وجه المغرب أنظاره إلى الفرص الواعدة التي يمكن أن تتيحها الصناعات التقليدية مستقبلا ليس في السوق المحلية فقط، وإنما أيضا في الأسواق العالمية، إدراكا منه بأن القطاع يعد عنصرا حيويا ومهما لتعزيز أداء الاقتصاد من خلال هيكلته ودعم قدراته التنافسية.
اتخذت الدورة الثامنة لأسبوع الصناعة التقليدية في المغرب مسارا مغايرا للدورات السابقة مع تكثيف الحكومة تركيزها على وضع محفزات تحرك نمو هذا النشاط بشكل أكبر خلال السنوات المقبلة أملا في إنعاشه وزيادة الصادرات.
يأتي هذا الاتجاه بالتوازي مع التركيز على أهمية تعزيز حضور العاملين بالقطاع في الأسواق المحلية والدولية، للتعريف بمنتجاتهم وتعزيز الإيرادات المالية من خلال التسويق، ودعم قدرة القطاع التنافسية.
وتسود حالة تفاؤل بين العاملين في القطاع الذين يترقبون تحسن أعمالهم وتحقيق المزيد من المكاسب بعدما حققت هذه الصناعة أكثر من مليار درهم (نحو 100 مليون دولار) من عائدات التصدير خلال السنتين الماضيتين.
ولكن المشكلة الرئيسية التي يمر بها القطاع هي أن جزءا منه غير رسمي، إذ أن التحدي الذي يواجه الحكومة هو هيكلته وجعله أداة أكثر توليدا للعوائد والأرباح، رغم وجود قانون لتنظيمه.
وذكرت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية فاطمة الزهراء عمور خلال المنتدى الدولي للفنون والحرف، الذي تحتضنه مدينة الدار البيضاء حاليا، أن سجل الصناعة التقليدية مكن من تحديد أكثر من 640 ألف حرفي أصبح بإمكانهم الاستفادة من دعم الدولة.
وقالت إن “من أولويات العمل الحكومي تحديث القطاع، بما يتوافق مع الطلب المتزايد على المنتجات الأصيلة، مع الاهتمام بقضايا الاستدامة واحترام البيئة والرقمنة”.
وتشير التقديرات إلى أن الصناعات التقليدية تسهم بنحو 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتوظف 2.4 مليون شخص، أي حوالي 22 في المئة من القوة العاملة النشيطة.
وتستقطب الدورة الثامنة، التي تنظمها وزارة السياحة برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، أكثر من 350 مشاركا من عشرين بلدا.
ويقول المنظمون إن هذه المشاركات تؤكد الجاذبية الدولية التي تتمتع بها الصناعة التقليدية المغربية، وتتيح للقطاع فرصة الالتقاء بالمشترين والمهنيين والمهندسين والمصممين والعلامات التجارية الكبرى ومراكز التوزيع الدولية عبر فعاليات وأنشطة مختلفة.
وشهدت الدورة اجتماعات ثنائية بين الشركات الحرفية المبتكرة والمشترين الدوليين، وجولة للتوريد تستهدف وحدات الإنتاج، وكذلك معارض في العديد من المدن المغربية، إضافة إلى عمليات للتسويق في المناطق التي تعرف إقبالا كبيرا خلال شهر رمضان.
وأكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال افتتاح الدورة أن هذا القطاع الإنتاجي، الذي له بعد اجتماعي مهم، حقق أداء متميزا مع تجاوز إيراداته مستوى قياسيا في تاريخ هذه الصناعة.
وقال إن “القطاع يعزز جاذبية الوجهة السياحية المغربية، حيث أن حوالي 10 في المئة من عائدات السياحة بالعملة الصعبة ناتجة عن مشتريات منتجات الصناعة التقليدية، خاصة مع مستوى تحسين تنافسية الصناع التقليديين”.
ولفت أخنوش إلى أن الحكومة عملت على تحسين آليات دعم العاملين في القطاع ووضع برامج جديدة للحرفيين، لكي تساعدهم على تحسين قدراتهم الإنتاجية ومعرفتهم بالأسواق وتوجيههم نحو التصدير.
وأوضح أنه تم تشجيع إنشاء التجمعات والتكتلات المهنية، وإنشاء مراكز للتميز لعدد من فروع الصناعة التقليدية كالزربية والفخار.
وجدد أخنوش التأكيد على أن الحكومة عازمة على مواصلة الجهود لتوفير البيئة المناسبة لتحديث وتنمية قطاع الصناعة التقليدية وتجاوز التحديات لتحسين مستوى أداء القطاع والعاملين به، خاصة في ما يتعلق بالقدرة التنافسية والرقمنة.
وفي مواجهة التحديات الجديدة المفروضة، لاسيما بسبب المنافسة المتزايدة والتطورات التي تشهدها أساليب الشراء والاستهلاك سواء محليا أو عالميا، تعمل الحكومة على دعم الحرفيين لهيكلة أعمالهم وقدرتهم على الابتكار والإنتاج والتسويق.
وأوضحت عمور أثناء هذه الدورة التي حملت شعار “الصناعة التقليدية رافعة تنموية في خدمة إشعاع وحماية التراث المادي وغير المادي”، وتختتم السبت، أنه من أجل مواكبة الصناع التقليديين تم وضع برامج لدعم التصدير.
وأضافت “فضلا عن ذلك، تم تأسيس مراكز للتميز تهدف إلى تحديث فروع هذه الصناعة، وقد بدأنا بالزرابي والفخار ونعتزم توسيع هذه المبادرة لتشمل مجالات أخرى”.
وتابعت “يعد التصدير ووضع العلامات التجارية واستدامة الحرف من التحديات ذات الأولية لتطوير الصناعة التقليدية المغربية”.
ويشكل وضع العلامات التجارية محورا هيكليا مهما، يعزز شعار “صنع في المغرب” ويتيح حضورا أكبر للمنتجات المحلية في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط.
وينخرط برنامج الاستدامة في الحفاظ على الصناعة التقليدية من خلال تسجيل المتدربين في مدارس متخصصة، وهو ما شهد زيادة بنسبة 55 في المئة بين عامي 2021 و2023.
وتطرق المدير العام لدار الصانع طارق الصادق على هامش الدورة إلى الجهود المبذولة لإنجاز البرامج الإستراتيجية المعلن عنها في إطار تنمية الصناعة التقليدية المغربية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والرامية إلى تحديث وتطوير القطاع.
وأوضح أن المبادرات تعد حاسمة لتلبية الاحتياجات المتغيرة للسوق وضمان استدامة الصناعة التقليدية في بيئة تتطور باستمرار، مبرزا أهمية الأسبوع الوطني للصناعة التقليدية لمواكبة الديناميكية الجديدة للقطاع.
وأطلقت وزارة السياحة بالتعاون مع دار الصانع ثلاثة برامج لدعم تنافسية العاملين بالصناعات التقليدية، تتوزع على برنامج التميز وبرنامج دعم الصادرات وبرنامج دعم المجمعين، وذلك لتحفيز نمو القطاع وزيادة جودته وتنافسيته وتوسيع نطاقه الدولي.
وأكدت جليلة مرسلي، رئيسة غرفة الصناعة التقليدية لجهة الدار البيضاء – سطات، أن هذه البرامج ستتيح لقطاع الصناعة التقليدية تبوؤ المكانة التي يستحقها في مسيرة التنمية الشاملة، تماشيا مع تطبيق النموذج التنموي الجديد.
ومن الأهداف الطموحة لهذه البرامج زيادة رقم المعاملات للقطاع بمقدار 3 مليارات درهم (290 مليون دولار) بحلول سنة 2026. وقالت مرسلي إن “هذه المبادرات ستساهم في هيكلة متجذرة لقطاع الصناعة التقليدية برمته”.
ويتوقع المهنيون تطور الطلب على منتجات القطاع، في ظل المؤشرات الإيجابية التي برزت من خلال إحصائيات عدد السياح الذين يتوافدون على الوجهة المغربية، وربطهم بالمنتوج المحلي والترويج له خارج البلد.
واعتمدت الحكومة في مارس الماضي خطة للفترة الممتدة من بداية هذا العام إلى غاية عام 2026 بميزانية تناهز 6.1 مليار درهم (580 مليون دولار) بهدف استقطاب 17.5 مليون سائح خلال السنوات الأربع المقبلة.