مبادرة الطريق إلى الأطلسي للنهوض بدول الساحل

مؤخرا برزت إلى الوجود تحولات جديدة على المستوى الأفريقي وتطلعات وآمال في التنمية الاقتصادية، وتجاوز الأزمات السياسية إلى ما هو تنموي، وفتح آفاق الرفاه الاقتصادي لشعوب المنطقة، وهو ما وظفه المغرب الشريك الأفريقي الرائد في المنطقة لتجاوز الإكراهات الإقليمية والطبيعية وتولي مهمة طرح عرض الانفتاح الاقتصادي لدول الساحل من خلال مبادرة العاهل المغربي بتاريخ 6 نوفمبر في خطاب المسيرة الخضراء تحت عنوان “إطلاق مبادرة على المستوى الدولي تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي”، مؤكدا على عمقه الأفريقي وأن المغرب مستعد لوضع البنية التحتية وشبكات الطرق والموانئ والسكك الحديدية رهن إشارة هذه الدول الشقيقة، إيمانا منه بأن هذه المبادرة ستشكل تحولا جوهريا للمغرب ودول المنطقة، مؤكدا كذلك على البنية التحتية لدول الساحل، والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي.

المبادرة التي يراهن عليها المغرب لفتح الواجهة الأطلسية أمام دول الساحل الأفريقي المعزولة عن البحر، تأتي من إيمانه بأهمية النوافذ البحرية كضامن لرفع المردود الاقتصادي والتنموي وعلاج للاستقرار السياسي في هذه البلدان.

◙ مبادرة الطريق نحو الأطلسي، أو طريق الملح الجديدة كما أسميها، تعد أعظم استثمار أفريقي وتحد اقتصادي تعرفه المنطقة، الذي سيكون له ما بعده

ويرجع الخبراء المبادرة إلى الرهان الذي دخل فيه المغرب منذ سنوات، وذلك برجوعه إلى وسطه الأفريقي من خلال العودة إلى حضن الاتحاد الأفريقي والانخراط بقوة في هياكله ومشاريعه وتطلعات شعوب أفريقيا. ولعل أبرز ما يبين تقاسم المغرب تطلعات الشعوب الأفريقية، خصوصا بلدان الساحل، هو حرص المغرب على فتح أبواب التنمية والاستثمار والفرص الاقتصادية من خلال مبادرة الطريق نحو الأطلسي، وتقديم بلدان منطقة الساحل على أنها دول ذات طموح، والقطع مع فكرة أنها مرتع للإرهاب وعدم الاستقرار السياسي، إضافة إلى تأمين مبادرة خط أنابيب الغاز المغرب – أفريقيا، وهو ما يفتح الباب أمام هيكلة جديدة أو مشروع اندماج جهوي جديد من خلال المبادرة.

وبالرجوع إلى الواقع الجغرافي والجيوسياسي لبلدان الساحل التي تضم كلا من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، البلدان التي تعتبر حبيسة غير مطلة على البحر وتعتمد على موانئ الدول المجاورة، فإن الانفتاح على الواجهة الأطلسية من خلال ربطها بالموانئ وبالطرق البحرية يعد رهانا يعول عليه في تنمية هذه البلدان، فمثلا تبعد دولة تشاد عن ساحل المحيط الأطلسي مسافة تزيد عن ثلاثة آلاف كيلومتر بخط مستقيم، وتفصل النيجر عن الساحل مسافة تتجاوز الألفي كيلومتر. وبهذا، لا تقع أي من هذه الدول بشكل كامل ضمن منطقة الساحل، حيث تمتد أوسع أجزائها في كل من النيجر ومالي. ومن هنا تبرز دلالة أن تضم المبادرة المغربية هذه الدول الأربع فقط في منطقة الساحل.

إضافة إلى رهان الولايات المتحدة على ريادة المغرب للواجهة الأطلسية ورسم خارطة جديدة للتحولات الجيوسياسية بالمنطقة، والقطع على التوسع الروسي في منطقة الساحل، حيث ترفض الولايات المتحدة بشكل قاطع التواجد الروسي في الواجهة الأطلسية الأفريقية، إضافة إلى وضع خارطة طريق لمحاربة الجماعات المتطرفة والحد من الإضرابات السياسية. أضف إلى ذلك تأمين خط أنابيب الغاز المغرب – نيجيريا الذي أصبح رهانا أوروبيا – أفريقيا تعدى في متطلباته التطلعات المغربية – النيجيرية ليصبح مطلبا أوروبيا مع توقف إمدادات الغاز الروسية ومحدودية المصادر الأخرى.

وفي الردود الرسمية لبلدان الساحل كان مؤتمر مراكش بتاريخ 23 ديسمبر 2023، الذي شهد توقيع اتفاق يحمل في طياته موافقة مبدئية على تفعيل الرؤية الملكية المغربية، وذلك بحضور رسمي لوزراء كل من مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، والذي من خلاله تم الاتفاق على إنشاء فرق عمل وطنية لدراسة كيفية وسبل تنفيذ الاتفاق والرؤية الملكية. وفي تصريح لوزير خارجية مالي أكد أن وهب الماء هو وهب الحياة، وأكد وزير الخارجية المغربي أن التحديات التي تواجهها دول الساحل يواجهها المغرب من خلال بعده الإقليمي ومحيطه الأفريقي، في إشارة واضحة إلى أن التنمية الأفريقية تحتاج إلى عمل جماعي وقوة عمل إقليمية حازمة.

◙ المبادرة التي يراهن عليها المغرب لفتح الواجهة الأطلسية أمام دول الساحل الأفريقي المعزولة عن البحر، تأتي من إيمانه بأهمية النوافذ البحرية كضامن لرفع المردود الاقتصادي والتنموي في هذه البلدان

هذا كله يبرز أهمية عمل المغرب في تسويق سياسات عمومية على مستوى دولي، كسبيل لمساعدة الدول الأفريقية وتوظيف المحيط الأطلسي كإطار جديد للعمل، حيث يراهن المغرب على الاقتصاد والاستثمار لتقوية علاقاته مع دول القارة الأفريقية.

بناء على ما سبق، فإن المبادرة المغربية تقدم فرصة لتنويع مسارات التجارة الخارجية وطرق الاستيراد والتصدير لهذه الدول التي تعاني أصلا من حصار جغرافي، فاتحة الطريق أمام أكبر مناطق الموارد الطبيعية من ذهب ويورانيوم ونفط للمزيد من فرص التعدين، وهو ما قد يرفع ميزان الصادرات والإيرادات لهذه الدول بنسبة 40 في المئة، مما سيكون له تأثير إيجابي على دول المنطقة.

أضف إلى ذلك نتائج المبادرة على الاستثمارات الأجنبية التي سترى في المبادرة فرصة سانحة لدخول أرض بكر وسوق جديد يضم قرابة 100 مليون شخص.

وللاستفادة من هذه المبادرة يجب التغلب على تحديات عدة منها تطوير البنية التحتية لهذه البلدان. وأخيرا، مبادرة الطريق نحو الأطلسي، أو طريق الملح الجديدة كما أسميها، تعد أعظم استثمار أفريقي وتحد اقتصادي تعرفه المنطقة، الذي سيكون له ما بعده.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: