تسعى النيجر إلى الاستفادة من تنويع شركاتها الإستراتيجية مع المغرب والاهتمام بمبادرة الأطلسي التي أعلنها العاهل المغربي الملك محمد السادس، ما يمهد حسب مراقبين إلى قرب إعلان رسمي محتمل باعترافها رسميا بمغربية الصحراء، خصوصا وأنها لم تعد تنظر إلى الجزائر كشريك فاعل وموثوق بعد الأزمة الأخيرة بين الجزائر ومالي.
تسلم رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، رسالة من رئيس وزارء النيجر مهامان لامين زين، موجهة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، من طرف الجنرال دو بريكاد عبد الرحمان تياني، رئيس المجلس الوطني النيجري، وسط توقعات بأن تساهم في إعلان رسمي محتمل باعتراف نيامي رسميا بمغربية الصحراء واحترام الوحدة الترابية للمغرب.
وعلى الرغم من عدم الكشف عن تفاصيل هذه الرسالة، إلا أنها تؤكد رغبة النيجر في تنويع شراكاتها واستكشاف فرص جديدة، كما تهدف جولة ماهامان لامين إلى مناقشة إمكانيات التعاون في قطاعات مثل الدفاع والأغذية الزراعية والطاقة والمعدات الصحية والنفط، بحسب السلطات في نيامي.
وقالت وكالة أنباء النيجر، إن المباحثات التي أجراها رئيس الوزراء مع المسؤولين المغاربة على رأسهم رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ركزت على قضايا إنشاء تحالف دول الساحل، والانسحاب من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وتنويع الشركاء، والمساهمة في صندوق التضامن الوطني، وإعادة بناء الدولة، والوطنية، والإصلاح السياسي، وعقد اللقاءات الوطنية المقبلة وضرورة دفع المغتربين للاستثمار في القطاعات الواعدة في النيجر.
وقام رئيس وزراء النيجر، مرفوقا بوفد كبير، بزيارة عمل إلى المغرب في الفترة من الاثنين 12 إلى الأربعاء 14 فبراير، ما يؤكد الانخراط المستمر للمملكة في القضايا الجيوستراتيجية لمنطقة الساحل وتطويرا لنفوذها المتزايد.
وقد أثارت المبادرة التي أطلقها الملك محمد السادس في 22 ديسمبر الماضي بهدف تسهيل وصول بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، استحسان مختلف الدول المعنية بها، ما يسمح لدول الساحل بالولوج إلى المحيط الأطلسي، ضمنها النيجر، وسط تأكيد على الأهمية الإستراتيجية التي تكتسيها تلك المبادرة، والتي توفر فرصا كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة برمتها، بما ستسهم فيه من تسريع للتواصل الإقليمي وللتدفقات التجارية ومن رخاء مشترك في منطقة الساحل.
وأكد هشام معتضد، الخبير في العلاقات الدولية والاستراتيجية، أن “المسؤولين بالنيجر واعون بشكل جيد أن المغرب وضع مصالحه الإستراتيجية في المقدمة وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية”، مضيفا أن “النيجر مادامت لم تعترف سابقا بالبوليساريو فمن المرجح أن تكون رسالة الرئيس النيجيري الموجهة للملك محمد السادس، تشدد على دعمها لقضية الوحدة الترابية للمملكة وكذلك التعاون في مختلف الملفات المشتركة خدمة لمصالح البلدين”.
وأكد في تصريح لـه، أن “علاقات المغرب مع السلطات الانتقالية في النيجر لم تتأثر في مضمونها الدبلوماسي والسياسي بالتغيرات الداخلية الأخيرة، حيث يحظى المغرب بسمعة طبية لدى فرقاء الأزمة في النيجر، خصوصا وأنه لم ينتصر لطرف ضد آخر، ولم يتدخل في الشؤون السيادية لهذا البلد، وأن زيارة رئيس وزراء النيجر تؤكد ثقته في الرباط لخلق منصة محادثات تشمل كل الملفات التي تخدم مصالح البلدين من أجل البناء والنهوض بشؤون الدولة وتنمية منطقة الساحل و الصحراء بشكل عام”.
واعتبر هشام معتضد أن “انخراط دول الساحل ومنها النيجر في المبادرة الدولية للملك محمد السادس يمثل اعترافا ضمنيا بالسيادة المغربية على الصحراء، خصوصا وأن نيامي لم تعترف ببوليساريو رغم الضغوط والإغراءات الجزائرية، ما يجعل مهمة إعلان دعم مقترح الحكم الذاتي مسألة وقت، يتم تحديده حسب الحسابات الجارية بين البلدين”.
ويرى خبراء في السياسات الأمنية، أن سلطات النيجر تبحث عن تنسيق أمني مع المغرب في مكافحة الجماعات الإرهابية والهجرة غير النظامية وتجارة المخدرات.
وتزامن حديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن خلق مناطق للتبادل الحر، مع إعلان حكومة نيامي عن زيارة رئيس الوزراء، الذي يحمل أيضا صفة وزير الاقتصاد والمالية، رفقة وفد هام ضم أيضا وزير الدولة المكلف بالدفاع الوطني، ووزير الخارجية، إلى المغرب ولقائه بمسؤولين مغاربة.
وتنظر الجزائر بارتياب لكل مبادرة مغربية نحو تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي والتنموي مع الدول الأفريقية كما تخشى أن تكون مقدمة لاعتراف النيجر بشكل رسمي بسيادة المغرب على صحرائه، إذ في محاولة لمنافسة المبادرة المغربية لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، أعلن الرئيس الجزائري عن إنشاء مناطق للتبادل الحر مع النيجر ومالي.
وتعتمد النيجر مقاربة براغماتية لإنعاش اقتصادها وتبحث عن منافذة موثوقة لخدمة مصالحها، ولم تعد تنظر إلى الجزائر كشريك فاعل وموثوق بعد الأزمة الأخيرة بين الجزائر ومالي حيث يعيش البلدان على وقع علاقات متوترة مع الجزائر، التي تسارع في الوقت الحالي لجذب موريتانيا كورقتها المتبقية للتعزيز النفوذ رغم أن الأخيرة لا تريد المغامرة بعلاقتها مع الرباط، ومواجهة مبادرة الأطلسي المغربية.
ولم ينسق المغرب وراء المواقف الدولية المنددة بالأحداث في جمهورية النيجر في يوليو الماضي، بل شدد على ثقته في حكمة الفرقاء السياسيين بهذا البلد من أجل الحفاظ على المكتسبات
وعلى عكس المغرب الذي اتخذ موقفا حياديا من الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول الساحل، أعلنت الجزائر عن إدانتها لهذه الانقلابات، وسخرت إمكانياتها الدبلوماسية للمطالبة بإعادة الرؤساء المعزولين خصوصا في النيجر ومالي.
واعتبر هشام معتضد، أن “الفرقاء في النيجر على اختلاف توجهاتهم السياسية والأيديولوجية واعون تماما بتقوية العلاقات مع الرباط و يدركون أن الحفاظ عليها وتثبيت محاورها الكبرى والأساسية يمر عبر احترام السيادة الترابية والتوجهات السيادية للقيادة في الرباط، خاصة وأن هذه الأخيرة دأبت على الالتزام بدعم نيامي سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا، لصون وحدتها وتقوية أركانها في إطار الدعم المغربي لشعب ودولة النيجر”.
وفضلا عن التوافقات في وجهات النظر السياسية والأمنية تتنوع استثمارات المغرب الواسعة بالنيجر بين مجالات الفوسفات، والقطاع المصرفي، إلى جانب البنى التحتية والاتصالات، الأمر الذي يجعل استقرار الوضع الأمني بهذا البلد الأفريقي أمرا إستراتيجيا للمملكة، من خلال تقديم شراكة حقيقية مبنية على معادلة رابح-رابح عززتها المبادرة الأطلسية.
وتعتبر مبادرة الأطلسي متنفسا للنيجر، كما هو الحال لدى مالي وبوركينافاسو والتشاد، وحلقة مهمة لتعزيز مبادلاتها التجارية التي باتت تضيق بعد مرحلة الانقلاب والانسحاب من تكتل سيدياو.
وفي السياق ذاته أكدت المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، أمينة بنخضرة، الأربعاء في الرباط، خلال افتتاح القمة الأولى للشباب الأفريقي والأورومتوسطي للجامعة الأورومتوسطية بفاس، أن “المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي تحمل طموحا أفريقيا من أجل نسج روابط اقتصادية وثقافية أقوى مع القارة الأفريقية برمتها”.