تناقض مواقف الجزائر بشأن السودان: تعديل موقف أم ارتباك
دعمت الجزائر مبادرة الهدنة بين طرفي الصراع في السودان خلال شهر رمضان، والتي تبناها مجلس الأمن الجمعة، الأمر الذي يتناقض مع موقف سابق أكدت فيه الجزائر انحيازها لقائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارته إلى الجزائر نهاية شهر يناير الماضي.
واعتبر مراقبون أن تغير الموقف الجزائري من فترة إلى أخرى يعكس ارتباك الدبلوماسية الجزائرية وغياب الرؤية الواضحة في التعامل مع قضايا المنطقة، مشيرين إلى أن وجود الجزائر في عضوية مجلس الأمن فرض عليها أن تعدل مواقفها لتبدو أكثر توازنا ومقبولية، وأنه ليس ثمة ما يمنع أن تعود إلى نفس المواقف في حال انتهت مدة عضويتها في المجلس.
ودعا ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع أطراف النزاع في السودان إلى اغتنام فرصة شهر رمضان للإعلان عن وقف فوري لإطلاق النار والالتزام بالهدنة وضبط النفس من أجل تحقيق سلام دائم في السودان.
◙ تغير الموقف من فترة إلى أخرى يعكس ارتباك الدبلوماسية الجزائرية وغياب الرؤية في التعامل مع قضايا المنطقة
ويأتي تعديل الموقف الجزائري بعد ما بدا في زيارة البرهان من أن الجزائر تدعم جناح البرهان، على حساب جناح الدعم السريع، وأن البرهان جاء إلى الجزائر لالتماس التأثير في مقاربة المبعوث الأممي الدبلوماسي رمطان لعمامرة.
وأعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حينها أن بلاده “تقف إلى جانب السودان لتجاوز الظروف الصعبة ومواجهة قوى الشر التي تستهدفه”، وهو ما تم تأويله على أنه دعم لجناح البرهان، على حساب المكونات السياسية والمسلحة الأخرى، خاصة وأن الطرفين يتقاطعان في رفضهما لدور قوى إقليمية مناوئة للمجلس السيادي.
ولفت تبون إلى تطابق وجهات النظر بين الجزائر والسودان في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، بينما صرّح البرهان أن بلاده “تتعرض لمؤامرة بتواطؤ شركاء إقليميين ودوليين”. وجاء تصريح ممثل الجزائر في مجلس الأمن مطابقا لما أوردته صحيفة “الأحداث” السودانية من أن “الجزائر بدأت بلعب دور بالمبادرات لخوض مفاوضات بين الجيش السوداني والدعم السريع، بعد وصول وفد جزائري إلى بورتسودان يحمل مقترحات”.
وأعرب عمار بن جامع، في تدخل له باسم أعضاء مجموعة “أ 3 +” في مجلس الأمن عن أسف بلاده لعدم التوصل إلى حل للأزمة في هذا البلد بعد قرابة سنة في ظل تدهور الوضع الإنساني.
وقال “أمام هذا الوضع المتدهور، فإننا نريد اغتنام فرصة هذا الاجتماع لتوجيه نداء عاجل إلى جميع الفاعلين السودانيين ليعلنوا وقفا فوريا لإطلاق النار من أجل التقليل من حدة معاناة الرجال والنساء والأطفال السودانيين الأبرياء، وإننا ندعو مع الأمين العام الأممي، الأطراف السودانية إلى وضع خلافاتهم جانبا واغتنام فرصة شهر رمضان المعظم، شهر السلام، من أجل تبني طريق التهدئة وضبط النفس قصد التوصل إلى سلام دائم في السودان”.
وأكد على أنه “من الضروري دراسة جميع الوسائل الممكنة لضمان وصول المساعدات الإنسانية الدولية دون عوائق إلى جميع السكان السودانيين المتضررين، وذلك من خلال تعاون وثيق بين الحكومة السودانية والوكالات الإنسانية العاملة، وأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم، مع خطر كبير لانعدام حاد للأمن الغذائي، مما يهدد الملايين من السودانيين، لاسيما في دارفور”.
وأثنى المتحدث على إعلان جولة جديدة للمفاوضات في إطار مسار جدة بالقول “لذلك فإننا ندعو الأطراف السودانية إلى الالتزام بحسن النوايا خلال هذه المفاوضات”، وهنأ الاطراف المسهلة لهذا المسار وهي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والهيئة الدولية المعنية بالتنمية (ايجاد) التي تمثل كذلك الاتحاد الأفريقي نظير جهودهم المتواصلة.
واعتبر انعقاد ندوة إنسانية دولية بباريس في أبريل المقبل، “مبادرة تستحق الثناء من شأنها أن تكون فرصة للحصول على التزامات واضحة من الفاعلين السودانيين والمجتمع الدولي من أجل تحسين الوضعية الإنسانية على أرض الميدان، وضرورة تفضيل التنسيق بين مختلف السبل الدبلوماسية”.
وبهذا الموقف تعطي الجزائر لنفسها الفرصة لتكون على مسافة متساوية بين جميع الأطراف عكس بعض الملفات التي تبنت فيها موقفا منحازا لطرف من أطراف الأزمة، الأمر الذي كلفها الابتعاد عن توجيه مسار تلك الأزمات، كما هو الشأن في ليبيا، من خلال دعمها لحكومة عبدالحميد الدبيبة على حساب الأطراف الأخرى، الأمر الذي أفقدها ورقة التأثير رغم الجوار والمجال الحيوي، وكذلك الوضع في مالي ما أفقدها دور الوساطة من بوابة اتفاق المصالحة لسنة 2015.