غياب المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة يساهم في ارتفاع الفكر المتطرف في أحياء العاصمة البلجيكية
قال ألكسندر ماندال الذي أعد تحقيقا للأسبوعية الفرنسية ‘لوجورنال دوديمانش، تحت عنوان “بروكسل عاصمة أوروبا للإسلام السياسي”، إن الديكور في بعض أحياء العاصمة البلجيكية لم يتغير بعد مرور ثماني سنوات على هجمات باتاكلان في باريس.
وأشار إلى وجود مكتبات لبيع الكتب التي تهتم بتطبيق الشريعة في الغرب ومنها كتب الراحل يوسف القرضاوي الذي يعتبر من كبار المنظرين للإسلام السياسي والذي يوصف بأنه الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين والذي كان له تأثير كبير من على منبر قناة الجزيرة القطرية وغيرها من المنابر، في الترويج لمشروع تمكين الإخوان.
وأشار إلى وجود متاجر لبيع الملابس الشرعية الإسلامية وبعض الاكسسوارات الدينية المصنوعة في الصين، وهي من المظاهر التي تميز بروكسل عن غيرها من العواصم الأوروبية والتي تعكس في جانب منها وجود بيئة خصبة لتشكل تيارات متشدد دينيا تستفيد من هامش حرية واسعة وقوانين تحمي التنوع الديني والعرقي.
وكان القرضاوي قد طرح عدة فتاوى مثيرة للجدل خلال ثورات ما يعرف بالربيع العربي، اعتبرت تحريضية على “أولي الأمر” ضمن سياقات لم تخرج عن نظرية الفوضى التي كانت من أدبيات تنظيم الإخوان المسلمين. وكان قد قال إن “ثورات الربيع العربي خرجت من تحت عباءتي”
ونقلت الأسبوعية الفرنسية عن حميد بنيشو ضابط الشرطة السابق في المنطقة الشمالية لبروكسل، أن الشباب المتطرفين دينيا أو من التيار السلفي “يبدون أكثر اعتدالا فقد اختفت بعض المظاهر الدينية حيث أُستبدل القميص بالبدلة الرسمية وربطة العنق وأصبحوا نوعا ما من الطبقة الارستقراطية، لكن لا أحد يعلم إذا تغيرت الأفكار أو لا”.
وجاء التحقيق في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط اضطرابات جيوسياسية تتصدرها حرب غزة التي ارتفع معها منسوب الكراهية ووتيرة التهديدات في الخارج مع اصطفاف القوى الغربية مع إسرائيل التي تشن منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعنف هجوم على القطاع الفلسطيني ردا على هجوم شنته حركة حماس في بدايات الشهر ذاته.
وتغاضت الدول الغربية في دعمها لإسرائيل عما يرتكب من مجازر في القطاع بدعوى “حق الدفاع عن النفس” لكن حصيلة القتلى من المدنيين الفلسطينيين التي اقتربت من عتبة 30 ألف قتيل وعشرات آلاف المفقودين والجرحى، أحرجت تلك القوى التي باتت تبحث اليوم عن مخرج ينهي أسوأ عملية إبادة جماعية.
وحالة التطرف الكامن في بروكسل لم تكن صدفة أو وليدة تداعيات حرب غزة، فالعصمة البلجيكية بات ينظر لها منذ سنوات على أنها تشكل قاعدة خلفية للتشدد الديني مع وجود أحياء تقطنها غالبية مسلمة، انتشر فيها الفكر المتطرف.
وفي مارس 2022 طلبت الحكومة البلجيكية التحقيق في وجود الإخوان المسلمين في بلجيكا ضمن تحقيقات أوروبية أوسع عن تغلل الإخوان في النسيج المجتمعي الأوروبي وتأثيراتها كتنظيم على الشباب في عدة مناطق.
وكانت هيئة الأمن الوطني البلجيكية قد حذرت في تقريرها السنوي، من أن “فكر الإسلام السياسي خاصة التركي يمثل تهديدا لبلجيكا. وقال التقرير الذي صادر في يوليو/تموز 2021 “التطرف الديني وبشكل خاص التيار المدخلي والإسلام السياسي التركي والإخوان المسلمين، يمثلون التهديد الأول بالنسبة لبلجيكا”، موضحا أن “التيار المدخلي التابع للفكر السلفي يشهد انتشارا واسعا في بلجيكا “بشكل مقلق”.
واهتمت عدة مراكز أبحاث منها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، بهذه الظاهرة. ونشر المركز تقريرا مطولا تحت عنوان ملف: الإسلام السياسي في أوروبا ومعضلة الحد من أنشطته/ الإسلام السياسي تهديد لبلجيكا.
وسلط تقرير الأسبوعية الفرنسية الضوء على وضع بروكسل بعد نحو ثماني سنوات على هجمات باتاكلان الإرهابية في باريس والتي شكلت أحد أحياء العاصمة البلجيكية، قاعدة خلفية لمدبري الاعتداءات والتخطيط لها.
وتعرضت باريس في 2015 إلى سلسلة هجمات إرهابية منسقة شملت عمليات إطلاق نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن تحديدا في الدائرة العاشرة والحادية عشرة في مسرح باتاكلان وشارع بيشا وشارع أليبار وشارع دي شارون.
واستهدفت حينها ثلاث تفجيرات انتحارية محيط ملعب فرنسا في ضاحية باريس الشمالية في سان دوني بالإضافة لتفجير انتحاري آخر وسلسلة من عمليات القتل الجماعي بالرصاص في أربعة مواقع.
اقتحم مسلحون مسرح باتاكلان وأطلقوا النار بشكل عشوائي واحتجزوا رهائن ومن ثم داهمت الشرطة المسرح وأنهت عملية الاحتجاز بعد تفجير ثلاثة من المهاجمين أنفسهم. وأسفرت الهجمات عن مقتل 130 شخصا، 89 منهم كانوا في مسرح باتاكلان. وجرح 368 آخرين، بينما لقي سبعة من المهاجمين حتفهم، في حين واصلت السلطات البحث عن أي من المتواطئين معهم.
وتعتبر تلك الهجمات الأكثر دموية في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية والأكثر دموية في الاتحاد الأوروبي منذ تفجيرات قطارات مدريد عام 2004.
ووصل المحققون الفرنسيون لنتيجة أن الهجمات الدامية قد تم تحضيرها خارج فرنسا، وسريعا مع التفتوا نحو بلجيكا التي اعتبروها قاعدة خلفية للانتحاريين الإرهابيين. وفي 16 نوفمبر، بدأت سلسلة من عمليات المداهمة في حي مولينبيك في العاصمة بروكسل وذلك للبحث أساسا على صلاح عبدالسلام الذي استأجر سيارة بولو سوداء أقلت الإرهابيين لمسرح باتاكلان. في نفس اليوم، اتهم اثنين من المشتبه بهم بالإرهاب، من بينهم مالك السيارة التي استأجرها صلاح عبدالسلام.
واتضح أن بعض الإرهابيين الإسلاميين المقيمين في بلجيكا لم يكونوا معروفين من قبل الاستخبارات الفرنسية، لكن كانوا معروفين من قبل نظيرتها البلجيكية، بينما لم يجر تبادل للمعلومات بين أجهزة البلدين حول هذه المجموعة الإرهابية. وتم فتح تحقيق في هذا الغرض من قبل لجنة برلمانية وحكومية.