الجزائر تفاوض موريتانيا على منفذ للأطلسي
أعلن وزير الصيد البحري الجزائري أحمد بداني خلال مؤتمر صحفي على هامش انعقاد الدورة التاسعة للصالون الدولي للصيد البحري في مدينة وهران من الثامن حتى الحادي عشر من فبراير، أن بلاده تفاوض موريتانيا على منفذ بحري على الأطلسي يتيح لها الصيد في أعالي البحار، بينما تزامن هذا الإعلان مع وصول وزير الخارجية أحمد عطاف مساء أمس الخميس إلى نواكشوط.
وقال بيان صادر عن الخارجية الجزائرية نشرته على حسابها بفيسبوك، إن عطاف بصفته مبعوثا خاصا للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون نقل رسالة خطية منه إلى نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.
لكن توقيت الزيارة يشير بوضوح إلى أن المباحثات تذهب أبعد من مجرد التشاور والتنسيق المعتاد إلى البحث عن منفذ للمحيط الأطلسي بالتزامن مع حراك افريقي باتجاه الانخراط في المبادرة الأطلسية التي طرحها العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وتشير كل التحركات الجزائرية والتصريحات في السر والعلن إلى توجس جزائري كبير من مبادرة الأطلسي التي ستفتح أفق تنمية واسعا للدول التي ستنخرط في المبادرة وقد بدأت دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، في الانضمام للمبادرة.
وتشير السياقات السياسية للزيارة أيضا إلى أن الجزائر تتخوف من التقارب بين موريتانيا والمغرب وتعمل على التشويش على تلك العلاقات ضمن النهج الذي دأبت على اتباعها منذ عقود وهو محاولة تعطيل كل جهد من الممكن أن يوفر عوامل قوة للمملكة اقتصادية وسياسية في محيطها الافريقي.
ويرجح أن يبحث وزير الخارجية الجزائرية عدة ملفات مع المسؤولين الموريتانيين من بينها سبل الحصول على منفذ للمحيط الأطلسي عبر السواحل الموريتانية في سياق يبدو على صلة بمحاولة مواكبة الحراك المغربي الدبلوماسي والاقتصادي الذي تكثف على وقع مبادرة الأطلسي التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس في الذكرى السنوية للمسيرة الخضراء وهي مبادرة واعدة من شأنها أن تحقق للدول الافريقية التي انخرطت فيها سريعا، مكاسب اقتصادية مهمة ومن شأنها أيضا أن تعزز التنمية والشراكات الافريقية الأوروبية.
وتراقب الجزائر عن كثب مسار التنمية الواعد في المغرب وتحولات ضخمة تخطتها بأشواط كبيرة في القطاعات الصناعية وفي تطوير البنى التحتية للطرقات والمطارات والموانئ، ساعية للمواكبة لكن تركيزها ينصب أكثر على التعطيل والتشويش على الانجازات المغربية أكثر منه على المنافسة ومجاراة ما بلغته جارتها.
وتعديل الجزائر بوصلتها صوب موريتانيا بحثا عن منفذ للأطلسي يأتي كذلك بعد أن فشلت كل جهودها طيلة عقود في الظفر بمنفذ من بوابة سواحل الصحراء المغربية، حيث استثمرت في قضية النزاع المفتعل من قبل بوليساريو وراهنت على تمكن الأخيرة من السيطرة على أجزاء واسعة من الصحراء المغربية تحت مسمى تقرير المصير.
ومع سقوط كل رهاناتها على الجبهة الانفصالية التي وفرت لها دعما ماليا وعسكريا سخيا وغطاء سياسي إقليميا ودوليا، تختبر الجزائر حاليا خيار استقطاب موريتانيا وإغرائها حتى تفتح لها منفذا قارا نحو الأطلسي.
وتنظر الجزائر لميناء الداخلة وهو مشروع ضخم من شأنه أن يعزز التنمية في الصحراء المغربية ويوسع شراكات المغرب مع الاتحادين الأوروبي والافريقي، بقلق إذ تعمل الرباط حاليا على تشييد أحد أهم الموانئ الإفريقية على الواجهة الأطلسية، وهو الميناء المرشح لأن يكون منفذا لوجستيا لدول الساحل على المحيط.
وقال وزير الصيد البحري الجزائري، إن المفاوضات ستتم بالتشاور مع مستثمرين جزائريين، بعد تسوية مسائل مالية عالقة تتعلق بمستحقات يتحتم على هؤلاء دفعها، مشيرا إلى الثروة السمكية الهائلة في موريتانيا في مناطق تتفاضل من حيث توفر الأسماك وهي أمور ستكون ضمن المفاوضات بين الجانبين.
وبحسب الوزير الجزائري، سيقوم وفد من وزارته بالتفاوض مع المسؤولين الموريتانيين حول سبل الصيد في المنطقة الأطلسية التابعة لموريتانيا وستشمل المفاوضات 33 سفينة لصيد التونة و109 لصيد أنواع أخرى.
وتأتي محاولات الجزائر إيجاد منفذ للمحيط الأطلسي بعد نحو خمسة عقود من مساع عبثية لتحقيق هذا الهدف عبر الأقاليم الصحراوية المغربية من خلال دعمها وتمويلها لجبهة بوليساريو الانفصالية، وهو خيار اتخذته بعيدا عن مسار العلاقات الودية والدبلوماسية مع المملكة.
وفي الوقت الذي رفع فيه المغرب سياسة اليد الممدودة لتسوية الخلافات والتوترات مع الجزائر ضمن مبادئ حسن الجوار والتكامل الاقتصادي والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، اتبع النظام الجزائري نهجا عدائيا أوصله إلى طريق مسدود بعد أن أحبطت المملكة كل محاولات المس بوحدة أراضيها وسيادتها.