الوضع بأفريقيا يعزز الشراكة العسكرية بين واشنطن والرباط
يعزز وجود شراكة عسكرية بين واشنطن والرباط أهداف البلدين المشتركة التي تسعى لحفظ الاستقرار في القارة الأفريقية، حيث يتميز المغرب بموقع جغرافي إستراتيجي وبوابة نحو عمق القارة، ما سيجذب الشركات الأميركية في مجال الدفاع، وأهمها مسألة توفير السلاح الدفاعي للدول الأفريقية.
دفعت الرهانات الإقليمية والدولية وخصوصا التغيرات التي تشهدها القارة الأفريقية، إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني بين المملكة المغربية والولايات المتحدة، فضلا عن توطيد الأمن والاستقرار الإقليمي ومواجهة التحديات الأمنية والصراعات في القارة السمراء.
ويشكل دخول الولايات المتحدة، كفاعل أساسي في الصناعة الدفاعية المغربية، مرحلة مهمة لتحقق واشنطن والرباط أهدافهما المشتركة في القارة الأفريقية، التي تتمحور حول تأهيل القدرات العسكرية لدول القارة.
وتنفيذا لتعليمات العاهل المغربي الملك محمد السادس، تباحث الفريق أول المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية محمد بريظ، الثلاثاء، بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، مع نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي المكلفة بالشؤون الأفريقية، جنيفر زاكريسكي، مرفوقة بالجنرال كينيث ب. إيكمان، مدير الإستراتيجية والشراكة والبرامج بالقيادة الأميركية لأفريقيا، وسفير الولايات المتحدة بالمغرب، بونيت تالوار.
وذكر بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية أن المسؤولين أشادا، خلال هذه المباحثات، بالعلاقات الممتازة بين القوات المسلحة الملكية والقوات المسلحة الأميركية، والتي تتمثل في أنشطة التعاون المكثفة والمنتظمة.
وبعدما وصف العلاقات العريقة بين المملكة المغربية والولايات المتحدة بـ”الممتازة” و”المتجذرة في التاريخ”، ذكر المفتش العام للقوات المسلحة الملكية بأن “هذه العلاقات انطلقت خاصة بالتوقيع سنة 1786 على معاهدة السلام والصداقة المغربية – الأميركية، وهي أقدم معاهدة على الإطلاق توقعها الولايات المتحدة مع بلد ثالث، والتي أرست أسس علاقة “عريقة” و”تاريخية”.
وأكد مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، خالد الشرقاوي السموني، أن “اللقاء يؤشر لعمق الشراكة الإستراتيجية التي تجمع البلدين في مختلف المجالات، كما يكتسي أهمية بالغة في تمتين علاقات التعاون الثنائي المتميز على المستوى الأمني والعسكري وتوحيد الرؤى حول المتغيرات داخل الفضاء الأفريقي”.
وأضاف الشرقاوي في تصريح لـه، أن “الهدف هو تعزيز قدرات المغرب على التعامل مع التهديدات الحالية والمستقبلية، وتوطيد الأمن والاستقرار الإقليمي بمواجهة التحديات الأمنية بالمنطقة خاصة منها الصراعات بأفريقيا، ولتقوية الإستراتيجية الموجهة لتحديث تسليح الجيش المغربي في مقاربة تقوم على الشراكة الكاملة لمواجهة التنظيمات المتطرفة العنيفة في المنطقة”.
ويشترك المغرب والولايات المتحدة في رؤية تقوم على بناء الاستقرار والشراكات عبر القارة الأفريقية وتمكن الأفارقة من إضفاء طابع مؤسساتي على عمل قواتهم، وتعزيز قابلية التشغيل البيني من أجل مواجهة بعض التحديات التي يواجهونها في مجال الأمن والاستقرار، أبرزها مازال قائما في محاربة الإرهاب والتطرف والعنف المتصاعد في مناطق واسعة من الساحل والصحراء.
ويؤكد خبراء في العلاقات الدولية، أن الاتجاهات الرئيسية للمغرب وواشنطن ودول القارة حاسمة في صنع السياسات الأمنية والعسكرية نظرًا لتأثيرها على الاستثمار التجاري، والتحول الاقتصادي، والازدهار الشامل، و الديناميكيات الجيوسياسية، والمصالح المشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المغربية وأفريقيا، وتشرح المنافسة المعقدة بين القوى الناشئة والقوى الراسخة في القارة خاصة الصين وأيضا طموحات المملكة المتحدة وروسيا.
واعتبر أستاذ العلاقات الدولية، محمد لكريني في تصريح لـه، أن “اللقاء ذو طابع عسكري لكنه يكرّسه إستراتيجية الولايات المتحدة لتعزيز تواجدها في المنطقة الأفريقية على عدة مستويات في ظل التنافس القوي بين القوى الإقليمية والدولية على هذه القارة الأفريقية التي تزخر بموارد طبيعية هامة”.
ويأتي هذا اللقاء بعد أيام قليلة من إنهاء القوات المسلحة الملكية والقوات المسلحة الأميركية، وقوات أكثر من عشرة بلدان شريكة، أشغال التخطيط للدورة العشرين من تمرين “الأسد الأفريقي 2024”.
ومن المرتقب أن تعرف هذه السنة، تزامنا بين المناورات التي ستُجرى في الفترة من 20 إلى 31 مايو القادم، في مناطق أكادير وطانطان والمحبس وطاطا والقنيطرة وبن جرير وتفنيت، والاحتفاء بالنسخة العشرين لانطلاق تمرين “الأسد الأفريقي”، الذي يعد أكبر تمرين متعدد الجنسيات بالقارة، مع استحضار للتطورات التي تعرفها الدول الأفريقية ومنطقة الساحل والصحراء، والتنسيق الأفريقي – الأميركي المشترك لمواجهة كل المخاطر والتهديدات.
وهو النهج الذي أكد عليه الفريق الأول مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، في اختتام مناورات “الأسد الأفريقي 2023” يونيو الماضي، بالقول إن “الإستراتيجية الأميركية في القارة الأفريقية لا تقوم فقط على إستراتيجية دفاعية تُعززها مناورات الأسد الأفريقي وحدها، بل نعتمد كذلك بالموازاة جهودا مشتركة في مسارات الدبلوماسية وقضايا التنمية في مختلف أنحاء القارة”، مشددا على أنه بهدف “مواجهة التنظيمات المتطرفة العنيفة في المنطقة، يتعين إضفاء الطابع المهني لقواتنا وتعزيز القدرات المؤسساتية، كما يجب علينا أن نكون قادرين على إضفاء الطابع المؤسساتي على هذه القوات حتى تتمكن من مواجهة شبح النزاعات ومحاربة التنظيمات المتطرفة العنيفة”.
ويندرج التعاون العسكري الثنائي المغربي – الأميركي، الذي تؤطره جملة من الاتفاقيات والترتيبات، في إطار خارطة الطريق 2020 – 2030 الرامية إلى إقامة شراكة إستراتيجية نموذجية قادرة على مواجهة التحديات الأمنية، حيث يغطي هذا التعاون، بشكل خاص، الحوار الإستراتيجي والتكوين والتمارين وبرنامج الشراكة مع الحرس الوطني لولاية يوتا والدعم المالي وعلى مستوى المعدات.
وتتماشى هذه الزيارة مع الدينامكية الجديدة لتعزيز التعاون الأفريقي – الأطلسي، من بينها المبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي عبر الصحراء المغربية.
ويعتقد هشام معتضد الأكاديمي والمحلل السياسي، أن “هذا التوجه يدخل في إطار التزامات جيوستراتيجية وأمنية لتقديم الدعم والمساعدات الضرورية للشركاء الدائمين للمغرب وواشنطن وفق مذكرات تعاون واتفاقيات تدفع بالتعاون الإستراتيجي الهادف إلى ضمان الاستقرار، الحفاظ على التوازن السوسيو-اقتصادي للشركاء والحلفاء الدوليين، وتقوية القدرات العسكرية للدول الأفريقية مع تنامي الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء”.
وتستهدف الإدارة الأميركية على نطاق واسع تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام وكذلك التنمية في جميع أنحاء القارة، من أجل توسيع تدفقات رأس المال وتعزيز الروح الحيوية لريادة الأعمال والابتكار في جميع أنحاء أفريقيا، مع التزام بجلب جميع الأدوات المتاحة بما في ذلك تمويل التنمية والمنح والمساعدات الفنية، وكذلك دعم الإصلاحات القانونية والتنظيمية، من أجل مساعدة شركاء واشنطن الأفارقة على الازدهار.