مع الأسـف … التفاهة في مواقع التواصل : كيف تسرق نور المثقفين؟
في مغرب يزخر بالمعرفة والثقافة والابتكار، يبدو أن هناك قوى مضادة تسعى إلى نشر الجهل والسطحية والسخافة. هذه القوى تستغل مواقع التواصل الاجتماعي كأداة للتأثير على الجماهير وتشكيل ذوقهم وآرائهم. فبدلا من أن تكون هذه المواقع منابر للحوار الهادف والإبداع الفكري والفني، تحولت إلى ساحات للتفاهة والعبث.
فمن يستحق الشهرة في مواقع التواصل؟ هل هم المثقفون الذين يسعون إلى نشر المعرفة والثقافة والأخلاق؟ أم هم المغمورون الذين يسعون إلى نشر الفضائح والسخافات والأخلاق المنحطة؟
في هذه المدونة، سأحاول تسليط الضوء على هذه الظاهرة المؤسفة، وأسبابها، وآثارها.
أسباب انطفاء شمعة التأثير الحقيقي من الناس المثقفين
لا شك في أن هناك عديد من العوامل التي تساهم في انطفاء شمعة التأثير الحقيقي من الناس المثقفين في مواقع التواصل الاجتماعي. من بين هذه العوامل:
– تدني الوعي الفكري في المغرب: عدد هائل من المغاربة يقبلون بشكل فظيع على اللهث وراء الفضائح والفيديوهات غير الهادفة التي لا تعدو أن تكون ترفيهية لكن بشكل مبالغ فيه. فلن يستطيع أولئك المغمورون أن يصيروا نجوما من لا شيء لولا متابعتنا لهم ونشرنا لأعمالهم. عقولنا لا تتماشى كثيرا مع الفكر والقراءة لكنها تجد ضالتها في إشباع حاجاتها من خلال الإقبال على الأعمال التي توصف بالتافهة.
– سهولة الشهرة من خلال توفر الهواتف الذكية: قديما كانت عملية التصوير تتطلب مالا ووقتا ولكنها تبقى خاصة لا تنشر ويحتفظ الشخص بصوره. أما اليوم فقد أصبح كل منا يملك كاميرا ويصور كل شيء. حين يصور أتفه شيء يكون مرشحا لأن يصبح نجما من لا شيء. مثلا يكفي أن يقول كلاما مضحكا يستحسنه زوار اليوتيوب للسخرية منه ويتم نشره على نطاق أوسع.
– المسؤولية في تغذية مستنقعات التفاهة: بعد تنصيب “نجوم تفاهة” في مواقع التواصل الاجتماعي كأداة للتسويق والربح: لا يمكن إنكار أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مصدرا هاما للدخل للكثير من الأشخاص، سواء كانوا أفرادا أو شركات أو منظمات. ولكن هذا الدخل يتوقف على عدد المشاهدين والمتابعين والإعجابات والتعليقات. فبالتالي، فإن البعض يلجأ إلى استخدام الحيل والخدع والمغالطات لجذب الانتباه وزيادة المشاركة. ومن بين هذه الحيل: استخدام العناوين المثيرة والمضللة، والصور المفبركة والمشوهة، والفيديوهات المقطعة والمزورة، والمحتوى المسيء والمهين، والأخبار الكاذبة والشائعات . كل هذه الحيل تهدف إلى خلق جو من الجدل والانفعال والانقسام بين المستخدمين، مما يؤدي إلى تهميش الأصوات العقلانية والهادئة.
– نقص التشجيع والتقدير للمثقفين في المجتمع: ربما يكون هذا هو السبب الأهم والأخطر في انطفاء شمعة التأثير الحقيقي من الناس المثقفين في مواقع التواصل الاجتماعي. ففي حين أن المغمورين يحظون بالإعجاب والتشجيع والدعم من قبل جمهورهم، فإن المثقفين يواجهون الإهمال والتجاهل والانتقاد من قبل مجتمعاتهم. فلا يجد المثقف حافزا لإبداء رأيه أو نشر عمله أو مشاركة خبرته، إذا كان سيلاقى صمتا أو سخرية أو رفضا. بل قد يصاب بالإحباط والإحساس بالضعف والعجز، مما يدفعه إلى التخلي عن دوره في التثقيف والتأثير .
آثار انطفاء شمعة التأثير الحقيقي من الناس المثقفين
لا شك في أن انطفاء شمعة التأثير الحقيقي من الناس المثقفين في مواقع التواصل الاجتماعي له آثار سلبية على مستوى الفرد والمجتمع. من بين هذه الآثار:
تدهور مستوى التربية والتعليم: عندما يغرق المستخدم في بحر من التفاهة والسخافة، فإنه يفقد الرغبة في التعلم والتحصيل والتطوير. فلماذا يجتهد في الدراسة أو البحث أو القراءة، إذا كان يمكنه أن يحصل على الشهرة والمال والمتعة من خلال الضحك والسخرية والتسلية؟ هذا ما يؤدي إلى تراجع مستوى التربية والتعليم في مجتمعاتنا، وانعدام الابتكار والإبداع والإنجاز .
تفكك النسيج الاجتماعي والثقافي: عندما يسود الجهل والسطحية والسخافة في مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه ينعكس على الواقع الاجتماعي والثقافي. فلا يستطيع المستخدم أن يتفاهم أو يتحاور أو يتعاون مع غيره من المستخدمين، إذا كان لا يحترم آرائهم أو مشاعرهم أو قيمهم. بل قد يصبح عدوانيا أو عنصريا أو تطرفيا، مما يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي والثقافي .
تضييع فرص التغيير والتقدم: عندما يفقد المستخدم الثقة في نفسه وفي قدراته، فإنه يفقد أيضا الأمل في مستقبله وفي مجتمعه. فلا يحاول أن يغير أو يصلح أو يطور شيئا، بل يستسلم للوضع الراهن، مهما كان سيئا أو ظالما. هذا ما يضيع فرص التغيير والتقدم في مجتمعاتنا، ويحول دون تحقيق الأهداف والطموحات .
أخيراً ، إن انطفاء شمعة التأثير الحقيقي من الناس المثقفين في مواقع التواصل الاجتماعي هو أحد التحديات التي تواجه عصرنا الرقمي. فإذا استسلمنا لهذه التحديات، فإننا نخسر ثروتنا الفكرية والثقافية، ونضر بآفاقنا التربوية والتطورية. لكن إذا قابلنا هذه التحديات بشجاعة وإصرار، فإننا نحافظ على هويتنا الفكرية والثقافية، ونفتح بابا للتغيير والتقدم.
وهنا أترك لكم سـؤالاً مفتوحاً ، كيف سنواجه انطفاء شمعة التأثير الحقيقي من الناس المُثقفين ؟