرت إسبانيا متشبثة بموقفها، فاستمرت الأزمة بين الطرفين 19 شهرا، إلى أن أقدمت الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني على بدء إصلاح علاقاتها مع إسبانيا بمبررات غير مقنعة. وسط “خيبة أمل” و”استسلام للأمر الواقع”، مع تأكيد جميع الأطياف السياسية في إسبانيا من بقاء الموقف التاريخي الداعم للمقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية.
وقالت الصحافة الاسبانية أن أولى “البوادر القوية” لفشل مخططات وجهود الجزائر في تغيير الموقف الإسباني هي الاتفاق الذي حصل بين سانشيز ويولاندا دياز، زعيمة تحالف “سومار”؛ وهو الاتفاق الذي جعل دياز تتخلى عن وعودها الانتخابية لجبهة بوليساريو من تغيير موقف مدريد من الصحراء، واضعة بذلك قيادة الجبهة الانفصالية في حالة من “الدهشة والاستياء”.
وخلال شهور سياسة القطيعة الدبلوماسية الجزائرية، تضررت المعاملات التجارية مع مدريد، مع بقاء صادرات المحروقات في مستوياتها تخوفا من العقوبات الأوروبية، في مقابل نمو غير مسبوق في العلاقات بين الرباط ومدريد، مع مشاريع مشتركة وثورية على غرار تنظيم مونديال 2030. كما أصبح المجتمع الدولي يعي بحقيقة النزاع المفتعل في المنطقة ويرى خطة الحكم الذاتي الحل الوحيد لإنهاء معاناة المحتجزين في مخيمات تندوف.