أثارت زيارة زعيم جبهة بوليساريو الانفصالية في تندوف إبراهيم غالي إلى أيرلندا، أين التقى بالرئيس الأيرلندي مايكل دانييل هيكينز وتناولا قضية الصحراء، تساؤلات بشأن سياقها وأهدافها، خصوصا وأنها تأتي في وقت تُجمع فيه الدول الأوروبية على دعم الطرح المغربي في النزاع المفتعل.
في الوقت الذي تُجمع فيه كل الدول الأوروبية على دعم مقترح الحكم الذاتي الذي تتبناه الرباط لحل النزاع المفتعل بالصحراء المغربية، ودعم مسار التسوية الأممية دون الإضرار بالعلاقات مع المغرب على غرار إسبانيا وألمانيا مع تصاعد الأصوات داخل بريطانيا لدفع حكومتها للتعبير عن موقف لصالح المملكة، استقبل الرئيس الأيرلندي مايكل دانييل هيكينز زعيم جبهة بوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي وتناولا قضية الصحراء.
ويقول مراقبون إنه لا يوجد سياق سياسي أو أممي للزيارة مع ثبوت تورط غالي في جرائم الاغتصاب والقتل والاختطاف والتعذيب.
وجاءت هذه الزيارة، في وقت اختارت فيه أيرلندا موقف الحياد بخصوص الملف المتعلق بنزاع الصحراء.
وتهدف جبهة بوليساريو إلى حشد دعم أيرلندا وجرها إلى صف أطروحتها الانفصالية، حيث لجأت إلى استغلال هذه المناسبة للترويج لتوجهاتها الانفصالية مجددا، من قبيل خرق اتفاق وقف إطلاق النار ومواصلة العمل العسكري ضد المغرب.
ويرى المغرب، في استقبال الرئيس الأيرلندي لقائد جبهة بوليساريو الانفصالية استفزازا صريحا.
وأثارت هذه الخطوة التي قامت بها أيرلندا غضب المملكة، لاسيما بعد تأكيدها قبل أسابيع على دعمها لقرارات مجلس الأمن الدولي والحل السلمي لملف الصحراء المغربية.
وما يثير الاستغراب في هذا الاستقبال هو أنه يذهب بعيدا عما أكدته وزارة الخارجية الأيرلندية في نوفمبر الماضي بدعمها لقرارات مجلس الأمن الدولي وللحل السلمي لقضية الصحراء المغربية، مسجلة أن دبلن طالما تشبثت بهذا الموقف وأكدته على هامش عضويتها غير الدائمة في المجلس الأممي، لافتة إلى أن أيرلندا “لم تقدم، على مدار السنوات الخمس الماضية، أي معونة أو تمويل مباشر لمخيمات الصحراويين في تندوف الجزائرية، غير أنها تُمول المنظمات الدولية العاملة بهذه المخيمات، على غرار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي”.
وأكد محمد سالم عبدالفتاح رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان أن “استقبال عناصر انفصالية من شأنه أن يؤثر في العلاقات بين الطرفين ومن شأنه أن يقوض التعاون الثنائي”.
وأضاف في تصريح لـه أن “وجود عنصر انفصالي متابع لدى المحاكم الأوروبية بموجب تهم جنائية تتعلق بجرائم انتهاك حقوق الإنسان يناقض الشعارات الحقوقية والإنسانية التي ترفعها أيرلندا والتي يرفعها أيضا الحزب الحاكم”.
ويرى عبدالفتاح أن “استقبال هذا العنصر الانفصالي يدخل في خانة الأعمال العدائية ضد المملكة، لكنه في نفس الوقت يعد مناقضا للقيم الإنسانية والحقوقية باعتبار أن غالي ثبت تورطه في جرائم الاغتصاب والقتل والاختطاف والتعذيب”.
المغرب يرى في استقبال الرئيس الأيرلندي لقائد جبهة بوليساريو الانفصالية استفزازا صريحا
واستبعد رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن “تكون زيارة غالي إلى دبلن رسمية كما تصورها الدعاية الانفصالية”، مؤكدا في المقابل أن “أيرلندا شأنها شأن كل الدول الاتحاد الأوروبي ترفض الاعتراف بالكيان الوهمي”، مشددا على أن “أيرلندا مطالبة بإعطاء توضيحات حول طبيعة هذه الزيارة غير المبررة، كونها معنية بالشراكة الإستراتيجية التي تجمع المملكة بدول الاتحاد، فضلا عن وجود دبلوماسي ما بين دبلن والرباط”، مشيرا أنه “على دبلن تجاوز الأيديولوجية والحزبية الضيقة التي تحاول بعض الدوائر السياسية في أيرلندا إسقاطها على قضية الصحراء المغربية، وأيضا تعويض الأجندات الأيديولوجية والحزبية الضيقة بالمقاربات الواقعية والعقلانية التي تفرض التعاطي مع واقع السيادة المغربية، وأي محاولة لتوظيف الطرح الانفصالي ستصطدم مع عمق ومتانة الشراكات الاقتصادية والإستراتيجية التي تجمع المغرب مع بلدان الاتحاد الأوروبي”.
ويقول متابعون إن هذه الزيارة تدخل في خانة الاستعراض السياسي والدبلوماسي الذي تقوم به بوليساريو بإيعاز من الجزائر، في سبيل إعادة إحياء الأطروحة الانفصالية التي فقدت في السنوات الأخيرة الكثير من جاذبيتها.
وتربط البَلدَان علاقات دبلوماسية واقتصادية جيدة، حيث عبر عدد من المسؤولين الأيرلنديين، في العديد من المناسبات، عن اهتمام بلادهم بتطوير العلاقات مع المغرب، من بينهم السيناتور جيري بيتيمر، رئيس مجلس الشيوخ الأيرلندي، الذي نوه بمستوى العلاقات المتميزة التي تجمع جمهورية أيرلندا والمملكة المغربية، مؤكدا على رغبة بلاده في تطوير هذه العلاقات، خلال المباحثات التي أجراها مع النعيم ميارة، رئيس مجلس المستشارين المغربي، أواخر سبتمبر الماضي، على هامش فعاليات “المؤتمر الأوروبي لرؤساء البرلمانات” الذي نظم بالعاصمة دبلن.
واعتبر نوفل بوعمري المحلل السياسي والخبير في ملف الصحراء المغربية في تصريح لـه أن “هذا الاستقبال يشير إلى وجود تسلل حدث لدولة يُفترض أنها صديقة للمغرب وتجمعها مصالح قوية معه، وهذه المصالح عمدت أيرلندا إلى المساس بها من خلال تخصيص استقبال غالي ومن طرف الرئيس نفسه، لهذا فأيرلندا مطالبة بإعلان موقفها للمغرب بشكل صريح وواضح، لا لبس فيه مادام أن هذه الزيارة لا سياق سياسيا أو أمميا لها، غير تهديد أيرلندا لاستقرار علاقتها بالمغرب وجرها نحو الفتور”.
ورجح بوعمري في تصريح لـه أن “السياق الوحيد لهذه الزيارة هو توالي الأصوات داخل بريطانيا لدفع حكومتها للتعبير عن موقف سياسي داعم للأطروحة المغربية”، موضحا أنه “إذا كان هذا هو السياق فيجب أخذ الموضوع بشكل جدي من طرف الدبلوماسية المغربية والتعامل معه بحزم انسجاما مع ما أعلنه العاهل المغربي الملك محمد السادس من أن الصحراء هي المنظار التي ينظر به المغرب إلى الخارج”.
وبشأن تطوير مواقف الدول الأوروبية بخصوص قضية الصحراء المغربية، اعتبر كريستوف لوكورتيي، سفير فرنسا بالمغرب، الذي تمر بلاده مع المملكة بمرحلة من التوتر في العلاقات تحاول تجاوزها، على معيار المغرب الذي يقيّم علاقته مع دول العالم بناء على موقفها من هذا الملف، قائلا في محاضرة عن علاقات المغرب وفرنسا، نظمها مركز الأبحاث القانونية والاقتصادية والاجتماعية بكلية عين الشق بالدار البيضاء، الجمعة، “هذا موضوع مهم جدا، إذ كيف يمكن أن يكون لنا الطموح الذي نتحدث عنه دون أخذ الاهتمامات الكبرى للمملكة حول الموضوع بعين الاعتبار؟ من الغباء وعدم الاحترام تصور أن نبني ما نطمح إليه حجرا حجرا دون توضيح هذا الموضوع، ودون الاعتراف بالوضع الأساسي للموضوع بالنسبة إلى المغرب، أمس واليوم وغدا”.