دخل حزب الأصالة والمعاصرة المغربي المشارك في الحكومة مرحلة إعادة هيكلة داخلية لتجاوز المشاكل التنظيمية في عهد أمينه العام عبداللطيف وهبي، وتداعيات ملف “إسكوبار الصحراء” الذي يتابع فيه قياديين بارزين بتهم الاتجار في المخدرات.
ويأتي ذلك، بعد إعلان عبداللطيف وهبي مغادرته لقيادة الحزب، بإعلانه رسميا، الجمعة، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الخامس للحزب عدم الترشح لولاية ثانية على رأس القيادة.
وصادق أعضاء الأصالة والمعاصرة، السبت، في المؤتمر الذي ينعقد بمدينة بوزنيقة أيام 9 و10 و11 من فبراير الجاري، على تعديلات جوهرية تتعلق بالنظام الأساسي للحزب، وعلى رأسها تعديل يتعلق بالأمانة العامة إلى جانب مجموعة من مواد النظام الأساسي بعد نقاشات مطولة، حيث تقرر اعتماد “القيادة العامة الجماعية”.
وتتكون اللجنة من رئيسة المجلس الوطني فاطمة الزهراء المنصوري ومهدي بنسعيد و ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر سمير كودار، وتهدف هذه الصيغة إلى ضمان حكامة تدبير شؤون التنظيم السياسي لحزب الأصالة المعاصرة خلال الأربع سنوات المقبلة.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية رشيد لزرق، أن “هذه الصيغة التنظيمية ستساهم في تجاوز سلبيات المرحلة، والحفاظ على فكرة الأصالة والمعاصرة كمشروع فكري سياسي وطني، وحاجة مجتمعية لا محيد عنها”، مشيرا إلى أن “المؤتمر الخامس يجب أن يكون محطة للنقد الذاتي الرصين وللنقاش الأيديولوجي الجريء، على اعتبار أن سقف المواجهة المرفوع يفرض الوعي الجمعي بخطورة الاندثار التنظيمي لمشروع الحزب في هذه الظرفية السياسية الراهنة بالمغرب”.
وأكد ، أن “تداعيات ما يعرف بملف ‘إسكوبار الصحراء’ فرصة لتحضير الأرضية للقيادة القادمة بغاية التعامل بجرأة مع التحديات المطروحة والقيام بعملية التطهير الذاتي”.
واعتبر رشيد لزرق أن “سقف المواجهة المرفوع يفرض على المؤتمر الخامس إفراز حركة مجتمعية حقيقية وبوجوه قيادية وأجندة واضحة من منطلق عملية التطهير الذاتي، كي يصل إلى قفزة حزبية حداثية، قوامها إدماج القوى المدنية الحية داخل البنية الحزبية، من أجل الترافع السياسي والتدافع السلمي في مواجهة تنظيمات التيار الرجعي”.
وأحدثت متابعة أسماء قيادية في صفوف الحزب ضمن القضية التي هزت الرأي العام الوطني، صدمة كبيرة داخل التنظيم السياسي، حيث اتهم أحد أعضاء المجلس الوطني للحزب، خلال جلسة مناقشة التقارير المالية والأدبية، القيادة بترك سعيد الناصري، القيادي ورئيس نادي الوداد البيضاوي، المعتقل الأبرز في ملف الاتجار بالمخدرات، يتحكم في الحزب على مستوى جهة الدار البيضاء سطات.
وأقرت فاطمة الزهراء المنصوري، بأن الملف أحدث فعلا صدمة كبيرة داخل صفوف الحزب سواء على مستوى القيادة أو القواعد، دون وصول الأمر إلى وجود أزمة وظروف استثنائية، لأن الاستثناء يوجد في الساحة السياسية ككل التي تعاني وينبغي أن تعيد النظر في نفسها.
وفي الوقت الذي أكدت فيه المنصوري “أننا مع حرية التعبير” رافضة تحميل قيادة وِزر الأخطاء التي وقع فيها سعيد الناصري وعبدالنبي بعيوي ضمن الملف المعروض حاليا على أنظار القضاء، قالت، “نمتلك الجرأة بأن نعيد النظر في ذواتنا، فكل واحد مسؤول أمام القضاء وأمام المناضلين وأمام المواطنات والمواطنين”.
من جهته، أكد عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة محمد المهدي بنسعيد، أن الأمور داخل التنظيم الحزبي ليست كلها إيجابية وتحتاج إلى الاشتغال عليها أكثر، معتبرا أن مناضلات ومناضلي الحزب ومعهم عموم المغاربة ينتظرون المزيد من الأصالة والمعاصرة.
وفي السياق ذاته، استنكر أعضاء الحزب من إقليم العيون ما اعتبروه “سياسة الإقصاء” التي نهجتها القيادة السابقة في مواجهة المناضلين، مشيرين إلى أن كل جهات المغرب استفادت من الدعم المالي للحزب إلا الجهات الجنوبية للمملكة، وأكدوا أن التقرير المالي المعروض أمام المؤتمرين يبين بجلاء هذا الإقصاء، محذرين بأنه يجب أن نعرف وزننا داخل هذا الحزب، وإلا سنبقى دون مناضلين عن الأقاليم الصحراوية ودون مقاعد انتخابية.
وأكدت فاطمة الزهراء المنصوري، أنها كمناضلة داخل صفوف الأصالة و المعاصرة عندما تختلف مع القواعد الحزبية أو القيادة، تُعبر عن ذلك بقوة وبكل وضوح، وأوردت: “الحزب أنصفنى في جميع المراحل”.
من جهته، قال عبداللطيف وهبي المنتهية ولايته، في كلمته خلال جلسة افتتاح المؤتمر الخامس، التي حضرها زعماء الأحزاب السياسية الوطنية وقادة عدد من النقابات، وعدد من السفراء والشخصيات الوطنية والدولية، إننا “كنا ولازلنا مؤمنين أن مصلحة حزبنا هامة وفوق مصالحنا وحتى مواقعنا، ولكنها لن تعلو في يوم من الأيام عن مصلحة وطننا المغرب الذي نؤمن أن العيش فيه هو حظ لا مثيل له، لنا ملك وطني ديمقراطي يقود البلاد للتنمية والتقدم”.
ويعقد الحزب مؤتمره لأول مرة وهو يتحمل مسؤولية داخل الحكومة بعد سنوات من اصطفافه في المعارضة. كما طمأن وهبي الذي يشغل منصب وزير العدل، بابتعاد حزبه عن ممارسة ازدواجية المواقف، مؤكدا مواصلة التزامه الأخلاقي والسياسي الكاملين داخل الأغلبية، لإنجاح التجربة الحكومية الحالية، وأن حزب الأصالة والمعاصرة سيستمر من موقعه الحكومي في التطبيق السليم والسريع لكل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.