زيارة سانشيز ترسخ متانة العلاقات بين المغرب وإسبانيا
تحمل زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى الرباط تنسيقا بشأن عدة ملفات سياسية وأمنية واقتصادية، كما تؤكد استمرار نمو العلاقات بين البلدين في الفترة الأخيرة، خصوصا بعد تأييد مدريد لمبادرة الحكم الذاتي التي تتبناها الرباط في ملف الصحراء المغربية.
الرباط – وصل رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز زيارة عمل وصداقة إلى المملكة المغربية، في خطوة تهدف إلى دعم التعاون الإستراتيجي بين البلدين في عدة مجالات. وهذه هي الزيارة الرسمية الثالثة لسانشيز منذ أن نجح المغرب وإسبانيا عام 2022 في تسوية الخلاف الدبلوماسي العميق بسبب ملف الصحراء المغربية وعملا بكل قوة على تعزيز التعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، والأولى منذ تجديد الثقة في سانشيز لولاية جديدة.
ويرافق سانشير في الزيارة وزير الخارجية خوسي مانويل ألباريس، ووفد وزاري رفيع، حيث يتوقع أن تحسم هذه الزيارة العديد من الملفات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
وقال بيدرو سانشيز، خلال ندوة صحفية بعد لقائه مع العاهل المغربي الملك محمد السادس، الأربعاء، إن “العلاقات بين البلدين وصلت إلى مراحل مهمة، كما أن المحادثات مع العاهل المغربي شملت العديد من مجالات التعاون”. و“المحادثات عرفت تقديم تحيات العاهل فيلبي السادس”، مشيرا إلى أن “إسبانيا والمغرب يعيشان مراحل مهمة من التعاون”، مشددا على أن “المشاورات شملت موضوع مونديال 2030″.
وبخصوص معابر سبتة ومليلية المحتلتين، أوضح سانشيز أن “البلدين يواصلان التعاون من أجل فتحها في أقرب وقت”، مشيرا إلى أن “كل شيء من جانب إسبانيا جاهز” لافتا إلى أن “العلاقات بين البلدين تمر بأفضل حالاتها منذ عقود”، مستعرضا أوجه التعاون المثمر بين المملكتين.
ويرى متابعون أن زيارة سانشيز إلى المغرب تأتي في توقيت دقيق ومناسب في ظل العلاقات المتنامية والقوية بين مدريد والرباط، بعد توقيع خارطة الطريق بين المملكتين في أبريل 2021 بالرباط، عقب موقف إسبانيا من ملف الصحراء المغربية، حيث اعتبرت مدريد أن مبادرة الحكم الذاتي أساس لإيجاد حل نهائي وذات مصداقية. كما تأتي بعد مرور أيام قليلة على تعليق زيارة ألباريس إلى الجزائر، التي كانت تنتظر أن تراجع إسبانيا موقفها من قضية الصحراء المغربية.
ويضيفون أن الزيارة تتزامن أيضا مع استمرار تعرقل إعادة فتح الجمارك التجارية عبر معابر سبتة ومليلية المحتلتين، وهو الملف الذي سبق أن طُرح خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسباني إلى المغرب في ديسمبر الماضي، والذي أكد آنذاك “غياب جدول زمني متفق عليه حول الأمر”.
ووصف بيان صادر عن رئاسة الحكومة الإسبانية المغرب بأنه “بلد مجاور وصديق وشريك إستراتيجي لإسبانيا في جميع المجالات”. وأضاف البيان أن رحلة سانشيز إلى المغرب تأتي في بداية الولاية التشريعية الجديدة لحكومته، “ما يؤكد العلاقات الوطيدة التي توحد البلدين”.
وأكد البيان ذاته أن العلاقات بين البلدين تمر بأفضل لحظاتها على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، مشيرا إلى أن هذه العلاقات “مبنية على الثقة والالتزام بما تم الاتفاق عليه في إطار من الاحترام والحوار الدائم”. وشدد ألباريس على أن “كل ما تم الاتفاق حوله خلال القمة الثنائية الأخيرة بين البلدين، سيتم تنفيذه”، في حين أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة أن الإشكال في موضوع سبتة ومليلية “تقني، وليس سياسيا”.
وكانت آخر زيارة لسانشيز إلى المغرب في فبراير 2023، والتي وقع فيها مع نظيره المغربي عزيز أخنوش 19 اتفاقية للتعاون بين البلدين في مجالات مختلفة خلال اجتماع وزاري رفيع المستوى في الرباط من أجل تعزيز “الشراكة الإستراتيجية”.
وتحسنت العلاقات بين البلدين منذ أن قررت مدريد في مارس 2022 تأييد موقف الرباط من الصحراء المغربية ما وضع حدا لأزمة دبلوماسية بين البلدين امتدت عاما بسبب استضافة إسبانيا زعيم بوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي لتلقي العلاج بـ”هوية مزورة”، بحسب الرباط، لكن موقف إسبانيا الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي المغربية أثار غضب الجزائر، الداعم الرئيسي لبوليساريو الانفصالية، حيث فرضت ضغوطا تجارية واقتصادية على مدريد للتراجع عن موقفها، من ذلك تجميد علاقاتها التجارية مع الجانب الإسباني قبل أن تتراجع عن تلك الخطوة.
وحافظت إسبانيا منذ إعلانها دعم الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية على موقفها رغم العديد من الضغوط الداخلية والخارجية. وبعد تشكيل الحكومة الإسبانية الجديدة، زار ألباريس الرباط لتجديد هذا الدعم. وأكد سانشيز بعد تجديد الثقة به إثر الانتخابات التشريعية التي شهدتها إسبانيا على أهمية علاقات الصداقة التي تجمع بين بلاده والمملكة المغربية، وذلك في مكالمة مع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش.
◙ إسبانيا حافظت منذ إعلانها دعم الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية على موقفها رغم العديد من الضغوط الداخلية والخارجية
كما أكد على جهود بلاده في مساعي تعزيز العلاقة الوثيقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي باعتبار أن إسبانيا تترأس الاتحاد في الدورة الحالية، مشددا على أهمية الرفع من وتيرة تنفيذ بنود خارطة الطريق التي كان قد تم الاتفاق عليها بين الحكومتين المغربية والإسبانية.
وسعت الرباط ومدريد لتعزيز التعاون الثنائي في العديد من المجالات، كالاستثمار والتجارة والهجرة ومكافحة الإرهاب ومحاربة الجريمة الدولية، كما اتفقتا على الابتعاد عن اتخاذ أي موقف أحادي الجانب قد يكون وراء خلق أزمة بين الطرفين مثلما حدث في ملف الصحراء المغربية قبل تعديل السلطات الإسبانية موقفها.
وتشير تقارير إلى ارتفاع في حجم التعاون الاقتصادي بين المغرب وإسبانيا في الفترة الأخيرة حيث اختتم عام 2023 برقم قياسي جديد في حجم المبادلات التجارية مع المغرب، وهو من تبعات تغير المواقف الإسبانية في ملف الصحراء. وكشفت البيانات خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023 ارتفاع صادرات إسبانيا إلى المغرب من 3 إلى 3.2 في المئة، في حين ارتفعت الواردات من 1.9 في المئة إلى 2.1 في المئة.
وأصبحت مدريد الشريك الاقتصادي الأول بالنسبة إلى المغرب، فيما تعد الرباط هي الأخرى من أهم شركاء إسبانيا من خارج الاتحاد الأوروبي. كما تعزز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وقد لمست مدريد التداعيات الإيجابية على أمنها نتيجة هذا التعاون.
وتطمح مدريد لأن تصبح مستثمرا رائدا، وقد تجاوزت التجارة الثنائية بين إسبانيا والمغرب 20 مليار يورو في عام 2022 وهي في نمو مستمر. وحسب وزير الخارجية ناصر بوريطة، فإن “مدريد هي أول شريك تجاري خارجي للمملكة”، مشيرا خلال لقائه مع نظيره الإسباني في شهر ديسمبر الماضي إلى أن “العلاقات بين البلدين لها آفاق قوية في إطار تنظيم مونديال 2030، وتدفعنا إلى تطويرها بشكل كامل”.