مبادرة الأطلسي المغربية تبعتر أوراق الجزائر وتشكل كابوس اقتصادي وصفعة سياسية
دخلت الحكومة الجزائرية في مفاوضات مع موريتانيا بحثا عن منفذ للمحيط الأطلسي يتيح لها الصيد في أعالي البحار، وفق ما أعلن وزير الصيد البحري الجزائري أحمد بداني خلال مؤتمر صحفي على هامش انعقاد الدورة التاسعة للصالون الدولي للصيد البحري في مدينة وهران من الثامن حتى الحادي عشر من فبراير.
وتزامنت تصريحات بداني مع وصول وزير الخارجية أحمد عطاف إلى نواكشوط بصفته مبعوثا خاصا من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حاملا منه رسالة خطية خاصة إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وفق ما ذكرت الجمعة وكالة الأنباء الجزائرية.
وتأتي محاولات الجزائر إيجاد منفذ للمحيط الأطلسي بعد نحو خمسة عقود من مساع عبثية لتحقيق هذا الهدف عبر الأقاليم الصحراوية المغربية من خلال دعمها وتمويلها لجبهة بوليساريو الانفصالية، وهو خيار اتخذته بعيدا عن مسار العلاقات الودية والدبلوماسية مع المملكة.
وفي الوقت الذي رفع فيه المغرب سياسة اليد الممدودة لتسوية الخلافات والتوترات مع الجزائر ضمن مبادئ حسن الجوار والتكامل الاقتصادي والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، اتبع النظام الجزائري نهجا عدائيا أوصله إلى طريق مسدود بعد أن أحبطت المملكة كل محاولات المس بوحدة أراضيها وسيادتها.
وقال وزير الصيد البحري الجزائري، إن المفاوضات ستتم بالتشاور مع مستثمرين جزائريين، بعد تسوية مسائل مالية عالقة تتعلق بمستحقات يتحتم على هؤلاء دفعها، مشيرا إلى الثروة السمكية الهائلة في موريتانيا في مناطق تتفاضل من حيث توفر الأسماك وهي أمور ستكون ضمن المفاوضات بين الجانبين.
وبحسب الوزير الجزائري، سيقوم وفد من وزارته بالتفاوض مع المسؤولين الموريتانيين حول سبل الصيد في المنطقة الأطلسية التابعة لموريتانيا وستشمل المفاوضات 33 سفينة لصيد التونة و109 لصيد أنواع أخرى.
ووصل وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف مساء أمس إلى نواكشوط حاملا رسالة خطية من الرئيس عبدالمجيد تبون إلى نظيره الموريتاني ولد الغزواني، بينما ذكر بيان عن الخارجية الجزائرية أن الزيارة تندرج في إطار “التواصل والتشاور المستمر لتعزيز الحركية الإيجابية اللافتة التي تشهدها العلاقات الجزائرية-الموريتانية ومدها بكافة مقومات الاستدامة والنجاح وكذلك المساهمة في كل ما يدعم الأمن والاستقرار على الصعيد الإقليمي”.
لكن توقيت الزيارة يشير بوضوح إلى أن المباحثات تذهب أبعد من مجرد التشاور والتنسيق المعتاد إلى البحث عن منفذ للمحيط الأطلسي بالتزامن مع حراك افريقي باتجاه الانخراط في المبادرة الأطلسية التي طرحها العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وتشير كل التحركات الجزائرية والتصريحات في السر والعلن إلى توجس جزائري كبير من مبادرة الأطلسي التي ستفتح أفق تنمية واسعا للدول التي ستنخرط في المبادرة وقد بدأت دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، في الانضمام للمبادرة.
وتشير السياقات السياسية للزيارة أيضا إلى أن الجزائر تتخوف من التقارب بين موريتانيا والمغرب وتعمل على التشويش على تلك العلاقات ضمن النهج الذي دأبت على اتباعها منذ عقود وهو محاولة تعطيل كل جهد من الممكن أن يوفر عوامل قوة للمملكة اقتصادية وسياسية في محيطها الافريقي.
وتعديل الجزائر بوصلتها صوب موريتانيا بحثا عن منفذ للأطلسي يأتي كذلك بعد أن فشلت كل جهودها طيلة عقود في الظفر بمنفذ من بوابة سواحل الصحراء المغربية، حيث استثمرت في قضية النزاع المفتعل من قبل بوليساريو وراهنت على تمكن الأخيرة من السيطرة على أجزاء واسعة من الصحراء المغربية تحت مسمى تقرير المصير.
ومع سقوط كل رهاناتها على الجبهة الانفصالية التي وفرت لها دعما ماليا وعسكريا سخيا وغطاء سياسي إقليميا ودوليا، تختبر الجزائر حاليا خيار استقطاب موريتانيا وإغرائها حتى تفتح لها منفذا قارا نحو الأطلسي.
وتراقب الجزائر عن كثب مسار التنمية الواعد في المغرب وتحولات ضخمة تخطتها بأشواط كبيرة في القطاعات الصناعية وفي تطوير البنى التحتية للطرقات والمطارات والموانئ، ساعية للمواكبة لكن تركيزها ينصب أكثر على التعطيل والتشويش على الانجازات المغربية أكثر منه على المنافسة ومجاراة ما بلغته جارتها.
وتنظر الجزائر لميناء الداخلة وهو مشروع ضخم من شأنه أن يعزز التنمية في الصحراء المغربية ويوسع شراكات المغرب مع الاتحادين الأوروبي والافريقي، بقلق إذ تعمل الرباط حاليا على تشييد أحد أهم الموانئ الإفريقية على الواجهة الأطلسية، وهو الميناء المرشح لأن يكون منفذا لوجستيا لدول الساحل على المحيط.