مازال الغموض يخيم على مخرجات لقاء المبعوث الأممي إلى الصحراء ستيفان دي مستورا ومسؤولين من جنوب أفريقيا التي استضافت دي مستورا لمناقشة ملف قضية الصحراء المغربية. ويثير هذا التكتم الاستغراب وسط توقعات أن تكون بريتوريا قد سعت لإقناع المبعوث الأممي بوجهة نظر داعمة للجزائر وجبهة بوليساريو الانفصالية.
وأكدت وزيرة الشؤون الخارجية ناليدي باندور أن “النقاش كان مفيدا”، وتميز بدراسة “بعض المقاربات المتعلقة بالصحراء المغربية”، واعتذرت عن عدم الخوض في الموضوع قائلة “هذه أسئلة سرية”.
والتقى ستيفان دي ميستورا في بريتوريا بوزيرة الشؤون الخارجية حيث تكتمت الخارجية على تفاصيل الاجتماع مع تأكيد ناليدي باندور في لقاء صحفي أنها تحتاج إلى وقت لتقديم الرد على “المقترحات”، وكررت أن “المناقشة كانت مفيدة”.
ولم يصدر إلى حد الآن أي موقف رسمي مغربي من زيارة دي ميستورا إلى جنوب أفريقيا.
ويرجّح محمد الطيار، الخبير في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، أن “يكون دي ميستورا قد تلقى مقترحات جديدة من جنوب أفريقيا، تهدف إلى فك الخناق عن حليفتها الجزائر بعد أن أجمعت تقارير مجلس الأمن المتعلقة بقضية الصحراء المغربية على اعتبار الجزائر هي الطرف الرئيسي في النزاع المفتعل، وطالبتها بضرورة إحصاء سكان مخيمات تندوف، والجلوس إلى الموائد المستديرة، وهو ما رفضته صراحة الجزائر بشكل رسمي”.
وأكد أن “تكتم باندور على مخرجات اللقاء مع المبعوث الأممي هو نتيجة عدم خروج دي ميستورا عن نطاق هدفه لحلحلة النزاع والدفع بالجزائر نحو الجلوس إلى طاولة الحوار مع باقي الأطراف، ضمن آلية أممية تضع مقترح الحكم الذاتي في المقدمة”.
كما أوضح الطيار أن “دي ميستورا لا يستطيع خرق التوازنات الدولية التي تغيرت لمصلحة المغرب، لأن قضية الصحراء المغربية على مستوى الأمم المتحدة وصلت إلى الطريق المسدود بسبب رفض الجزائر الجلوس إلى الموائد المستديرة، كما أن المغرب فتح طريقا موازيا لتجاوز الانسداد، وفتح العديد من القنصليات بالعيون والداخلة، وقدم مبادرة بشأن تعزيز التعاون مع دول منطقة الساحل والصحراء، وأصبح منكبا على الاستعداد لإنهاء وضع المنطقة العازلة شرق الجدار الأمني”، لافتا إلى أن زيارة دي ميستورا إلى جنوب أفريقيا جاءت بدعوة منها وليست بمبادرة منه، وأن موقفها من قضية الصحراء المغربية يتسم بالازدواجية؛ فعندما اعتمد مجلس الأمن الدولي قرار تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء (مينورسو) إلى غاية 31 أكتوبر القادم، أكد الممثل الدائم لجنوب أفريقيا في نيويورك مارتينوس فان شالكويك مجددا دعم بلاده لجهود ستيفان دي ميستورا من أجل التوصل إلى حل سياسي “عادل ومستدام ومقبول”.
وكان المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قد كشف خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء أن “ستيفان دي ميستورا يتوجه إلى جنوب أفريقيا بدعوة من الحكومة للمشاركة في اجتماعات مع كبار مسؤولي جنوب أفريقيا”، موضحا أن “المناقشات ستدور حول مسألة الصحراء المغربية”.
وفي اليوم نفسه التقت نائبة وزير خارجية جنوب أفريقيا كانديث ماشيغو دلاميني بممثل جبهة بوليساريو في بريتوريا محمد يسلم بيسط، وتمحورت المحادثات بين الطرفين حول “سبل تعزيز العلاقات الثنائية وبحث آخر التطورات المتعلقة بقضية الصحراء المغربية على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
تكتم باندور على مخرجات اللقاء مع المبعوث الأممي هو نتيجة عدم خروج دي ميستورا عن نطاق هدفه لحلحلة النزاع والدفع بالجزائر نحو الجلوس إلى طاولة الحوار
وجاء هذا التحرك من جنوب أفريقيا بعدما فشلت رفقة الجزائر في استقطاب الدعم لبوليساريو وتمرير توصية ضد الوحدة الترابية للمغرب في البيان الختامي لقمة دول عدم الانحياز المنعقدة في يناير الماضي بكامبالا، وفوز المغرب برئاسة مجلس حقوق الإنسان في جنيف بفارق كبير في الأصوات عن جنوب أفريقيا.
ورغم تدخلات جنوب أفريقيا لتمرير توصية ضد الوحدة الترابية للمملكة جددت القمة الـ19 لحركة عدم الانحياز في ختام أشغالها التأكيد على دعمها للمسلسل السياسي الأممي المتعلق بالنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، بهدف التوصل إلى “حل سياسي مقبول لدى الأطراف، مع تنفيذ القرارات الأخيرة الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي أبرزت تواليا أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي جدية وذات مصداقية”.
وكان قرار مجلس الأمن رقم 2703 المعتمد في 30 أكتوبر 2023 قد أكد أن الحلّ السياسي النهائي لا يمكن إلا أن يكون حلا سياسيا واقعيا وعمليا ودائما وقائما على التوافق، مع تكريس الموائد المستديرة كإطار وحيد للمسلسل السياسي الأممي، بوضوح الأطراف في هذه العملية، وطالبها بمواصلة الانخراط فيه إلى حين التوصل إلى حل.
وأرادت جنوب أفريقيا من خلال هذا اللقاء التعويض عن فوز المغرب برئاسة مجلس حقوق الإنسان في جنيف بفارق كبير في الأصوات عن جنوب أفريقيا، وفشلها خلال قمة البريكس التي احتضنتها خلال أغسطس الماضي في الإساءة إلى الوحدة الترابية للمملكة، عندما رفض باقي الأعضاء دعوة إبراهيم غالي، زعيم جبهة بوليساريو، للحضور ومنح العضوية للجزائر.