الاتجار برضع الأمهات العازبات يوسّع انتشار ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم
طالبت منظمات حقوقية وجمعيات تعنى بالطفولة في المغرب، بضرورة البحث عن الرضع حديثي الولادة الذين تم بيعهم وإيجادهم، خوفا عليهم من واقع أشد خطورة والمتعلق بشبكات الاتجار بالأعضاء. ورغم أن ظاهرة التخلي عن الأطفال ورميهم جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي، إلا أن الظاهرة في تزايد. وتضطر الأمهات العازبات لبيع أطفالهن خوفا من الفضيحة من ناحية، ولأسباب اقتصادية من ناحية أخرى.
ما زالت ظاهرة الأطفال الرضع المتخلى عنهم في المغرب تعرف انتشارا متزايدا، حيث غالبا ما يتم العثور على الرضيع في القمامة أو في أحد الشوارع أو يترك في المستشفى بعد الولادة، من طرف الأمهات العازبات وهن نساء يلدن مواليد خارج مؤسسة الزواج.
وهناك من يتاجر بوضعية الأمهات العازبات ويدفعهن إلى بيع أطفالهن مقابل مبالغ مالية عن طريق وسطاء، لأسباب كثيرة ومتنوعة، منها ما يرجع أساسا إلى الجانب الاقتصادي. وتلد الأمهات العازبات خارج إطار الزواج نتيجة العلاقات غير الشرعية، أو تعرض الفتاة للاغتصاب، أو تنكر الشريك لوعوده بالزواج، وهو ما نبهت إليه منظمة “ماتقيش ولدي”.
وارتباطا بإشكالية الأمهات العازبات وكفالة الأطفال المتخلى عنهم أعادت منظمة “ماتقيش ولدي” تسليط الضوء على ملف التخلي عن الرضع من طرف الأمهات العازبات، والذي تطور إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة تتمثل في بيعهم مقابل مبالغ مالية وعن طريق وسطاء، محذرة من استغلال المآسي الإنسانية والاجتماعية للاتجار بها، ومعتبرة ذلك بمثابة وجه آخر لظاهرة الاتجار بالبشر تستفيد منه عائلات مجهولة لا تريد إظهار هويتها وتتبنى أطفالا يمرون في الواقع بمحنة تتعلق بهويتهم ومصيرهم.
وشددت المنظمة في بيان لها، على نسخة منه، على ضرورة البحث عن الرضع حديثي الولادة الذين تم بيعهم وإيجادهم، خوفا عليهم من واقع أشد خطورة والمتعلق بشبكات الاتجار بالأعضاء. وتعتبر ظاهرة التخلي عن الأطفال ورميهم جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي، حيث إن كل أمّ ألحقت أذى بطفلها نتج عنه قتل الرضيع أو الطفل، تعاقب طبقا للفصل 397 من القانون الجنائي، أما إذا كان إيذاء الطفل عمدا من طرف أبويه أو من يملكون السلطة عليه، فإنهم يعاقبون وفق الفصل 411 من القانون نفسه.
وهناك الكثير من الأمهات العازبات اللاتي يفكّرن في التخلي عن أطفالهن لأسباب متعددة، في مقابل الراغبين في التكفل وتبني أطفال ليسوا من صلبهم، إلا أن تعقيد مسطرة الكفالة يحول دون ذلك.
وحسب القانون فإن الراغب في الكفالة يرفع طلبا إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين مدعوما بالوثائق، حيث يقوم القاضي بأبحاث بواسطة لجنة تشمل النيابة العامة وممثل السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف والشؤون الإسلامية وممثل السلطة المحلية، ثم تستشار السلطة الحكومية المكلفة بالطفل، كما يضاف إلى ذلك بحث بواسطة المصالح الطبية، وإذا كانت الأبحاث إيجابية يتخذ القاضي أمرا مشمولا بالنفاذ المعجل ويقضي بإسناد الكفالة ويكون قابلا للاستئناف، مؤكدا على أن كل هذه الإجراءات المشددة من خلال القانون 15.01 جاءت بسبب تنامي ظاهرة الاتجار بالأطفال.
ويرى الأستاذ أحمد عبدالحميد، عضو المجلس العلمي بسطات، أن ظاهرة رمي الأطفال محرمة شرعا بنص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، مهما كانت الأسباب، والتي أرجعها المتحدث إلى العلاقات غير الشرعية خارج مؤسسة الزواج، خوفا من الفضيحة والعار، خاصة أن المجتمع لا يرحم.
وبموازاة اختيار التخلص من الرضع هناك من يتاجر بهم مقابل مبالغ مالية، حيث جرى الأسبوع الماضي تفكيك شبكة الاتجار بالرضع حديثي الولادة في مدينة فاس، وابتزاز المرضى والوساطة في إجراء عمليات الإجهاض بطريقة غير قانونية، والتي هزت الرأي العام. وحسب بلاغ أمني، فإن المصالح الأمنية بفاس أوقفت يوم الجمعة الماضي نحو 30 شخصا، من بينهم طبيب وممرضان، في إطار ممارسات الابتزاز والتهديد والتلاعب بعملية الاستفادة من الخدمات الطبية العمومية والاتجار بالأطفال حديثي الولادة الضحايا الذين لم ترد معلومات عن أعدادهم.
وعبرت المنظمة في بيان لها، على نسخة منه، عن قلقها من جرائم الاتجار بالمآسي الإنسانية والاجتماعية للبشر، مستنكرة جريمة الاتجار برضع الأمهات العازبات حديثي الولادة داخل إحدى المؤسسات الصحية في فاس مؤخرا.
وبخصوص حفظ حق هؤلاء الأطفال في الحياة يقول إدريس أفتيس : “كمحام ومدافع عن الضحايا الأمهات العازبات في مثل هذه الجرائم والتي تؤدي إلى الحمل وغالبا ما لا يتم الاعتراف بالطفل، دائما نطالب بتسليط أقصى العقوبات وتشديدها لإعطاء العبر”، مضيفا أن “ضحايا هذه الجرائم لا يجرؤن على إبلاغ السلطات الأمنية والقضائية خوفا من تعرضهن للفضيحة والعار، ناهيك عن كون تلك المواضيع تعتبر من الطابوهات التي لا تخرج إلى العلن، وعندما يتم الحمل غالبا ما تطرد العائلة البنت أو تهرب خوفا على حياتها وقد تتخلى عن الرضيع”.
واعتبرت الناشطة مريم العثماني، رئيسة جمعية “إنصاف” للدفاع عن حقوق المرأة والطفل، أن الأمهات غير المتزوجات حين يكتشفن الحمل إما ينتحرن أو يقمن بالإجهاض أو يتخلّيْن عن الطفل في الشارع.
وأكدت منظمة “ماتقيش ولدي” على استكمالها مقترحا خاصا من أجل حل مشكلة رضع الأمهات العازبات ووضعه أمام أنظار رئيس الحكومة عزيز أخنوش، معتبرة في الوقت ذاته أن ملف المتاجرة بالرضع هو ملف مشترك بين كل القطاعات الوزارية، ويستدعي تدخلا فوريا. وشكل المكتب الوطني للمنظمة لجنة جهوية مستعجلة لتتبع الملف يترأسها المنسق الجهوي كطرف مدني في القضية، بجهة فاس، كما دعت جميع فعاليات المجتمع المدني والحقوقي والأحزاب السياسية إلى تضافر الجهود وتوحيدها ورص الصفوف من أجل حماية الطفولة في المغرب، والتي تعتبر مستقبل الوطن.
الأمهات غير المتزوجات حين يكتشفن الحمل إما ينتحرن أو يقمن بالإجهاض أو يتخلّيْن عن الطفل في الشارع
وتقدم نساء يحملن خارج إطار الزواج على رمي مواليدهن في مطارح النفايات، باعتبارها المكان المفضل، وحرمانهم من حقهم في الحضانة، وقد تم مؤخرا العثور على جثة رضيع حديث الولادة، تم التخلص منه بحي دار التونسي في مدينة طنجة، داخل القمامة ملفوفا بقطعة من القماش، ويرجح أن عملية ولادة الرضيع حدثت في أحد المنازل نظرا لوجود دماء المخاض على الجثة، ما تسبب في مضاعفات للرضيع أدت إلى وفاته، وفتحت مصالح الأمن في المدينة بحثا قضائيا لتحديد ملابسات التخلص من الرضيع بهذه الطريقة البشعة.
وكمحاولة للاهتمام بالأطفال المهملين بينت الجمعية المغربية لليتيم في مذكرتها الترافعية أمام أعضاء “الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة” تبعات حرمان الطفل من التمتع بحق الانتساب إلى الأب، ومنها حرمانه من الهوية منذ ولادته وطوال حياته، وتعريضه للتمييز والوصم، وحرمانه من الميراث، كما يعرضه ذلك لتبعات خطيرة على نفسيته، جراء الصفات القبيحة والأسماء المهينة التي تلصق بشخص الطفل في المجتمع.
وشددت الجمعية على أهمية الاستناد إلى التحليل البيولوجي للبصمة الجينية، باعتباره الوسيلة العلمية الموثوقة والسريعة وغير المكلفة التي يمكن أن يأمر بها القاضي، على نفقة الخزانة العامة في إطار إجراء للطعن أو إثبات رابط البنوة، مع العمل على توفير الرعاية البديلة للأطفال مجهولي نسب الأم والأب، ضمانا للمصلحة الفضلى للأطفال.
ويوجد عدد من الجمعيات التي تتكفل بالأطفال المتخلى عنهم واليتامى مثل جمعية قرى الأطفال المسعفين بالمغرب التي تعتني بهؤلاء وبتربيتهم وتلبية احتياجاتهم الضرورية المتمثلة في التمدرس والصحة والتغذية، باعتبارهم في حاجة ماسة إلى الدعم العائلي.
وإلى جانب ذلك تعمل القرى في كل من أيت أورير بإقليم مراكش، وإمزورن بإقليم الحسيمة، وفي مدن أكادير والجديدة والدار البيضاء، على إدماج الأطفال اليتامى والمتخلى عنهم في أسر الإيواء، في إطار نظام الكفالة المعمول به في المغرب، كما تواكب عملية استكمال تعليمهم في مختلف مراحله، بما فيها مرحلة التعليم العالي عبر إلحاقهم بالمعاهد والجامعات العليا، أو تضمن لهم ولوج سوق الشغل عبر تكوينات مهنية إذا لم يتمكنوا من إتمام دراستهم.