أزمة المياه في المغرب تستعجل مراجعة شاملة لسياسية المائية والزراعية
مع تجدد الجفاف للعام السادس تواليا يطرح النقاش مجددا في المغرب حول فاعلية السياسة الزراعية المعتمدة في المملكة منذ 15 عاما والتي تستهدف بالأساس رفع الصادرات من خضروات وفواكه تستهلك حجما كبيرا من المياه، بينما تشهد الأخيرة “تراجعا مطلقا” كما ينبه الخبير الزراعي محمد طاهر سرايري.
لكن مواجهة المعضلة “يتطلب مراجعة السياسة الزراعية في العمق”، كما يؤكد الخبير عبدالرحيم هندوف الذي عبر عن أسفه “لكون الحكومة تسير في اتجاه مخالف للواقع”.
ويستدعي الوضع الراهن مراجعة شاملة وعاجلة للسياسة المائية في المملكة وتدارك الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها حكومتا العدالة والتنمية بقيادة كل من عبدالاله بنكيران وسلفه سعدالدين العثماني طيلة عشرية تولى فيها الإسلاميون السلطة في المملكة.
وتقدر حاجات المغرب من المياه بأكثر من 16 مليار متر مكعب سنويا، 87 بالمئة منها للاستهلاك الزراعي، لكن موارد المياه لم تتجاوز نحو 5 ملايين متر مكعب سنويا خلال الأعوام الخمس الأخيرة.
وتراهن المملكة على تحلية مياه البحر لمواجهة هذا العجز وتخطط لبناء سبع محطات تحلية جديدة بنهاية 2027 بطاقة إجمالية تبلغ 143 مليون متر مكعب سنويا، فيما تتوافر حاليا 12 محطة بطاقة إجمالية تبلغ 179.3 مليون متر مكعب سنويا، وفق معطيات رسمية.
ويُواجه المغرب أزمة مياه بسبب سنوات متتالية من الجفاف، وهي الأزمة التي حمل سياسيون تراكمها لحزب العدالة والتنمية الذي قاد الحكومة في مناسبتين وهي المتهمة بأنها أهدرت سنوات من الحكم دون الاستثمار في تنفيذ برنامج بناء السدود والحفاظ على المخزون المائي.
ويُراهن المغاربة على تساقطات مطرية خلال هذا السنة لإنقاذ الموسم الزراعي وتخفيف الأعباء المالية التي انجرت عن ارتفاع أسعار مشتقات الحبوب والأعلاف، بينما اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات في مواجهة حالة الإجهاد المائي.
وحتى يناير شهدت المملكة تراجعا في تساقط الأمطار بـ57 في المئة مقارنة مع متوسط سنة عادية، وفق ما أوضح وزير التجهيز والماء نزار بركة.
وتفاقم هذا الوضع بسبب تبخر المياه المخزنة في السدود، في ضوء ارتفاع في معدل الحرارة بـ1.8 في المئة مقارنة مع متوسط الفترة بين العامين 1981 و2010. وحتى الثامن من فبراير لم تتجاوز نسبة ملء السدود 23 في المئة، مقابل 32 بالمئة للفترة نفسها من العام الماضي.
وفي ظل مخاطر شح مياه الشرب قامت السلطات بإغلاق الحمامات العمومية ومحال غسل السيارات لثلاثة أيام في الأسبوع في عدة مدن، مع منع سقي الحدائق وملاعب الغولف بمياه الشرب.
لكن هذه الإجراءات الرامية لضمان مياه الشرب لا تغير شيئا من “الخطر الذي يهدد” مردود الموسم الزراعي الحالي، وفق تعبير الخبير في القطاع عبدالرحيم هندوف، بينما يستهلك قطاع الزراعة حصة الأسد من موارد البلاد المائية.
وينبه هندوف إلى أن هذا الموسم انطلق أصلا بتضاؤل المساحة المخصصة لزراعة الحبوب إلى حوالي 2.3 مليون هكتار فقط، مقابل متوسط 4 إلى 5 ملايين هكتار في الأعوام الأخيرة، الأمر الذي “سيكون له أثر وخيم على الاقتصاد” إذ يوظف القطاع الزراعي نحو ثلث العاملين في المغرب ويساهم بنحو 14 بالمئة من الصادرات.
وبعد خمس سنوات عجاف كان عبدالرحيم محافظ (54 عاما) يأمل سماء أكثر سخاء هذا الموسم لعله يستدرك ما تراكم من خسائر وخصوصا أنه اعتمد تقنية جديدة لزرع البذور بدون حرث أولي، ما يمكنه من الاستفادة من الرطوبة الطبيعية للتربة.
لكن “محصول هذا الموسم ضاع سلفا” كما يقول آسفا، بدون أن يفقد “الأمل في تساقط الأمطار خلال فبراير/شباط ومارس/آذار بما يوفر على الأقل علفا للماشية”.
ويحتفظ المزارع عبدالرحيم محافظ بقليل من الأمل في تساقط أمطار تنقذ ما يمكن إنقاذه من محصول الحبوب، في ظل جفاف “عنيف” للعام السادس تواليا، يهدد هذا القطاع الحيوي للاقتصاد المغربي.
وعلى طول الطريق الرابطة بين الدارالبيضاء ومزرعته في ضواحي مدينة برشيد (غرب) تبدو مساحات شاسعة من الحقول عارية، بعدما كانت تغطيها عادة في هذه الفترة من العام “سنابل حبوب تناهز 60 سنتيمترا”، كما يوضح محافظ.
ولا يكاد يبرز أي نبات في مزرعته الممتدة على نحو 20 هكتارا، تماما كما هي الحال في حقل المزارع حميد ناجم (52 عاما) الذي يعرب عن قلقه إزاء “موسم قاس لم يسبق أن شهدت مثله”.
وترتوي 88 بالمئة من مزارع هذه المنطقة الممتدة على 155 ألف هكتار بالأمطار مباشرة، وهي أحد أهم مصادر الحبوب في المملكة، وفق وزارة الزراعة.
أما المزارع المسموح سقيها بمياه السدود فتراجعت مساحتها من 750 ألفا إلى 400 ألف هكتار في مجموع مناطق البلاد، وفق ما أعلن وزير الزراعة محمد صديقي قبل أسبوعين، بسبب “جفاف استثنائي وعنيف منذ ستة أعوام”.
ويبدو الوضع أقل قسوة بالنسبة لكبار المزارعين، كما هو شأن حميد مشعل الذي يمكنه الاعتماد على المياه الجوفية لإنقاذ محصول 140 هكتارا من الحبوب والجزر والبطاطا، في ضواحي مدينة برشيد.
ويستفيد مشعل من حصة محددة بخمسة آلاف طن من المياه يتم ضخها من باطن الأرض لكل هكتار “من أجل تدبير أفضل” لهذه المادة الحيوية كما يوضح، مع إقراره بأن هذه الزراعة تشكل ضغطا قويا على الثروة المائية المحلية.
وبسبب الجفاف صار مضطرا إلى اللجوء للمياه الجوفية لسقي نحو 85 بالمئة من مزرعته، “بينما كانت تكميلية فقط في السنوات الماطرة”.