الفقر و الهشاشة …. العار الذي يطارد المسؤولين المغاربة
لا يحتاج المرء إلى أن يحاط بخبراء المندوبية السامية للتخطيط أو يستأنس باستشارة باحثين جامعيين في السياسة والاقتصاد والجغرافية والتنمية البشرية، ليقف على سوء توزيع الثروة وفداحة الفقر والهشاسة بالمغرب.
يكفي المرء أن يتلقف الأخبار الرسمية بتوزيع قفة رمضان من طرف مصالح العمالات والأقاليم ليكتشف فراغ شعارات: التنمية والكرامة والعدالة المجالية والمساواة في الانتفاع من خيرات الوطن.
لدينا 83 عمالة وإقليم، لكن سأستدل بثلاث حالات فقط نشرتها وكالة المغرب العربي للأنباء، وهي حالات تنزف دما وألما، وتهم أقاليم: طاطا، تارودانت وبني ملال.
ففي إقليم طاطا وزعت المصالح المحلية المختصة قفة رمضان على 15.000 أسرة فقيرة ومحتاجة (حسب البلاغ الرسمي المنشور في الوكالة الرسمية). وإذا علمنا أن عدد الأسر الموجودة بإقليم طاطا وفق الإحصاء العام للسكان، هو: 22.359 أسرة، فمعناه أن الفقر بإقليم طاطا يطال 67% من الأسر. وهذه نسبة جد ضخمة تبين أن الدولة خلال 67 سنة بعد الاستقلال واعتمادها تسونامي من السياسات العمومية، لم تفلح في إخراج المواطنين من الفقر، بل على العكس تفاقمت الهشاسة واحتد الخصاص.
فأن تكون في الإقليم نسبة 2 أو 5% حتى، من الأسر الفقيرة مسألة “مقبولة”، لكن أن تصل نسبة الفقراء بالإقليم إلى 67% من مجموع سكانه وينتظرون عاما كاملا لتجود عليهم الحكومة بقفة رمضان، فهذا دليل على خطورة الجرم المرتكب في حق المغرب والمغاربة.
المثال الثاني يخص إقليم تارودانت، إذ أعلنت السلطات المختصة( دائما حسب ما نشر في وكالة المغرب العربي للأنباء)، عن توزيع قفة رمضان لفائدة 27.000 أسرة فقيرة ومحتاجة، علما أن عدد الأسر بإقليم تارودانت يصل إلى 171.000 أسرة. وهذا ما يفيد أن 16% من أسر إقليم تارودانت تحت عتبة الفقر ! وهي نسبة كبيرة جدا كذلك.
المثال الثالث يتمحور حول إقليم بني ملال، الذي وزعت فيه السلطة المحلية( وفق نفس المصدر المنشور بالوكالة الرسمية)، قفة رمضان على 16.000 أسرة فقيرة ومحتاجة. وإذا استحضرنا عدد الأسر بإقليم بني ملال (123.000 أسرة)، آنذاك نعي أن الفقر يضرب 13% في أغنى إقليم فلاحي ومائي ومالي بالمغرب( معظم أبناء حوض بني ملال بالمهجر، وبالتالي يضخون تحويلات باهظة بالعملة الصعبة نحو المغرب !).
والمثير للغثيان أن قفة المساعدة الرمضانية التي وزعت على الأسر المحتاجة لم تتجاوز قيمتها 455 درهما للأسرة الواحدة. وباحتساب الحد الأدنى للأسرة في خمسة أفراد، فمعنى ذلك أن حصة كل فرد من “الثروة الوطنية” لم تتجاوز 90 درهما خلال شهر، أي 3 دراهم في اليوم لكل فرد !!
وتضمنت القفة مايلي: 4 كلغ سكر، 850 غرام شاي، 5ليترات زيت، 10 كلغ دقيق ممتاز، 1 كلغ عدس، 1 كلغ معجنات، علبة 850 غرام من مركز الطماطم، 5 كلغ أرز و6 ليترات حليب.
طبعا المقام لايسمح في سرد بيانات كل إقليم وعمالة، ولكن الأمثلة المذكورة تنهض كحجة ضد كل مسؤول تعاقب على تسيير الشأن العام بالمغرب( مركزيا وجهويا ومحليا)، وتفسر لماذا ظل المغرب في ذيل ترتيب الأمم في التنمية البشرية ولماذا تحكتر كمشة من الأسر الغنية ثروات البلاد ولو على حساب تجويع الشعب!!
وطالما لم يرزق المغرب بنخب مهووسة بتحقيق الكرامة لكافة المواطنين، وتشبه الرئيس البرازيلي “لولا داسيلفا” الذي انتشل في ولايتين من حكمه(فترة 2003\2010) أزيد من 30 مليون برازيلي من الفقر، فلن يتم انتشال المغاربة من مستنقع الفقر والهشاشة، وسيبقى أكثر من نصف المغاربة تحت “الصباط” وتحت “عتبة الحاجة” ينتظرون من السلطة أن تجود عليهم بالفتات في كل شهر رمضان !