سيطرة الجيش المالي على مناطق الطوارق تقلص مسافة الأمان الإستراتيجية للجزائر
تشكل سيطرة الجيش المالي على عدد من المدن التابعة للمتمردين الطوارق تقليصا لمسافة الأمان الإستراتيجية الجزائرية، التي كانت تحتفظ بها في المنطقة من أجل حماية حدودها الجنوبية، لاسيما بعد اقتراب العمليات العسكرية للجيش المالي لأول مرة من الحدود المذكورة.
ويدفع تحالف الحركات الأزوادية المسلحة إلى التمرد العسكري على الأمر الواقع الذي يريد الجيش المالي المدعوم من مجموعة فاغنر الروسية فرضه، وذلك من خلال عدة خطوات اتخذها الإطار الإستراتيجي الدائم، كإنهاء الحصار على الطرق من الحدود الجزائرية إلى مدينتي تمبكتو وغاو، بما يعطي انطباعا على تمسك التحالف بالدفاع عن الإقليم.
تأتي خطوات الإطار الإستراتيجي الأزوادي بالموازاة مع العمليات العسكرية الميدانية المتوسعة للجيش المالي، والتي وصلت إلى مشارف الحدود الجزائرية، كما أعادت سيطرة الحكومة المركزية على مدن شمالية كانت تمثل إلى غاية مغادرة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة ومتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) الأراضي المالية خلال الأسابيع الماضية، قلاعا خلفية للتنظيمات الأزوادية، وفق ما نص عليه اتفاق الجزائر المبرم عام 2015 بين حكومة باماكو والفصائل المسلحة المتمردة.
◙ الاستياء من التدخل الجزائري في الشؤون الداخلية لمالي مازال يخيم على البلاد وهو ما تعكسه وسائل الإعلام المحلية
ويعتبر هذا التطور تقليصا لمسافة الأمان الإستراتيجية التي ظلت الجزائر تحتفظ بها منذ ستينات القرن الماضي، ثم تجددت خلال حقبة التسعينات، حيث كانت حاضرة في كل خطوات التهدئة بين الطرفين، قبل أن تتمكن عام 2015، بدعم المجموعة الدولية والأمم المتحدة من إقناع الحكومة والمتمردين بإنجاز اتفاق ينهي الصراع المسلح ويحافظ على وحدة مالي، ويحفظ لسكان الإقليم مطالبهم في الحكم الذاتي.
غير أن الإعلان المفاجئ من طرف المجلس العسكري الحاكم في مالي عن إنهاء العمل بالاتفاق المذكور، وتوجيه اتهامات للجزائر بـ”رعاية الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لمالي”، شكلا منعطفا خطيرا في المقاربة الجزائرية حول التعاطي مع مالي ومع منطقة الساحل عموما، خاصة وأن بوادر الانفجار الأمني باتت غير بعيدة على الحدود الجنوبية للبلاد، الأمر الذي يشكل عبئا ثقيلا للسلطات العسكرية لتأمين الإقليم من ارتدادات أي مواجهة مباشرة بين الطرفين، فضلا عن الانعكاسات الأمنية والإستراتيجية الأخرى في ظل التضاريس الجغرافية الخاصة بالمنطقة.
وتوحي التطورات الميدانية في الجهة المقابلة للتراب الجزائري بعزم الجيش المالي على تطويع الحركات المسلحة المتمردة، وإعادة مدن ومناطق الشمال إلى السيادة المركزية في باماكو، وهي خطوة لم تشهدها مالي منذ التسعينات حيث ظلت الجزائر تتمتع بنفوذ على الإقليم وهو ما يمثل مسافة أمان بينها وبين البلد المجاور.
وأعلن الإطار الإستراتيجي الدائم أنه “أنهى بالكامل الحصار على الطرق من الحدود الجزائرية إلى مدينتي تمبكتو وغاو”، وهو ما يسمح بالحركة على الخط المذكور والاستعداد للدفاع عن المدن والمعاقل الخلفية للأزواديين، ورفضهم للأمر الواقع الذي يريد الجيش المالي فرضه عليهم.
وصرح المتحدث باسم الإطار الإستراتيجي الدائم ألمو أغ محمد بأن “الهدف من الحصار كان خنق إدارة المجلس العسكري وإظهار أن القوات المسلحة المالية لا تسيطر على الكثير من المناطق خارج المدن الكبرى. ويهدف رفع الحصار إلى التخفيف عن السكان والتجار الذين تأثروا كثيرا بالقرار”.
وأشادت وسائل إعلام مالية بالمكاسب العسكرية التي حققها الجيش المالي في إقليم الشمال، وإعادة مدن تمبكتو وغاو وكيدال إلى السيادة المركزية، فضلا عن محاربة الإرهاب، واعتبرت ذلك إنجازا يحفظ للبلاد وحدتها وسيادتها.
ومازال الاستياء من التدخل الجزائري في الشؤون الداخلية لمالي يسيطر على الجو العام في البلاد وهو ما تعكسه وسائل الإعلام المحلية وشبكات التواصل التي لم تتوقف عن اتهام الجزائر بـ”التدخل الأجنبي” و”رعاية الإرهاب وتهديد الوحدة الوطنية”، حيث ذكر موقع “مالي ويب” أن “الجار الجزائري كشف عن حقيقته”، في إشارة إلى اللقاء الذي جمع حركات أزوادية مؤخرا في الجزائر، واستقبال رجل الدين المناهض للنظام القائم محمد ديكو، من طرف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.
وكان المجلس العسكري الحاكم في مالي قد أعلن نهاية الشهر الماضي إنهاء العمل بـ”اتفاق الجزائر للسلام” مع حركة الأزواد والجماعات الانفصالية في شمال البلاد، والموقع في 2015، فيما أعربت الجزائر عن أسفها للقرار، مشددة على أن أسباب الانسحاب “لا تتطابق مع الواقع”.
وقالت السلطات العسكرية في بيان بثه التلفزيون الرسمي إنه لم يعد من الممكن الاستمرار في الاتفاق بسبب “عدم التزام الموقعين الآخرين بتعهداتهم”، وما وصفته بـ”الأعمال العدائية التي تقوم بها الجزائر”، الوسيط الرئيسي في الاتفاق.