بعد تأخر استمر لأكثر من سنتين متواصلتين، اتفق قادة حزب الاستقلال المشارك في الحكومة المغربية، على تحديد موعد رسمي لعقد مؤتمرهم الوطني (نهاية أبريل المقبل)، مع التوافق على تزكية الأمين العام الحالي نزار بركة لولاية ثانية بعد تجميد الصراع بين تياره وتيار محمد ولد الرشيد.
وخلال اجتماع اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال في الرباط، تحضيرا للمحطات التنظيمية القادمة، شدد القيادي محمد ولد الرشيد (ابن حمدي ولد رشيد رئيس التيار المناهض لنزار بركة)، على ضرورة تغليب مصلحة الحزب وإنجاح محطتي اجتماع المجلس الوطني وكذلك المؤتمر.
ونوه أعضاء اللجنة التنفيذية بالجهود المكثفة التي بذلها محمد ولد الرشيد للتوصل إلى التوافق المسؤول والإجماع على ترشيح نزار بركة لمنصب الأمين العام للحزب لولاية ثانية كمرشح وحيد، كما أشادوا بحسه النضالي العالي الذي أظهره في الاجتماعات السابقة وخلال هذا الاجتماع الحاسم الذي سيمكّن الحزب من إعداد كل شروط نجاح المؤتمر القادم.
ويعود آخر مؤتمر عقده حزب الاستقلال لشهر أكتوبر 2017، لهذا كان على قيادة الحزب التوافق لتجاوز الخلاف بين تياري نزار بركة وولد الرشيد الذي عطل انعقاد المؤتمر، بعدما حددت وزارة الداخلية شهر أبريل المقبل كموعد نهائي وشرطا لعدم حرمانه من التمويل العمومي، أو ربما توقيف الحزب.
وأكدت شريفة لموير، أستاذة باحثة في العلوم السياسية، أنه “مع اقتراب موعد المؤتمر الوطني، من غير المفاجئ أن تحتكم التوافقات في هذه المرحلة لتجاوز ما يمكن أن تحدثه صراعات التيارات من شرخ في البيت الاستقلالي، وهو ما اتضح جليا في تشكيل اللجنة التحضيرية حتى مع بعض الأصوات التي تندد بمنطق التعيينات التي تقتل الديمقراطية الداخلية للحزب”.
واعتبرت في تصريح لـها أن “سير الحزب الذي يشارك في الحكومة بهذا الاتجاه مؤشر قوي على أن التوافق سوف ينطبق حتى على تعيين المكتب السياسي المقبل، خاصة بعد التجاذبات التي عرفتها مرحلة ما قبل التوافق على موعد المؤتمر الوطني والمرشح الوحيد، على اعتبار أنها مرحلة جد هامة استعدادا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة بشكل موحد وأيضا الحفاظ على تواجد الحزب داخل التشكيلة الحكومية”.
ومكنت الجهود المكثفة التي قادها عضو اللجنة التنفيذية للحزب محمد ولد الرشيد، أعضاء اللجنة التنفيذية من اختيار رحال المكاوي رئيسا للجنة القوانين وعبدالجبار الراشدي رئيسا للجنة التحضيرية.
ومن أبرز الضغوطات التي عجلت بقيادة الحزب على التوافق على موعد المؤتمر ومرشح وحيد، هو تفادي أيّ إحراج إذا تم تطبيق المادة 62 من قانون الأحزاب، التي تنص على أنه “في حالة عدم احترام الإجراءات أو الآجال، وفق ما هو منصوص عليه، تقوم السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بتوجيه إشعار إلى الحزب المعني قصد مطالبته بتسوية وضعيته في أجل ستين يوما، وإذا لم يقم الحزب بتسوية وضعيته بعد انصرام هذا الأجل، تطلب السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية توقيف الحزب وفق الشروط والشكليات المنصوص عليها”.
ووفق ما أفادت به مصادر حزبية فرغم تمسك القيادي حمدي ولد الرشيد (عمدة مدينة العيون) بمواقفه المناوئة لتيار نزار بركة، إلا أن ابنه، قلّل من الضغط في اتجاه التوافق على نزار بركة أمينا عاما، عكس ما آلت إليه الأمور لحزب الأصالة والمعاصرة في مؤتمره الأخير الذي باتت تقوده لجنة ثلاثية.
رغم تمسك القيادي حمدي ولد الرشيد بمواقفه المناوئة لتيار نزار بركة، إلا أن ابنه، قلّل من الضغط في اتجاه التوافق على نزار بركة أمينا عاما
وقال الحزب في بيان، “إن جميع أعضاء اللجنة التنفيذية عبروا، خلال اجتماعهم، عن وعيهم بدقة هذه المرحلة في حياة الحزب، وعن إرادتهم الجماعية للمساهمة في توفير جميع الشروط لإنجاح المؤتمر الثامن عشر وجعله لبنة أساسية في مجال تكريس الديمقراطية الداخلية عبر التنافس الحر، وفضاء لمناقشة القضايا الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي يقدمها المشروع المجتمعي التعادلي المتجدد للحزب”.
ورغم هيمنة الصراع بين تيارين، فقد شدد نزار بركة، على أهمية اشتغال قيادة الحزب بروح الوحدة والانسجام الذي طبع دائما عملها منذ المؤتمر السابع عشر، والإعداد الجيد للمحطة التنظيمية الحزبية المقبلة من أجل ضمان نجاحها وجعلها عرسا ديمقراطيا استقلاليا يلتف حوله الجميع.
وسببت تعديلات اقترحها تيار ولد الرشيد على النظام الأساسي للحزب حالة من الاحتقان، وتنص على سحب اختصاصات من الأمين العام وفرض منصب نائب له وتقليص عدد أعضاء المجلس الوطني للحزب وزيادة عدد أعضاء اللجنة التنفيذية في المقابل، مع حذف عضوية المجلس الوطني بالصفة لأعضاء مجلسي النواب والمستشارين، وهو ما لم يقبله تيار بركة.
وطمأن النعيم ميارة الذي يشغل منصب رئيس مجلس المستشارين، بأن الوضع الداخلي للحزب سيكون على ما يرام، وأن قيادة الحزب تشتغل بنفس وحدوي والاختلاف القائم داخل البيت الاستقلالي غير مرتبط بالمبادئ الأساسية للحزب، بل يتعلق بتوجهات وبمنظور معين، لكن قرار الحزب ملزم للجميع، ونحن متفقون داخل اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال على خارطة طريق في ما يخص المنظور المستقبلي للحزب.
ويقول مراقبون إن مؤتمر الحزب مطالب باستعادة الهدوء إلى التنظيم وإبقاء الصراعات تحت الانضباط لقواعد النظام الأساسي تفاديا لأيّ انفجار قد يؤثر على مشاركة الحزب داخل الحكومة، كما حدث في عهد الأمين العام السابق الذي تسبب في إخراج حزبه من حكومة 2012، ما ساهم في إضعاف مكانة الحزب في المشهد السياسي والحزبي، كما ستكون قيادة الحزب مرغمة على التوافق على صيغة تنظيمية لا تقصي أيّ طرف داخل الحزب.