منطقة عازلة في سيناء لاستيعاب تهجير محتمل للفلسطينيين
كشفت مصادر أمنية مصرية أن ما يتم من إجراءات لوجستية في شمال سيناء يندرج ضمن الترتيبات “الاحترازية” للتعامل مع جميع السيناريوهات المتوقعة في قطاع غزة؛ فإذا قام الجيش الإسرائيلي باجتياح مدينة رفح جنوب القطاع وتدفق الكثير من اللاجئين لن تستطيع مصر منعهم بالقوة لأسباب إنسانية.
والجمعة قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، إن تدفق لاجئين من رفح إلى سيناء سيكون “كارثيًا بالنسبة إلى الفلسطينيين، خاصة منهم المجبرين على النزوح مرة أخرى، وبالنسبة إلى مصر على كل المستويات. والأخطر أن أزمة اللاجئين الجديدة هي حكم بالإعدام على عملية سلام مستقبلية”.
وأفادت تقارير أميركية بأن السلطات المصرية شرعت في تسييج 20 كيلومترا مربعا قرب الحدود بين شمال سيناء ورفح جنوب غزة، ما عزز تقديرات رددتها منابر إعلامية تابعة لجماعة الإخوان بشأن عملية توطين خفية لسكان غزة، زاعمة أنه جرى التفاهم سرا حول صيغتها بين القاهرة وتل أبيب. ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين مصريين ومحللين أمنيين قولهم إن تسييج المنطقة العازلة يتم في ظل مخاوف من أن يؤدي التوغل العسكري الإسرائيلي في رفح إلى تدفق اللاجئين قسريّا.
وذكر المستشار في الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية التابعة للجيش اللواء حمدي بخيت أن الخطوات المصرية لتأمين الحدود لا تعني القبول بتهجير الفلسطينيين، وأن هناك اقتناعًا بأن اجتياح رفح يضع معاهدة السلام مع إسرائيل على المحك، وكل الخطوات المتخذة حاليا “احترازية ولحماية الأمن القومي”، وكافة المواقف المصرية ترفض السماح بتصفية القضية الفلسطينية، ولا يمكن القول إن هناك موافقة مصرية صريحة أو ضمنية لتهجير سكان غزة إلى سيناء.
ولفت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقع في محظور عدم القدرة على التراجع، فكان هناك حديث عن تهجير الفلسطينيين، ثم تم افتعال أزمة بشأن محور فيلادلفيا، وأخيرا الترويج لاجتياح رفح، والهدف هو “دفع مصر إلى الضغط على حماس كي توافق على تحقيق مصالح إسرائيل”.
وتابع حمدي بخيت “مصر تعمل على حماية أرواح المدنيين في رفح عبر إنشاء منطقة إيواء آمنة داخل قطاع غزة بما يسهم في التخفيف من وطأة الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهها مئات الآلاف من الأشخاص”.
وعملت مصر على تعزيز أمنها على الحدود مع غزة والبالغ طولها نحو 14 كيلومترا، ونشرت عددا كبيرا من جنودها ومركبات مدرعة وزادت الترتيبات في شمال سيناء عقب عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي، وخصصت مساحة حولها سياج ضمن خطط طوارئ، تحسّبا لإمكانية تدفق الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين.
ونفى محافظ منطقة شمال سيناء محمد عبدالفضيل شوشة، الخميس، تقارير تحدثت عن بناء مخيم للاجئين، وقال “النشاط في هذه المنطقة جزء من محاولة لجرد المنازل التي دمرت خلال الحملة العسكرية المصرية الماضية ضد تنظيم داعش في المنطقة”.
لكن “منظمة سيناء من أجل حقوق الإنسان” نشرت مقاطع مصورة قالت إنها لـ”عمليات بناء منطقة أمنية عازلة محاطة بأسوار بارتفاع سبعة أمتار لاستقبال فلسطينيي غزة في وقت لا يتجاوز عشرة أيام”. ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” صورا التقطت عبر أقمار صناعية لمنطقة تم تطهيرها ويتم تسييجها بالقرب من حدود غزة ضمن خطط طوارئ أعدتها الحكومة.
ونقلت وكالة فرانس برس عن مصادر في سيناء قولها إنه يتم تجهيز المنطقة تحسبا لأي خرق لحدود غزة التي حصنتها مصر بجدران إضافية ومناطق عازلة منذ بدء الحرب، وإنه “سيتم تجهيز المنطقة بالخيام” وتسليم المساعدات الإنسانية داخلها.
وأكد الخبير العسكري اللواء عادل العمدة أن “إسرائيل لم تحصل على موافقة مصرية لاجتياح رفح، وكل المعلومات المتداولة بشأن بناء منطقة عازلة في شمال سيناء على الحدود مع غزة غير حقيقية، ورفع درجة الاستعداد في هذه المنطقة جاء للحفاظ على حدود مصر وكي لا تتمكن إسرائيل من فرض الأمر الواقع عليها”.
وشدد على أن مصر “لن تسمح بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو أمر واضح ولا جدال فيه، وانتشار الشائعات حول هذه المسألة هدفه التشكيك في الموقف المصري، والثوابت التي تتمسك بها الدولة منذ بداية الحرب ملتزمة بها إلى حد الآن، في مقدمتها إحباط مساعي التهجير القسري ودعم تدفق المساعدات والتوصّل إلى حل شامل للقضية الفلسطينية وإطلاع المجتمع الدولي بحقيقة ما يدور في غزة ومساندة جهود محاسبة مرتكبي الجرائم بحق المدنيين”.
وقال إن “ترديد الحديث عن تعاون مشترك بين مصر وإسرائيل يرمي إلى الزج بالقاهرة في التحركات الحالية استعداداً لاجتياح رفح”، مضيفا أن “من يروّج تلك الأكاذيب هو آلة إعلامية إسرائيلية تريد التشكيك في الموقف المصري، والتصريحات المختلفة لرأس الدولة تعبر عن الموقف الرسمي للقاهرة الرافض لتصفية القضية الفلسطينية”.
وأشار العمدة إلى أن مصر اشترطت شروطا واضحة للتعامل مع الأزمة، في مقدمتها ضمان حماية المدنيين ورفض جرها إلى الانخراط في التصعيد الراهن، ولديها تقديرات حاسمة، ولن تكشف عن كل أوراقها في التعامل مع الأزمة. وتحدث مسؤولون كبار في مصر أكثر من مرة عن رفض أي عملية تهجير قسري إلى سيناء منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر الماضي، وصدرت تصريحات لاذعة من هؤلاء ضد تخطيط إسرائيل لعملية واسعة هدفها التوطين في سيناء.
وحذّر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرارا من تهجير سكان غزة قسريّا، وتعريض معاهدة السلام التي أبرمتها القاهرة مع إسرائيل في عام 1979 للخطر. كما حذّر مسؤولون آخرون من إمكانية حدوث “نكبة ثانية”، بعد النكبة الأولى التي تم خلالها تهجير أكثر من 760 ألف فلسطيني من أراضيهم عند قيام دولة إسرائيل عام 1948 ولم يُسمح لهم بالعودة.