تطورات الساحل الأفريقي ترهن مستقبل شراكة الجزائر مع الأتراك والروس

خفضت الجزائر تمثيلها في الحوار السياسي مع تركيا وروسيا إلى مستوى الأمين العام لوزارة الخارجية، وهو مستوى دبلوماسي لا يعكس العلاقات الثنائية، الأمر الذي يترجم عدم رضا جزائري عن الدور الذي باتت تلعبه أنقرة وموسكو، في منطقة الساحل الأفريقي، خاصة مالي، دون مراعاة مصالح الجزائر ودورها في المنطقة.

وافتقدت دورتا المشاورات السياسية المبرمة بين الجزائر وكل من روسيا وتركيا إلى الزخم الإعلامي والتسويق السياسي، عكس المواعيد السابقة، خاصة زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى موسكو وأنقرة، وهو ما يشير إلى أن تطورات الوضع في منطقة الساحل الأفريقي قد ألقت بظلالها على علاقة الجزائر مع شريكيها، بعد ثبوت استقواء حكام باماكو بالروس والأتراك، من أجل فرض واقع جديد من دون الدور الجزائري التقليدي، والذي تكرس في وقف العمل باتفاق السلم والمصالحة في مالي الذي ترعاه الجزائر منذ عام 2015.

ورغم طبيعة الحوار السياسي غير الملزمة والاكتفاء بتبادل الآراء ووجهات النظر في مختلف القضايا والملفات ذات الاهتمام الثنائي والإقليمي، شكل الوضع في منطقة الساحل منعطفا حاسما بالنسبة إلى الجزائر، بعد تحولها بإيعاز من قوى نافذة إلى وسيط غير مرغوب فيه، مقابل تنامٍ غير مسبوق للدورين الروسي والتركي، خاصة في المجال العسكري واللوجستي.

تطورات الوضع في منطقة الساحل أثرت على علاقة الجزائر مع أنقرة وموسكو، بعد استقواء مالي بالروس والأتراك

وسمحت الاتفاقيات المبرمة في الآونة الأخيرة بين المجلس العسكري الحاكم في مالي مع كل من روسيا وتركيا، لتزويده بمعدات عسكرية ووحدات بشرية من مجموعة فاغنر، بإسقاط المدن والمناطق التي كانت تمثل قلاعا خلفية للحركات الأزوادية المسلحة، ونقل الحملات الميدانية إلى المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية، بدعوى ملاحقة التنظيمات المسلحة المتمردة والمجموعات الإرهابية، وهو ما يضع عبئا جديدا على عاتق وحدات الجيش الجزائري المرابطة على الشريط الحدودي.

وأمام المعطيات المستجدة اكتفت الجزائر بإيفاد الأمين العام لوزارة الخارجية وناس مقرمان إلى موسكو وأنقرة للإشراف مع نظرائه على دورتي الحوار السياسي، بينما تفرغ وزير الخارجية أحمد عطاف لأجندة إقليمية وقارية، الأمر الذي ينطوي على رسالة تتضمن عدم رضا الجزائر عن نوعية المواقف المستجدة واكتفائها باحترام المواعيد المسطرة بين الطرفين.

وأكدت تقارير تركية أن البلدين أكدا في جلسات الحوار السياسي على “تطابق وجهات النظر إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك، خصوصا ما تعلق بالقضية الفلسطينية (…) وعلى إرادتهما المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون بين البلدين في شتى المجالات، واستكمال المشاريع وأنشطة التعاون والشراكة المسجلة على أجندة التعاون الثنائي”.

وكان السفير التركي في الجزائر محمد مجاهد كوتشوك محل استقبال من رئيس الوزراء محمد نذير العرباوي، واكتفى بيان رئاسة الوزارة بالقول “أعرب الجانبان عن ارتياحهما للعلاقات المتميزة القائمة بين البلدين مع استعراض مختلف أوجه التعاون الثنائي، لاسيما في إطار تنفيذ مخرجات الاجتماع الثاني لمجلس التعاون رفيع المستوى الذي انعقد بالجزائر في نوفمبر الماضي، تحت رئاسة قائدي البلدين”.

وأوضح أن “ذلك يستهدف المضي قدما نحو تجسيد الرؤية الإستراتيجية للعلاقات الثنائية التي رسمها الرئيسان عبدالمجيد تبون ورجب طيب أردوغان”.

pp

وغاب الوضع في منطقة الساحل الأفريقي، وخاصة في مالي، عن محتوى البيان، ما يوحي بأن البلدين في حالة خلاف واضح بشأن المسألة، ولم يستبعد مراقبون أن تكون لقاءات المسؤولين قد تخللتها تساؤلات جزائرية تستفسر الأتراك عن مقاربتهم في المنطقة التي لم تراع الدور الجزائري.

والاثنين الماضي أجرى مقرمان زيارة إلى تركيا لترؤس الدورة الأولى للمشاورات السياسية الجزائرية – التركية على مستوى الأمناء العامين لوزارات الخارجية بأنقرة، مناصفة مع نظيره التركي أحمد يلديز. وذكرت برقية لوكالة الأنباء الرسمية الجزائرية أن “مقرمان تبادل مع نظيره التركي وجهات النظر حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”، ولم تقدم أي تفاصيل أخرى.

والوضعية نفسها تخيم بظلالها على العلاقات الجزائرية – الروسية، بشأن الوضع في المنطقة، في ظل التمدد الروسي المتنامي في دول الساحل. واكتفى البلدان بعد أشهر من الفتور، التي ميزها عدم قبول مجموعة بريكس انضمام الجزائر في الصيف الماضي رغم التطمينات التي تلقتها من طرف الروس والصينيين، بعقد الدورة الأولى من المشاورات السياسية الجزائرية – الروسية أيضا.

وترأس الدورة مناصفة مقرمان، مع مبعوث الرئيس الروسي الخاص للشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.

ولم تتعد حدود الدورة سقف تفعيل مضامين إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمقة الموقع في موسكو، بمناسبة زيارة الدولة التي قام بها الرئيس تبون إلى روسيا في يونيو الماضي، وتمحورت حول سبل تعزيز التعاون الثنائي وترقيته في شتى المجالات، وتبادل وجهات النظر حول مستجدات المسائل الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: