تحذير شديد من قيس سعيد لرجال أعمال يرفضون الصلح الجزائي
وجه الرئيس التونسي قيس سعيد رسالة شديدة اللهجة إلى رجال الأعمال الذين لم يستجيبوا لرغبة الحكومة في التوصل إلى صيغة من التفاهم معهم بواسطة الصلح الجزائي لإعادة الأموال التي أخذوها من الدولة أو أن يتولوا استثمارها في مشاريع اقتصادية ذات بعد اجتماعي.
وقال قيس سعيد في اجتماع حكومي إن “من يريد أن يعيد أموال الشعب كاملة فأبواب الصلح مفتوحة أمامه، وأما من اختار غير الصلح سبيلا فليتحمّل مسؤوليته كاملة أمام القضاء”.
وتُعزى شدة لهجة خطاب الرئيس التونسي تجاه رجال الأعمال، الذين لم يبادروا إلى تسوية وضعياتهم مع الدولة، إلى أن الحكومة أعطتهم ما يكفي من الوقت للتسوية، وأن عدم الاستجابة لعروض التسوية يوحي بأن المعنيين يستهينون بالدولة وبتحذيرات الرئيس سعيد، وأنهم يفهمون المرونة الحكومية على أنها ضعف وأن الدولة لا تقدر على إلزامهم بدفع ما يتوجب عليهم دفعه.
ويراهن الرئيس سعيد على الصلح الجزائي كعملية يمكن أن توفر لخزينة الدولة إيرادات مالية هامة تساعدها على مواجهة الأزمة الاقتصادية وتجنبها الالتجاء إلى الجهات الدولية المانحة بحثا عن قروض بشروط يرى أنها تمثل تهديدا للسلم الأهلي، ومن بينها قرض من صندوق النقد الدولي.
شدة اللهجة تجاه رجال الأعمال المعنيين تعزى إلى أنهم مُنحوا الوقت الكافي لتسوية وضعياتهم ولم يستجيبوا
وفي 2021 قُدّر حجم الأموال التي تطالب الحكومة باستعادتها، من قائمة تضم 460 رجل أعمال معنيّا بالتسوية، بـ13.5 مليار دينار تونسي (حوالي 4.5 مليار دولار)، وهو رقم يفوق ضعف التمويل الذي تطالب به تونس صندوق النقد الدولي والمقدر بنحو 1.9 مليار دولار.
ويرى مراقبون أن تحصيل هذه الأموال كاملة يعد نجاحا لإستراتيجية قيس سعيد القائمة على الاعتماد على الذات لتوفير التمويلات الكافية، كما يرسل إشارة قوية إلى التونسيين تفيد بأن الحرب على الفساد ماضية، وأن الدولة تطبق القانون على الجميع، ولا يمكن لأي جهة أن تكسر قراراتها مهما كان وزنها أو علاقاتها في الداخل والخارج.
وضم الاجتماع رئيس الحكومة أحمد الحشاني ووزيرة العدل ليلى جفال ووزيرة المالية سهام بوغديري نمصية، وتطرق إلى ضرورة الإسراع في تكوين لجنة الصلح الجزائي حتى تعود إلى الشعب أمواله المنهوبة في الداخل والخارج على حد السواء.
وأكّد قيس سعيد على ضرورة تحمّل من سيتم تعيينهم (في اللجنة) المسؤولية كاملة في تدقيق الملفات التي ستُعرض عليهم قبل أن تُعرض على مجلس الأمن القومي (هيئة عليا بإشراف الرئيس سعيد) ليُقرّ مبلغ الصلح أو ليُرفّع فيه أو يرفضه كما نصّ على ذلك القانون الذي نقّح المرسوم الذي أنشأ هذه اللجنة.
وذكّر الرئيس سعيد قبل أسبوعين في اجتماع مشابه ضم وزيرتيْ العدل والمالية بأن “الغاية من الصلح الجزائي هي أن يسترجع الشعب التونسي الأموال التي نهبت منه حتى تعود خاصة إلى الجهات التي يجب أن تخرج في أسرع الأوقات من دائرة الفقر والتهميش”، مشددا على أنه لا بد من “ثورة تشريعية وأن هناك حربا بلا هوادة ضد الفاسدين المفسدين، في كل القطاعات، الذين تسللوا إلى مؤسسات الدولة”.
وقال المحلل السياسي التونسي المنذر ثابت، في تصريح أدلى به سابقا لـ”العرب”، إن الرئيس سعيد “يريد غلق هذا الملف بما يحفظ حقوق الدولة وبما لا يعطل الاستثمار”.
وعرض قيس سعيد الصلح الجزائي في مرسوم أصدره في 2022، على عدد من رجال الأعمال يفرض عليهم إطلاق مشاريع استثمارية في المناطق الفقيرة والأقل حظا في التنمية، تتعلق ببناء مدارس ومستشفيات ومرافق خدمات وخلق موارد رزق للعاطلين عن العمل في البلاد، لكن تطبيق القانون تعثّر منذ صدوره وعقبته بعد ذلك حملة إيقافات.
وسبق لقيس سعيد في أكثر من مناسبة أن وجه إلى المستثمرين ورجال الأعمال رسائل تطمئنهم بأنه يعمل على تطبيق القانون واحترامه حتى لا يقع ظلم أو مصادرة أموال دون وجه حق.
وقال في كلمة له بعد إجراءات 25 يوليو 2021 “أطمئن الجميع بأنني أعمل دون هوادة حتى لا يُظلم أحد، فلا مجال للتخوّف أو لتهريب الأموال فحقوقكم محفوظة في إطار القانون”.
وفي ديسمبر 2021 أكّد الرئيس سعيد على حرصه الراسخ على ضمان الحرية الاقتصادية وتشجيعه الدائم للمبادرة الفردية وطمأنة رجال الأعمال والمستثمرين. كما شدّد على إدراكه مدى أهمية توفير الظروف المناسبة حتى يواصل رجال الأعمال الوطنيون الاضطلاع بدورهم المركزي في خلق الثروة في تونس.
وأشار إلى وُجوب “تنقية المناخ السياسي من أجل إيجاد الإطار السليم القادر على توفير كل التشجيعات لرجال الأعمال لمزيد تحفيزهم على الاستثمار والمساهمة الفاعلة في تنمية الاقتصاد الوطني”.