يبدو أن فرنسا أيقنت أخيرا أنه لا بدّ من إعادة ترتيب الأوراق من جديد مع المغرب والعمل على تجاوز الأزمة الصامتة التي رافقت العلاقات بين البلدين لأشهر طويلة، فباتت تكثف جهودها من أجل تجاوز ذلك التوتر عبر الترتيب لزيارة رسمية مرتقبة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى الرباط.
يستعد وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني لزيارة المغرب نهاية الأسبوع الجاري، أين سيلتقي نظيره المغربي ناصر بوريطة لمناقشة الملفات العالقة وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية للمملكة، تمهيدا لزيارة رسمية للرئيس إمانويل ماكرون إلى الرباط في الأشهر المقبلة.
ومن شأن هذه الخطوة أن تسارع الخطى نحو إصلاح العلاقات الفرنسية – المغربية بعد أزمة سياسية ودبلوماسية طويلة.
وبحسب موقع “أفريكا إنتليجنس” الإخباري سيكون الهدف الرئيسي من الزيارة هو العمل على ترتيب زيارة الرئيس ماكرون إلى المغرب، متوقعا أن تكون قبل الصيف المقبل.
وأكد الموقع الفرنسي أنه بعد أن تم استئناف الحوار بين البلدين من خلال عدة قنوات، بدأت الخطط الخاصة بزيارة الرئيس الفرنسي التي طال انتظارها إلى المغرب تتشكل.
وستكون زيارة الرئيس الفرنسي الأولى له منذ سنة 2017، وهي الزيارة التي سبق لماكرون نفسه أن تحدث عنها، لكنها لم تتم في ظل العلاقات المتأزمة مع الرباط منذ العام 2021.
وفي السياق ذاته أكد قصر الإيليزيه أن الرئيس الفرنسي أجرى مؤخرا اتصالا هاتفيا مع العاهل المغربي الملك محمد السادس، والذي تزامن مع زيارة الأميرات للا مريم وللا أسماء وللا حسناء، شقيقات العاهل المغربي إلى باريس، ولقائهن مع السيدة الأولى لفرنسا، وتأتي أيضا بعد أيام من تأكيد وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني سعيه لتحسين العلاقات مع الرباط.
وفضلا عن ذلك، من المنتظر أن يقوم رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه بزيارة المغرب خلال الأيام المقبلة حيث سيلتقي كبار المسؤولين بالرباط.
ونقلت إذاعة فرنسا الدولية، الأربعاء، عن عدة مصادر قولها إن “وفدا من أعضاء مجلس الشيوخ المغاربة سيزور فرنسا في ماي 2024. ومن الجانب الفرنسي، سيكون جيرار لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ، الذي سيكون قريبا في الرباط”.
وأكد وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، في حوار سابق مع جريدة “أويست فرانس” المحلية، أنه سيعمل “شخصياً” على تحقيق التقارب بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، بعد ما شهدته العلاقات من توتر خلال السنوات القليلة الماضية.
ومن أجل بدء صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، وإعطاء دفعة إيجابية للعلاقات بين البلدين، أكد سيجورني إجراء عدة اتصالات مع نظرائه المغاربة منذ توليه منصب وزير الشؤون الخارجية، مضيفا أنه “طلب الرئيس مني شخصياً المساهمة في تعزيز العلاقات الفرنسية – المغربية وكتابة فصل جديد في علاقتنا، سأعمل على تحقيق ذلك”، مشيرا إلى أن “موضوع الزيارة تتم مناقشته بشكل مباشر بين باريس والرباط، بعد أن تم تأجيلها عدة مرات سنة 2023”.
مستقبل العلاقات المغربية – الفرنسية رهين بتغيير باريس مقاربتها السياسية بخصوص ملف الصحراء المغربية كأولوية
وأفاد الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية هشام معتضد أن “زيارة ماكرون المرتقبة إلى المغرب ولقاءه الملك محمد السادس ستؤثر إيجابا على الأزمة الصامتة بين الرباط وباريس، وسيكون بذلك ماكرون قد صحح بوصلة بلاده الإستراتيجية مع المغرب، والمطلوب تبني موقف واضح وواقعي وذي مصداقية سياسية، وترجمته على أرض الواقع في ما يخص ملف الصحراء المغربية”.
وأكد في تصريح لـه أن “طموحات الرباط لم تعد تقتنع بخطاب دبلوماسي أو سياسي ظرفي دون الانخراط في إجراءات فعلية على أرض الواقع”، مضيفا أن “زيارة ماكرون للرباط يمكن اعتبارها فرصة لالتحاق باريس بنادي الدول التي اقتنعت بأطروحة المغرب والمسار الذي حدده لبناء خارطته السياسية على المستويين الدولي والقاري”.
ولفت هشام معتضد إلى أن “توصيف فرنسا شريكا تقليديا وإستراتيجيا للمغرب، تعتبره المملكة أنه لن يكون على حساب مصالحها الحيوية وقضاياها الجوهرية المرتبطة أساسا بوجودها كدولة وبنائها كأمة”، مشيرا إلى أن “مستقبل العلاقات المغربية – الفرنسية رهين بتغيير باريس مقاربتها السياسية بخصوص ملف الصحراء المغربية كأولوية، كما قررت ذلك إسبانيا التي سابقت الزمن لتطوير العلاقات مع شريكها المغرب، لذلك فالرئاسة الفرنسية ملزمة بتغيير نظرتها التقليدية من خلال تصحيح مسارها الدبلوماسي مع الرباط”.
وتناولت العديد من الصحف الفرنسية بإيجابية زيارة وزير الخارجية على غرار صحيفة “لي إيكو” التي اعتبرت الزيارة خطوة نحو منح المزيد من الدفء للعلاقات الفرنسية – المغربية بينما وصفت صحيفة “لاكسبراس” زوجة ماكرون وسيجورني بأنهما أصبحا مختصين في إذابة الجليد مع المغرب.
طموحات الرباط لم تعد تقتنع بخطاب دبلوماسي أو سياسي ظرفي دون الانخراط في إجراءات فعلية على أرض الواقع
وزيارة وزير الخارجية الفرنسي رسالة واضحة إلى الجزائر بعد أن قرر سيجورني إلغاء زيارة إلى العاصمة الجزائرية في خضم تصحيح العلاقات مع الجارة المغرب. ويعتقد أن قرار الإلغاء مرتبط بغضب الجزائر حين قال الوزير الفرنسي بأن بلاده تجدد دعم مقترح الحكم الذاتي حلا واقعيا للنزاع المفتعل في الصحراء، حيث هددت تلك التصريحات وفق الإعلام الجزائر بإعادة العلاقات الجزائرية – الفرنسية إلى مربع التوتر بعد أن لاحت في الأفق بوادر لطي صفحة الخلافات.
واتخذت العلاقات المغربية – الفرنسية منحى سلبيا منذ سنة 2021، بسبب العديد من التراكمات، إلى درجة أن المغرب كذّب بشكل رسمي، شهر سبتمبر من سنة 2023، تصريحات وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، كاثرين كولونا، بخصوص تلقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوة من الملك محمد السادس للقيام بزيارة إلى المملكة، إثر زلزال الحوز.
لكن العلاقات بين البلدين تحسنت خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث استقبل العاهل المغربي الملك محمد السادس السفير الفرنسي بالرباط، كريستوف لوكورتيي، وعين سميرة سيطايل سفيرة للمملكة في باريس لإنهاء الفراغ الدبلوماسي في السفارة المغربية، وهو ما أشّر على بداية عودة العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها، خصوصا مع اعتراف فرنسا رسميا بأن قرار تقليص التأشيرات المُسلّمة للمواطنين المغاربة كان خطأ.
ويبدو أن باريس بدأت تعي أهمية ملف الصحراء المغربية ليس فقط بالنسبة إلى الرباط، بل أيضا إليها كمنطلق أطلسي إستراتيجي يمكنها من العودة إلى القارة السمراء، التي أصبحت تعرف فرنسا في الذكريات فقط.
وتشكل الأقاليم الجنوبية المغربية حاليا “حلقة اقتصادية” مهمة بين الرباط ودول العالم والقارة الأفريقية، ومتنفسا للتضييق الاقتصادي الذي تعرفه دول الساحل بعد “حمام الانقلابات”، من خلال الإعلان عن مبادرة الأطلسي، التي ستكون فيها أيضا موريتانيا، “اللاعب الجديد في المنطقة”، جزءا أساسيا، وفق تصريحات وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.