الإليزيه يحتفي بأميرات المغرب في إشارة قوية إلى رغبة باريس في فتح صفحة جديدة مع الرباط

ماموني

شكلت حفاوة الاستقبال التي لقيتها شقيقات العاهل المغربي الأميرات للاّ مريم وللاّ حسناء وللاّ أسماء في قصر الإليزيه والمأدبة التي أقيمت على شرفهن من قبل زوجة الرئيس الفرنسي بريجيت ماكرون رسالة واضحة على حرص باريس لتبديد الفتور الذي ساد العلاقة مع الرباط.

تفاعل المغرب بطريقته مع تحركات دوائر سياسية ودبلوماسية مختلفة في فرنسا لإعادة نسق العلاقات بين البلدين إلى مستواه الطبيعي.

وبتعليمات من العاهل المغربي الملك محمد السادس، تم استقبال الأميرات للامريم وللاحسناء وللا أسماء في قصر الإليزيه الإثنين، لمأدبة غداء، بدعوة من بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وتندرج المأدبة، وفق بلاغ نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء، “في إطار استمرارية علاقات الصداقة التاريخية القائمة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية” وهو ما أعلنت عنه الرئاسة الفرنسية.

وكشف قصر “الإيليزي” أن الرئيس الفرنسي أجرى مؤخرا، اتصالا هاتفيا مع الملك محمد السادس، دون الإشارة إلى مضمون المكالمة وتاريخها، كما حضر للترحيب بالأميرات المغربيات، كإشارة على عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، بعد مرحلة طويلة من الفتور.

 

محمد لكريني: فرنسا أعادت النظر  في سياستها ذات الصلة بالمغرب

وتأتي زيارة شقيقات العاهل المغربي بعد أيام من تأكيد وزير الخارجية الفرنسي سعيه لتحسين العلاقات مع الرباط.

وتشير التطورات لإمكانية ترتيب زيارة للرئيس ماكرون إلى المملكة من أجل اللقاء بالملك محمد السادس، للمرة الأولى منذ سنة 2017، وهي الزيارة التي سبق لماكرون نفسه أن تحدث عنها، لكنها لم تتم في ظل العلاقات المتأزمة مع الرباط منذ العام 2021.

وقال محمد لكريني، أستاذ العلاقات الدولية، إن الاستقبال يؤشر على إمكانية عودة العلاقات بين البلدين اللذين طالت أزمتهما، وهي بمثابة تمهيد للقاءات قد تكون على أعلى مستوى بين الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي أو رئيسي حكومة البلدين أو وزيري الخارجية.

ووجهت فرنسا في الفترة الأخيرة العديد من الإشارات الإيجابية وعلى مستويات متعددة عن رغبتها في فتح صفحة جديدة مع المغرب.

وأكد وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورنييه، على أهمية العلاقات بين باريس والرباط وضرورتها، وأعرب عن إرادته في إعادة بناء الثقة المتبادلة بين الطرفين، معتبرا أن ذلك يخدم مصلحة فرنسا والمغرب، ومشددا على ضرورة بناء جدول أعمال سياسي جديد بين الرباط وباريس”.

وقال سيجورنييه خلال جلسة استماع في الجمعية الوطنية الفرنسية، أن “الإرادة موجودة لقد أعدت الروابط مع المغرب، في الماضي كانت هناك بعض الاحتكاكات التي أدت إلى صعوبات لكن علاقتنا مع المغرب مهمة للغاية، بل أساسية وضرورية، معتقدا أننا يمكن أن نفعل بشكل أفضل وبشكل مختلف هذه المرة.

وأعرب الوزير الفرنسي عن رغبته في حوار مفتوح مع المسؤولين السياسيين المغاربة “بشكل شفاف مع احترام جميع الأطراف.

وقبل ذلك أكد سيجورنييه في حديث لوسائل الإعلام أنه مكلف من طرف الرئيس ماكرون بتحسين العلاقات المغربية- الفرنسية..

وقال محمد لكريني، في تصريح لـه، إن فرنسا أعادت النظر في سياستها الخارجية ذات الصلة بالقضايا الحيوية للمغرب لأن من بين أهم أسباب استمرار الأزمة مع المغرب هو غياب موقف واضح من قضية الوحدة الترابية للمملكة، ولنا تجربة مشابهة فيما يتعلق الأمر بالعلاقات المغربية-الإسبانية التي سبق وامتدت أزمتهما لفترة طويلة قبل أن تعود إلى مجاريها.

كريستوف لوكورتييه: فرنسا واعية بأهمية الموضوع بالنسبة إلى المغرب

وأكد لكريني، أن الرئاسة الفرنسية والمؤسسات الأخرى من الضروري أن تكون قد استوعبت ان استئناف العلاقات المغربية الفرنسية سيكون شريطة اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

ويعتبر المغرب قضية الصحراء مسألة وجودية تهم الأمن القومي على كافة المستويات وتطالب الرباط باريس بتحديد موقف واضح غير ضبابي في هذا الملف، وتجاوز الموقف الذي عبرت عنه في العام 2007 في ملف الصحراء المغربية وتعتبره الحد الأقصى، وعدم وضع قضية الوحدة الترابية في سياق المفاضلة السياسية والدبلوماسية بين المغرب والجزائر.

وكان الملك محمد السادس قد شدد في خطاب ألقاه في أغسطس 2022 بأن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، معتبراً في السياق نفسه أنه “المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.

وفي هذا الصدد أكد سفير فرنسا بالمغرب كريستوف لوكورتييه، الجمعة الماضي بالدار البيضاء، أنه “سيكون من الوهم تماما وعدم الاحترام، الاعتقاد بأننا سنبني ما آمل أن نكون قادرين على بنائه، لبنة تلو الأخرى، من أجل طمأنينة بلدينا وبعض الجيران الآخرين، دون توضيح موقف فرنسا بشأن قضية الصحراء المغربية، من العلم أن الجميع في باريس يعرف ويدرك الطابع الأساسي للمملكة، أمس واليوم وغدا”.

وتابع كريستوف لوكورتييه، في محاضرة له حول العلاقات الفرنسية المغربية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بعين الشق بالدار البيضاء، أن فرنسا واعية بأهمية الموضوع بالنسبة إلى المغرب، إذ كيف يمكننا أن ندعي أن لدينا هذه الطموحات دون الأخذ بعين الاعتبار الانشغالات الرئيسية للمملكة بشأن هذه القضية كما تدرك التطور الذي يشهده العالم، مضيفا أنه في الحوار الذي نجريه مع المغرب، ستتم إثارة هذه القضية، كما هو الحال منذ سنة 2007، وذلك ضمن منطق الاستمرار في الشراكة القائمة منذ سنين وخلال العقود القادمة”.

واعتبر أستاذ العلاقات الدولية في تصريحه لـه أن السياسة الخارجية المغربية أوضحت في الكثير من المناسبات فيما يخص ملف قضية الوحدة الترابية، أن معيار صداقة المغرب مع باقي البلدان الأخرى يرتكز على موقف واضح ومحدد من هذه القضية التي تعد من أولويات السياسة الخارجية المغربية لضمان استمرار تعزيز العلاقات وتمتينها.

ويقول مراقبون إن فرنسا لا تريد أن تفقد المغرب كأحد الأقطاب الفاعلة على الساحة الأفريقية بعدما ذهب بعيدا في ترسيخ علاقاته مع الدول الأفريقية، عكس باريس التي تزعزعت مكانتها مع دول كانت إلى عهد قريب موالية، وبالتالي بات المسؤولون على صناعة القرار الفرنسي مقتنعين بإعادة ترتيب أوراقهم مع المملكة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: