من هم المغاربة الشيعة في بروكسيل؟ كم عددهم؟ ما هي مساجدهم؟ وما الذي أغراهم للتحول من المذهب السني المالكي إلى التشيع؟ في هذا التحقيق زارت « أخبارنا الجالية » أحد مساجدهم في منطقة أندرليخت،في بلجيكا، وتحدثت مع مغاربة من رواد هذا المسجد عن سر إقبالهم على التشيع، وهل ولاؤهم لإيران وحزب الله أكبر من ولائهم للمغرب.
في قلب منطقة أندرليخت، في بلجيكا، يقع مسجد الرحمان، أحد مساجد الشيعة المغاربة في بروكسيل.. لا شيء يوحي لأول وهلة بأن الأمر يتعلق بمسجد للشيعة المغاربة، لكن ما إن ارتفع صوت الأذان لصلاة المغرب، حتى ظهر الفرق، فخلال رفع الأذان، ومباشرة بعد ترديد المؤذن عبارة «حي على الفلاح»، يتبعها بعبارة «حي على خير العمل»، وخلال الصلاة، يثير انتباه الزائر لأول مرة وجود تراب مجمع على شكل حجر، عند مكان سجود كل مصل. سألنا أحد المصلين المغاربة، وقد كان ضمن القليل من رواد المسجد الذين يضعون عمامة وسلهاما أسودين، على طريقة الشيعة الإيرانيين واللبنانيين: «ما سر هذا التراب؟»، فرد قائلا: «يفترض أن نصلي مثل ما كان يصلي الرسول (ص)، فوق التراب، وبما أننا نعيش في بلد أوربي، ولا يمكن أن نصلي على التراب فإننا نجلب التراب من كربلاء لنضع جباهنا عليه». أخبرنا هذا الشيعي المغربي بأن هناك شيعة يجلبون هذا التراب من كربلاء لتلبية الطلب عليه». عند نهاية الصلاة، يردد المصلون جماعة «اللهم صلِّ على محمد وآل محمد»، بنفس الطريقة التي تجري في تجمعات حزب الله اللبناني.
حين يقول الفضول إلى التشيع
علي، المقيم في بلجيكا منذ سنوات عديدة، يعتبر من رواد هذا المسجد، وقد روى لـ«أخبارنا الجالية » قصته مع التشيع، فقد سافر من مسقط رأسه في طنجة إلى بروكسيل مبكرا في نهاية السبعينات، لكنه ما لبث أن أصبح شيعيا في منتصف الثمانينات، وتحول إلى أحد أبرز المؤثرين على المغاربة المتحولين إلى التشيع. يروي علي كيف حصل له هذا التحول، وكيف تعرف على المذهب الشيعي، وهو القادم من مدينة طنجة. يقول: «نشأت في بيئة متدينة، ولكنني لم أعرف يوما ماذا يعني التشيع». عندما سافر إلى بلجيكا أواخر السبعينات تزامن ذلك مع الحرب العراقية الإيرانية، فكانت وسائل الإعلام العربية تتحدث عن الشيعة الإيرانيين وخطر الثورة الإيرانية، يقول: «حين هاجم صدام حسين، الرئيس العراقي السابق، إيران ساندته دول خليجية وكذا الغرب، وكانت تلك أول مرة أسمع فيها عن الشيعة الذين كانوا يوصفون في الإعلام بأقبح النعوت». ويضيف: «كنت أتساءل من هم الشيعة؟»، وحدث مرة -يقول علي- أنه زار طبيبا لبنانيا من أجل العلاج في بروكسيل، فرأى أنه يضع على الرف كتابا عنوانه «لماذا نحن شيعة؟». يقول إنه بدافع الفضول طلب من طبيبه استعارة الكتاب للاطلاع عليه، ومن هنا بدأت قصة تشيعه.
يدافع علي بقوة عن معتقدات الشيعة من قبيل أن علي بن أبي طالب كان هو الأحق بالخلافة لأن الرسول (ص) أوصى له بها، وأن الصحابة لم يطبقوا وصية النبي (ص)، وأن عليا وآل بيته معصومون، ويستدل على ذلك بتفسيرات من القرآن والسنة، وهذه كلها معتقدات يرفضها السنة، ويعتبرونها «معتقدات باطلة». لكن ليس الجانب العقدي وحده ما تحكم في تشيع عزيز وعدد من المغاربة الآخرين، بل هناك أيضا أسباب سياسية. بالنسبة إليهم، فإن نموذجي إيران وحزب الله، المناهضين لإسرائيل، يمثلان «أمل الأمة»، على حد تعبير عزيز. وفي المقابل، فالشيعة المغاربة يهاجمون دول الخليج، وخاصة السعودية، ويعتبرونها موالية للغرب ولإسرائيل. لكن ماذا عن الموقف من المغرب ومن الملكية ومن الإسلاميين؟ هنا يلتزم شيعة بلجيكا الحذر.
يقول محمد، وهو رجل أمضى 40 سنة في بلجيكا وينحدر من الناظور: «نحن نحب بلدنا وملكنا»، لكنه يقول: «نحن لا نكشف تشيعنا في المغرب لأن الأمر حساس بالنسبة إلى السلطات». ومن جهته، يقول علي الطنجاوي: «لن أجد حرجا في القول بأنني أدين بالولاء للملك محمد السادس فهو من آل البيت، ونحن نحترم آل البيت». أما عن الإسلاميين المغاربة، فيقول: «هم مسلمون أشاعرة وأقرب إلينا». لكن هذا الموقف لا يعكس رأي الشيعة عموما، ففي أحد المواقع الشيعية المغربية، يسمى «شبكة زاوية المعلوماتية»، نقرأ مقالات تهاجم البيجيدي، منها مقال بعنوان: «عصابة بنكيران والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين».
مقتل إمام مغربي شيعي
في 2 مارس 2012، تحول الشيعة المغاربة في بروكسيل إلى حديث وسائل الإعلام، عندما قتل إمام مسجد الرضا في أندرليخت، أحد أبرز مساجد الشيعة المغاربة، اختناقا داخل المسجد، بعد اعتداء من طرف سلفي. الضحية والمعتدي لم يكونا سوى مغربيين، الأول عبد الله الدهدوه إمام المسجد الشيعي، والثاني رشيد البخاري، الشاب المغربي المتحمس للسلفية، الذي اعترف بأنه أحرق المسجد بالبنزين، انتقاما، حسب اعتقاده، من الشيعة الذين يحاربون السنة في سوريا، وقد حكم عليه القضاء البلجيكي بـ27 سنة سجنا. الحادث كشف مدى الاحتقان الموجود بين المغاربة السلفيين ونظرائهم الشيعة.
يقول علي الطنجاوي: «السلفيون يكفروننا، ويسبوننا، وقد وصل بهم الأمر إلى حد قتل الإمام الدهدوه». لكن المعتدي البخاري قال للمحكمة إنه لم يكن ينوي قتل إمام المسجد، وإنه لجأ إلى إحراق المسجد بالبنزين لبعث رسالة إلى الشيعة المغاربة بسبب الضحايا الذين يسقطون في سوريا. وتوفي الإمام بعدما حاول إطفاء النار، قبل أن يستنشق الدخان ويختنق.
مجلة MO البلجيكية سبق أن نشرت تحقيقا عن الشيعة المغاربة، في فبراير 2009، تحت عنوان «الشيعة الجدد في بروكسيل»، تحدثت فيه عن الضحية إمام مسجد الرضا، عبد الله الدهدوه، وأوردت أن «الشيخ عبد الله، من جنسية مغربية، كان سنيا، وتحول إلى التشيع، وذهب إلى إيران لدراسة المذهب الشيعي، وبقي هناك 10 سنوات، ثم عاد ليصبح أمام مسجد الرضا، الذي يشكل المصلون المغاربة فيه الأغلبية».
يروي الشيخ عبد الله قصة تحوله إلى التشيع قائلا: «في الثمانينات، دخلت أول مجموعة من المغاربة في اتصال مع التشيع عبر كتب كانت توزع من طرف الإيرانيين». ومن جهتها تروي فتيحة، وهي من أصل مغربي، للمجلة، كيف أن زواج المتعة، الذي يحرمه المذهب السني، كان مدخلها للتعرف على التشيع، فقد تحولت إلى التشيع بعد تعرفها على زوجها الشيعي العراقي. في البداية أبرما زواج المتعة المؤقت، ثم تطور الأمر إلى زواج دائم، تقول في حديثها للمجلة: «كنت مطلقة، وكانت لي حاجيات جنسية، وبما أنني وجدت أنه يمكنني تلبية ذلك في إطار إسلامي فهذا كان مبعث رضاي». لكنها تضيف أنه إضافة إلى زواج المتعة فإن فلسفة التشيع أيضا جذبتها. لكن الشيعة المغاربة في بروكسيل يتفادون الحديث عن زواج المتعة. يقول محمد ابن الناظور: «لدي بنات ولن أقبل تزويجهن للمتعة»، لكن هذا الموقف لا ينفي أن هذه الظاهرة موجودة ومعترف بها من طرف الشيعة، لأنها مؤسسة على موقف فقهي.
بعض المغاربة من منتقدي التشيع في بلجيكا قالوا، لـ« اخبارنا الجالية »، إن عددا من الشباب المغاربة الذين تشيعوا فعلوا ذلك بسبب احتضانهم من طرف الشيعة وتوفير خدمات لهم، وإغرائهم بزواج المتعة. لكن مع الوقت، وبفضل التأطير والدعم الذي تقدمه دول شيعية مثل إيران، يصبح هؤلاء الشباب من المدافعين عن التشيع.
كم عددهم؟
بالاطلاع على بعض المواقع الشيعية على الأنترنت، نجد أن هناك حديثا عن أزيد من 30 ألف شيعي في بلجيكا. ففي موقع «مركز الأبحاث العقائدية» الشيعي، نقرأ معلومات عن التشيع في هذا البلد الأوربي. بخصوص تاريخ دخول التشيع إلى البلد نجد الإشارة إلى تاريخ 1980، وعن وجود 15 ألف شيعي في بروكسيل وأنفيرس شارلروا وأماكن أخرى. الموقع يشير إلى أن «ظهر التشيع في بلجيكا مع مجيء اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين، ولا يعرف تماما التاريخ، حيث يتحدث البعض عن أزيد من الخمسين سنة»، ويضيف الموقع أن الشيعة «تكاثروا حين بدأ الإخوة المغاربة يتشيعون بقوة، خاصة في الثمانينات والتسعينات».
لكن علي الطنجاوي قال لـ« أخبارنا الجالية » إن عدد الشيعة في بلجيكا وصل إلى 25 ألفا، وإنهم في تزايد مستمر. يستند عزيز في هذا الرقم إلى ما يعتبره إحصائيات رسمية، بناء على انتخابات جرت لاختيار ممثلي الأقليات الدينية في بروكسيل. المتتبعون لهذه الظاهرة يرون أن هذا الرقم يبقى قليلا مقارنة بـ350 ألفا من المغاربة في بروكسيل، وهو ما يمثل حوالي 5 في المائة من مجموع مغاربة بروكسيل، لكن التشيع في بلجيكا يتزايد مع الوقت ويكبر مثل كرة الثلج.
المثير أن معظم الشيعة المغاربة في بلجيكا ينحدرون من مناطق الشمال، وخاصة من طنجة والريف. في مسجد الرحمان يمكن الاستماع إلى مغاربة يتحدثون الريفية أكثر من تحدثهم بالدراجة المغربية. ربما تتعلق أسباب هذا الإقبال على التشيع من طرف المنحدرين من الشمال بكون هذه المناطق عرفت هجرات كبيرة نحو بلجيكا في الثمانينات، وأن هؤلاء كانوا من أوائل المتشيعين، ولهذا أثروا على القادمين الجديد من مناطقهم. لكن عزيز الطنجاوي له تفسير إضافي، فهو يرى أن سكان الريف هم الذين آووا المولى إدريس، مؤسس الدولة المغربية، الذي يقول إنه كان شيعيا من آل البيت. بالنسبة إلى علي، فإن هناك أدلة على أن الدولة المغربية شيعية في الأصل، وبحماس أخرج صورة لرجل يلبس رداء وعمامة بيضاء، وقال: «انظر، هذه صورة قديمة لوالدي يضع عمامة على طريقة الشيعة».
السلطات المغربية تراقب
وفي الوقت الذي يزداد فيه المد الشيعي في بلجيكا، تكتفي السلطات المغربية بمراقبة الوضع. يقول مصدر مطلع: «إن السلطات المغربية تتابع وتراقب هذه الظاهرة بقلق»، لكن لم يسبق توقيف أي شيعي مغربي حين دخوله إلى المغرب. وحتى عندما تم نقل جثمان الإمام الشيعي عبد الله الدهدوه إلى طنجة لدفنه، بقيت السلطات تراقب رغم حضور عدد كبير من «شيعة طنجة»، الجنازة، إضافة إلى عدد من المغاربة ببلجيكا. كما لم تتدخل السلطات لمنع مراسيم الدفن المختلفة عما يتم في مقابر البلاد، خاصة استعمال طقوس شيعية من قبيل التوشح بالسواد ووضع رداء أسود على نعش الضحية، وارتداء كوفيات كتبت عليها عبارات شيعية من قبيل «هدية كربلاء»، فضلا عن ترديد الصلاة المحمدية على الطريقة الشيعية. ومنذ أن اعتمد المغرب خطة إصلاح الشأن الديني باعتبار البلاد قائمة على وحدة المذهب السني المالكي الأشعري، فإنه لا يعرف أحد كيف سيتطور الوضع غدا إذا أصبح للشيعة المغاربة مطالب بالاعتراف بهم كمذهب مخالف.. إنها القنبلة المسكوت عنها، التي لا يريد أحد الاقتراب منها.