عبدالإله بنكيران يوظف مدونة الأسرة للمزايدة على مواقف القوى الحداثية وخلق فتنة في المغرب
ماموني
بدت الإطلالة الأخيرة للأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي عبدالإله بنكيران من بوابة مدونة الأسرة، محاولة من قبله للعودة إلى الساحة والتأكيد على أن حزبه طرف رئيسي في المعادلة القائمة. ولم يدخر بنكيران في إطلالته المثيرة للجدل جهدا في مهاجمة الأطراف المشاركة في صياغة التعديلات الجديدة أو تلك التي طرحت أفكارا تقدمية بشأنها، متعمدا إثارة حالة من الشك لدواع سياسية وشعبية.
أثارت تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران حول إصلاح مدونة الأسرة، واتهامه لبعض القوى اليسارية بتحريف كلام الله، ضجة واسعة على الساحة السياسية في المغرب، وسط اتهامات للحزب الإسلامي بتعمد إثارة الفتنة وإشاعة الانقسام.
وتأتي تصريحات بنكيران قبل شهر من الانتهاء من إعداد مشروع مراجعة مدونة الأسرة، ورفع خلاصته إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وهاجم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في كلمة ألقاها في مهرجان وطني نظمه الحزب الأحد بمدينة الدار البيضاء، بشدة زعيميْ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، وحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبدالله، بسبب تأييدهما المذكرة التي رفعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، والتي تتضمن إلغاء تجريم الإجهاض في المغرب وإلغاء زواج القاصرات والمساواة بين النساء والرجال، بما يشمل الإرث.
واتهم بنكيران لشكر وبنعبدالله بـ”تغيير كلام الله”، داعيا المغاربة أن يتحركوا، للتصدي للمشروع. وقال الأمين العام للحزب الإسلامي “إذا استدعت الضرورة القيام بمسيرة مليونية فنحن مستعدون مرة أخرى”.
ورفض بنكيران ما ذهب اإليه زعيما الحزبين اليساريين، مشددا على أن “هؤلاء يقولون إن القاصر ليست مستعدة لأن تحمل في هذه السن، ولكنهم لا يتحدثون عن الفتيات اللواتي يحملن خلال ممارسة الحرام، والآن وجدوا حلّا، وقالوا الحق في الإجهاض”، مضيفا: “هؤلاء مجرمون قتلة يريدون قتل الأجنة في بطون أمهاتهم”.
ووصف الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تصريحات بنكيران بـ”اللامسؤولة”، واعتبر لشكر أن تلك التصريحات تستهدف “التشوّيش على الحوار الهادئ ونفسه الديمقراطي العالي الذي خاضته الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، بالاستماع لكافة التنظيمات السياسية والنقابية والمدنية على مستوى التراب الوطني”.
وقال لشكر متحدثا في اللقاء الوطني الأول للمنتخبات الاتحاديات، الأحد بالرباط، إن “الأحزاب السياسية ليست من اختصاصها ممارسة العمل الدعوي أو تقديم مقترحات ذات طابع ديني، لا دستوريا ولا في إطار ما هو متعارف عليه عالميا”.
وفي إشارة واضحة إلى حزب “بنكيران”، أبرز لشكر، أن “حسم المغرب في تنظيم الحقل الديني بمؤسسات رسمية، تحت رعاية إمارة المؤمنين؛ وبالتالي الخطابات التحريضية للفاعل السياسي لا شرعية لها أمام توفر بنية مؤسساتية دينية”.
ووصف رشيد حموني رئيس فريق حزب التقدم والاشتراكية بالبرلمان تصريحات الأمين العام لحزب العدالة بـ”الأخطر على المجتمع المغربي وتجربته الديمقراطية الناشئة”.
وأضاف حموني أن “تصريحات الرجل، الذي تَــحَمَّلَ يومًا ما مسؤولية رئاسة الحكومة المغربية بما كان يُفترَضُ أن يجعل منه رجل دولة، هي تصريحاتٌ مُحرِّضَةٌ على الفتنة والانقسام المجتمعي، وتنطوي على تهديدٍ صريح بـ”الانتفاض” ضد أيِّ إصلاحٍ تحديثي لمدونة الأسرة”.
ويرى محللون أن بنكيران يعمد إلى توظيف الوعاء الديني مجددا لخلق انقسام مجتمعي حيال الإصلاحات المتعلقة بمدونة الأسرة، وهي محاولة جديدة من قبله لإنعاش شعبية حزبه المتدهورة، عبر شد عصب المعترضين على المدونة إليه.
واعتبر هشام عميري، الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، في تصريح لـه أن محاولة العدالة والتنمية استغلال تعديل مدونة الأسرة لن تسهم في عودته إلى مكانته التي كان عليها ما قبل انتخابات 2021 ، لكون المواطن لا يحكم على الأحزاب من الصراعات التي تقام حول ما هو قانوني، وإنما يقيمها انطلاقا من أشياء ملموسة ومن حصيلتها على ما هو تنموي، خاصة أن فئة عريضة من المغاربة لا تعطي أهمية لمجموعة من النصوص القانونية والتي من بينها مدونة الأسرة، كما أن الحزب فشل في تدبير عدة ملفات اجتماعية.
واعتبر المصطفى المريزق عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في رد ، أن التصريحات هي تشويش ممنهج على الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وابتزاز الدولة باسم “الدعوة الدينية”، والتحريض ضد الإجماع الوطني والمس بمؤسساته الدستورية والشرعية، وتضليل الرأي العام الوطني، والإضرار بسمعة المغرب والحط من إصلاحاته الكبرى، موردا أن مشروع المذكرة التي تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، موجهة لكل المواطنات والمواطنين، ولا يمكن نعتها بعدم الانضباط إلى المرجعية الإسلامية، فالملك محمد السادس هو الفيصل الذي سترجع له كلمة الفصل، باعتباره أمير المؤمنين.
وأشار القيادي بحزب الاستقلال والوزير الأسبق، مولاي امحمد الخليفة، إلى أن مدعي الاجتهاد يجب أن يحترموا نطاقهم المحدود الذي رسمه الملك محمد السادس، وأن اجتهادهم لا يجب أن يحلل حراما ولا يحرم حلالا.
من جهته أكد لشكر أن “المغرب دولة لها مؤسسات وتاريخ وقانون ودستور، ودور الأحزاب محدد بمقتضى الدستور وبمقتضى القوانين في خدمة الصالح العام، لكن، جهات حزبية تصر على التحريم والتحليل، حتى أن فريقها البرلماني الذي يتألف من النساء وفاز بفضل النساء، يوضع عليهن رجلا كرئيس للفريق، وهذا فكر ذكوري حاضر في السياسة”.
وبدا أن هجوم بنكيران أشبه بتصفية حسابات مع أحزاب يسارية بعينها، وردا على لشكر الذي اعتبر أن بنكيران تجرأ على الفتوى باعتبارها اختصاصا حصريا للعلماء، وقال إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس المجلس الوطني للعدالة والتنمية، إن “ما قاله السيد لشكر ينبغي عليه أن يطبقه هو أولا، فما دام يطالب بترك الأمور المتعلقة بالدين للعلماء والفقهاء والمجالس العلمية وأئمة المساجد وذوي الاختصاص لماذا أعطى لنفسه الحق في الإفتاء؟”.
وأضاف الإدريسي أن “مدونة الأسرة بطبيعة الحال هي من صميم الدين، فلماذا يطالب لشكر بإلغاء التمييز على أساس الجنس أو المعتقد في الزواج، ويطالب بمنع تعدد الزوجات، ويطالب بإلغاء المادة 400 من المدونة المتعلقة بالفقه المالكي؟”.
تصريحات بنكيران تأتي قبل شهر من الانتهاء من إعداد مشروع مراجعة مدونة الأسرة، ورفع خلاصته إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس
وأكد هشام عميري، في تصريحه لـه أن “موقف حزب العدالة والتنمية من تعديل مدونة الأسرة ليس وليد اليوم، وهنا نستحضر موقف الحزب من الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية في حكومة التناوب، وكذا تعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 2004، وهو موقف مرتبط بمرجعية الحزب بالدرجة الأولى، إلى جانب العامل الانتخابي”، مشيرا إلى أن هناك تحولات مست الحزب على مستوى طريقة تعامله مع تعديلات مدونة الأسرة، كون موقفه اليوم ليس بتلك النبرة القوية التي كان عليها سنة 2004، والتي ترتبط بعدة تحولات عرفها الحزب على مستويات سياسية وفكرية.
ويتجه المغرب نحو إقرار تعديلات على مدونة الأسرة، بعد دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس، في سبتمبر الماضي، إلى إطلاق مشاورات موسعة لإصلاحها من أجل تجاوز “الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها”.