رجل دين مالي يزيد من تأزّم العلاقة بين الجزائر وباماكو
ظهر رجل الدين المالي المعارض محمد ديكو في احتفالية تدشين جامع الجزائر الأعظم، وفي حديث هامشي مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الأمر الذي يرشح الأزمة الدبلوماسية بين الطرفين إلى المزيد من التعقيد، في ظل إصرار الجزائر على احتضان الرجل باعتباره شخصية صوفية ذات امتداد إقليمي، وتمسك المجلس العسكري الحاكم في مالي بوصفه “شخصية إرهابية” تهدد أمن البلاد ووحدتها.
وحضر إمام الطريقة الصوفية الكنتية، المنتشرة في دول من الساحل الأفريقي وبعض المناطق الجزائرية الجنوبية، محمد ديكو احتفالية تدشين جامع الجزائر التي أشرف عليها الرئيس تبون، ليكون بذلك إحدى الشخصيات الفكرية والدينية من العالمين العربي والإسلامي التي دعيت لحضور المراسم، على غرار مفتي مصر، ووجوه من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المحسوب على الإخوان المسلمين.
وحمل ظهور ديكو في حديث جانبي مع الرئيس الجزائري رسالة إلى قادة المجلس العسكري في مالي وقوى إقليمية، مفادها إصرار الجزائر على احتضان الرجل بوصفه شخصية فاعلة لها امتدادات دينية إقليمية في منطقة الساحل، وأخرى سياسية في مالي، باعتباره يمثل جزءا من الفواعل السياسية والأهلية في البلاد.
◙ الجزائر تتمسك باحتضان الرجل كرمز ديني وسياسي، رغم التبعات التي قد تنجم عن ذلك، وفي المقابل لا يُستبعد أن يكون رد فعل قادة المجلس العسكري في باماكو أكثر تشددا
وكان تردد ديكو على الجزائر قد فجر أزمة دبلوماسية بين مالي والجزائر، حيث تم تبادل استدعاء السفراء للاحتجاج، قبل أن يلجأ القادة الماليون الجدد إلى وقف العمل باتفاق السلم والمصالحة الوطنية في البلاد الذي رعته الجزائر في عام 2015، واتهموها بـ”التدخل في الشؤون الداخلية لبلادهم، ورعاية تنظيمات إرهابية”.
وحظي محمد ديكو باستقبال رسمي في الجزائر؛ حيث استقبله الرئيس تبون، بحضور مدير الأمن الخارجي الجنرال جبار مهنا، في إطار ما أسمته الجزائر بـ”استمرار المشاورات بين الحكومة المالية والفصائل المتمردة”، غير أن السلطات المالية اعتبرته “رعاية لقادة الإرهاب والانفصال” الذين يهددون سلامة الشعب ووحدة التراب المالي.
واعتبرت الجزائر الخطوات التي اتخذها المجلس العسكري في مالي، بقيادة العقيد عاصيمي قويتا، ضدها جزءا من مخطط إقليمي يستهدف التحريض عليها وتأليب الرأي العام الأفريقي ضدها، ووجهت أصابع الاتهام إلى قوى إقليمية تحاول الاستفراد بمنطقة الساحل، وتجاوز دور الجزائر الطبيعي والتقليدي في المنطقة.
وفي خطوة لتحقيق توازن إستراتيجي، بادرت الجزائر إلى إطلاق مشروع اقتصادي واجتماعي يتضمن إنشاء خمس مناطق للتبادل الحر، مع كل من موريتانيا ومالي والنيجر وليبيا وتونس، فضلا عن بداية الإنفاق على مشروعات خدماتية وبنى تحتية لفائدة سكان شمال النيجر، في إطار الغلاف المالي الذي رصدته لوكالة التعاون الخارجي والمقدر بمليار دولار.
وكان رجل الدين المالي نفى الاتهامات التي وجهت إليه، والمتمثلة في “الذهاب إلى الجزائر من أجل جمع المال وتوزيعه على الفصائل المتمردة”، في إشارة إلى التنظيمات الأزوادية المسلحة.
وآنذاك صرح لوسائل إعلام أجنبية بأن دعوته إلى زيارة الجزائر -واستقباله من قبل الرئيس تبون- “كانت من ضمن دعوات وجهت إلى مختلف التنظيمات والفصائل المالية، إلى جانب قادة السلطة الانتقالية، للبحث والتشاور بشأن تجسيد مشروع السلم والمصالحة الوطنية”.
◙ ظهور ديكو في حديث مع الرئيس الجزائري يحمل رسالة إلى قادة المجلس العسكري في مالي تفيد بأن الجزائر لن تتخلى عنه
وأضاف “ما فهمته لدى وصولي إلى الجزائر أن ممثلي الحكومة سيحضرون هم أيضا، إلا أنهم حين علموا بوجودي ألغوا زيارتهم ونصبوا لي فخا، وقاموا بترويج أن مجيئي إلى الجزائر كان من أجل لقاء الفصائل المسلحة وتوزيع المال عليها”.
وفي المقابل أطلق العقيد عاصيمي قويتا حوارا داخليا بين مختلف المجموعات والفواعل المحلية، وأكد أن “الحوار بين الماليين لن يكون إلا داخل مالي”، في إشارة إلى المشاورات الدورية التي كانت تجري في الجزائر، لكن إقصاء التنظيمات الأزوادية المؤثرة في الأزمة السياسية والأمنية، بوصفها “حركات إرهابية”، يرهن مصير مخارج الحوار ويزيد من فرص انهيار الوضع الأمني.
وكان الجيش المالي المدعوم من طرف وحدات مجموعة فاغنر الروسية قد استعاد خلال الأسابيع الماضية عددا من مدن الشمال، على غرار غاو وكيدال وتومبكتو، التي كانت تمثل قواعد خلفية لتنسيقية الحركات الأزوادية، وشن حملات ميدانية لملاحقة المسلحين المتمردين بالقرب من الحدود الجزائرية.
وجاء ظهور محمد ديكو مجددا في الجزائر والحديث المقتضب بينه وبين الرئيس تبون، خلال احتفالية تدشين جامع الجزائر، ليدفعَا الأزمة بين الطرفين إلى المزيد من التصعيد، ويُبرزَا تمسك الجزائر باحتضان الرجل كرمز ديني وسياسي، رغم التبعات التي قد تنجم عن ذلك، وفي المقابل لا يُستبعد أن يكون رد فعل قادة المجلس العسكري في باماكو أكثر تشددا.