الجزائر تسعى لكسر عزلتها بلقاءات دورية مع تونس وليبيا
تكثف السلطة الجزائرية جهودها الرامية إلى تعزيز الشراكة مع دول الجوار مثل تونس وليبيا، في مسعى لتحسين نشاطها الدبلوماسي “الضعيف” مع المحيط الإقليمي والأوروبي، وتجاوز مرحلة العزلة بالموازاة مع حالة من التململ السياسي الداخلي.
تسعى الجزائر إلى كسر عزلتها الإقليمية في الفترة الأخيرة، من خلال لقاءات دورية مع تونس وليبيا، باعتبارها دول جوار وتشترك في نفس القضايا، في خطوة يرى مراقبون أن تعكس مخاوف جزائرية من تراجع دورها المغاربي والإقليمي ومواجهة الأزمات وحيدة.
ويقول مراقبون إن ارتدادات الأزمة الدبلوماسية مع الرباط بسبب ملف الصحراء المغربية الذي قاد إلى توتر مع إسبانيا، فضلا عن الأزمات المتتالية التي ما انفكت الجزائر تضع نفسها فيها مع دول مثل مالي والكونغو الديمقراطية بسبب تصرفات عدوانية غير محسوبة، أوجدتها في عزلة غير مسبوقة خاصة مع استمرار مراوحة التوتر مع فرنسا مكانه منذ سنوات.
وكشف الرئيس التونسي قيس سعيد أنّ في الفترة المقبلة سيتم تنظيم لقاء ثلاثي تونسي – جزائري – ليبي مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي، في تونس.
وجاءت تصريحات قيس سعيّد عقب اختتام أشغال القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز في الجزائر.
وأوضح الرئيس التونسي أنّ مشاركته ضيف شرف في هذه القمة تتنزل في إطار المنتدى ولكن أيضا في إطار العلاقات الخاصة مع الأشقاء في الجزائر، مشيرا إلى وجود تصور جديد اليوم بالنسبة إلى مادة الغاز وكيف يجب أن تبسط كل دولة سيادتها كاملة على ثرواتها الوطنية.
وكان رئيس الدولة قد شدد في تصريح للقناة الوطنيّة الأولى، على أنّ ”كلّ دولة يجب أن تبسط سيادتها كاملة على ثرواتها الوطنية، طبقا لقرارات الجمعية العامّة للأمم المتّحدة، من بينها القرار الصادر عام 1962 فضلا عن القرارات الأخرى الصادرة عن العديد من المنظّمات الدوليّة الإقليميّة”، مشيرا في هذا السياق إلى ”وجود تصوّر جديد اليوم بالنسبة إلى مادة الغاز”.
واختتم قيس سعيد مساء السبت مشاركته كضيف شرف في القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، والتي شارك فيها العديد من القادة ومن بينهم الرئيس الإيراني والرئيس العراقي والأمير القطري، إلى جانب حضور رفيع المستوى من الدول الأعضاء والمراقبين.
والتقى الرئيس سعيّد بنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، حيث استعرضوا خلال هذا اللقاء الثلاثي مخرجات القمة السابعة للغاز المنعقدة بالجزائر.
ووفق بلاغ إعلامي صادر عن رئاسة الجمهورية الجزائرية، فقد تدارس الرؤساء أيضا الأوضاع السائدة في المنطقة المغاربية، ليخلُص اللقاء إلى ضرورة تكثيف الجهود وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة بالإيجاب، كما أجرى قيس سعيّد لقاء ثنائيا مع تبّون استعرضا فيه العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها.
وقال الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري إن “الجزائر تريد فكّ عزلتها الجيوسياسية من خلال الشراكة مع تونس وليبيا، وانطلق ذلك من خلال القمة الأخيرة التي أرادت أن تقول من خلالها الجزائر إننا نستطيع أن نجمع الدول المنتجة للغاز”.
وأضاف في تصريح لـه، “الجزائر تنظر لمحيطها الإقليمي وخصوصا تونس وليبيا كشريكين إستراتيجيين، وهناك العديد من الأحداث التي وقعت منذ تولي عبدالمجيد تبون مقاليد السلطة، من بينها التململ في الوضع الداخلي الصعب وعدم التوافق التام”، لافتا إلى أن “الشريك الأوروبي أيضا لفت بعين الريبة إلى الاتفاق الجزائري – الإيطالي حول الطاقة، ما دفع روما إلى تجميد تلك الاتفاقية”.
وتابع العياري “الجزائر الآن شبه معزولة لذلك تراهن على الشراكة مع دول الجوار (ليبيا وتونس)، والدولة التونسية تحتاج إلى عين آمنة وظهر سياسي ويد اقتصادية، والحليف يطلب مساعدات، وقد تضطر إلى مضاعفة حصّة تونس من الطاقة التي تمرّ نحو أوروبا”.
ومنذ أشهر قليلة، خلقت زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة إلى رواندا أزمة بين الجزائر والكونغو الديمقراطية التي لم تخف انزعاجها من الزيارة واستدعت السفير الجزائري لديها محمد يزيد بوزيد للاستفسار عما بدا دعما من الجزائر لرواندا التي تعيش على وقع خلاف مع الكونغو بسبب دعم حركة انفصالية مناوئة لكينشاسا.
وأثار توقيع اتفاق دفاعي بين الجزائر ورواندا على هامش زيارة شنقريحة، غضب المسؤولين في الكونغو.
واعتبرت كينشاسا استدعاء السفير إلى مسائل تتعلق بالمساس بسيادة البلاد ارتباطا بزيارة قائد الجيش الجزائري إلى كيغالي التي تتهمها كينشاسا بدعم ميليشيات “إم 23” (حركة 23 مارس) المتمردة التي تحاول السيطرة على إقليم كيفو الشمالي شرق البلاد والموجود على الحدود مع أوغندا ورواندا.
ولم يقتصر الأمر على الكونغو، بل شهدت علاقة الجزائر توترا جليا مع مالي التي بادرت إلى إلغاء اتفاق السلم والمصالحة الوطنية الذي رعته الجزائر في 2015، واتهمتها بـ”التدخل في الشؤون الداخلية، ورعاية تنظيمات إرهابية”.
وظلت العلاقات بين البلدين توصف بـ”الجيدة”، حتى إن هناك من السياسيين في باماكو من يصفها بالشقيقة الكبرى، كما كانت ترجمة ذلك في الواقع من خلال زيارات متبادلة على أعلى مستوى ومساعدات جزائرية متنوعة للجارة الجنوبية، فضلا عن لعبها دور الوساطة عدة مرات بين سلطات باماكو وطوارق الشمال.
واندلعت شرارة الأزمة الدبلوماسية بين البلدين في الثاني والعشرين من ديسمبر الماضي، عندما استدعت مالي سفير الجزائر لديها للتشاور، احتجاجا على ما اعتبرته تدخلا في الشأن الداخلي المالي، وما كان من الجزائر إلا أن ردّت بالمثل في غضون ساعات، في تطور لم يسبق أن بلغته العلاقات بين الدولتين منذ استقلالهما.
وقبل ذلك وجدت الجزائر نفسها في أزمة مع النيجر بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية أن نيامي قبلت مبادرة وساطة جزائرية لحل الأزمة بين المجلس العسكري الحاكم والرئيس السابق محمد بازوم، لكن المجلس العسكري نفى أن يكون قد قبل بالمبادرة التي أطلقتها الجزائر التي باتت في إحراج شديد.
من جهة أخرى، أججت مبادرة الأطلسي التي طرحها العاهل المغربي الملك محمد السادس قبل فترة مخاوف الجزائر من انحسار نفوذها في أفريقيا ومن تفاقم عزلتها في محيطها، بما توفره تلك المبادرة من مكاسب للدول الأفريقية التي تخطط للانخراط فيها بهدف الولوج إلى الأطلسي وتعزيز التكامل بين دول غرب أفريقيا والاتحاد الأوروبي.
في المقابل، يرى متابعون أن الانقسام السياسي المتواصل بين حكومتي الشرق والغرب وانسداد الأفق بشأن بناء مسار واضح في ليبيا، أمر يقلق الجزائر التي وجدت نفسها في تعامل مباشر مع حكومة الوحدة الوطنية بسبب الحدود المشتركة.
ويضيف هؤلاء أن الجزائر تريد أن تساهم في الوصول إلى حل يعالج الأزمة، مخافة من ارتداداتها الأمنية عليها، على غرار مخاطر الهجرة والجريمة المنظمة وكذلك التهديدات الإرهابية.
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “الدول الثلاث تتعامل مع حكومة غرب ليبيا باعتبار الحدود المشتركة، وتداعيات الأزمة الليبية ترمي بظلالها على الجزائر وتونس”.
وقال ، “حكومة غرب ليبيا التي يقودها عبدالحميد الدبيبة هي على الحدود مع تونس والجزائر، وهذا ما يتطلب تسوية للأزمة الليبية، وبالتالي الجغرافيا تلعب دورها، كما أن تونس تريد أن تكون طرفا في حل الأزمة”.
ولفت الشيباني إلى أن “سنّة التشاور التونسي – الجزائري قائمة منذ عقود، وعمق تونس والجزائر ودول شمال أفريقيا هي ليبيا”.
وفي فبراير الماضي، ألغى وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس زيارة إلى الجزائر. وكشفت صحيفة ‘لوموند’ الفرنسية أن السبب الحقيقي وراء الإلغاء كان رفض الوزير الإسباني أي مساومة جزائرية على موقف بلاده من مغربية الصحراء.
ويرى ملاحظون أن الأزمة الجزائرية – الفرنسية لا تزال تراوح نفسها، كما أن العلاقات بين الطرفين يطبعها التذبذب منذ عدة عقود، رغم مراحل التقارب التي بلغتها في بعض الفترات.